كتب: محمد كمال. يحيطنى اليقين دائماً أن بناء الأسماء فى عالم الإبداع يأتى عبر آلية تراكمية ترتكز على تجارب متنوعة ضاربة فى عمق الزمن بالتوازى مع تواتر الأجيال ..وأعتقد أن الفنان القدير عفت حسنى من هذا النوع ، حيث رأيناه يخوض المغامرة تلو الأخرى منذ تخرجه من قسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية عام 1963م ، مروراً بخبراته المحصلة من عمله فى مجال الرسم الصحفى الذى منحه احتكاكاً مباشراً بالرموز الأدبية ، سيما فى مجلة المصور بدار الهلال ، علاوة على مهاراته فى تشييد أبنية الديكور للأعمال المسرحية والسينمائية المختلفة ، وكذلك رسوماته لمجلات الأطفال التى شكلت وجدان أجيال متتابعة ومنهم كاتب هذه السطور الذى عاش طفولته مع رسومات عفت المصاحبة لسلسلة " المغامرون الخمسة " ومؤلفها محمود سالم ، وذلك بالتناوب مع الفنان مأمون فى دار المعارف منذ نهايات الستينيات وطوال عقدالسبعينيات الذى شهد فى منتصفه أيضاً رسوماته الموازية لسلسلة " الشياطين ال13 " خلفاً للفنان حلمى التونى .. لذا عندما اعترك عفت حسنى مجال عروض الصالون عبر لوحة الحامل بداية من معرضه الفردى فى مارس عام 1997م بقاعة الهناجر بالأوبرا كان محملاً برصيد هائل من الوعى الجمالى والبصرى والتراثى الذى أهّل عمله التصويرى للكشف عن ملامح ثقافة أمة شربت من المعارف المتمايزة عبر العصور .. فإذاتأملنا عرضه الحالى " العزف " سنجده يستقطر كل خبراته السابقة ليبث رحيقها عبر ألوانه الزيتية والإكريليكية على مسطحات من الخشب تارة ، وعلى القماش تارة أخرى تبعاً لمقتضيات الظرف التقنى ، مستعيناً بمفرداته المألوفة لدى العقل والوجدان الجمعى ، مثل الأنثى والحصان والديك والحمامة والعصفور والحنطور والكمان والعود والناى والوردة ، وهى العناصر التى يمارس من خلالها التباديل والتوافيق التصويرية من أجل غزل مشهده الخاص الذى يتأرجح بين الآليات الأسطورية والشعبية والملحمية والسوريالية ، مستقياً إياها من بئر الواقع الذى يعيشه يومياً بين أنفاس البشر وصهد البيوت وونس الشارع ودفء أجساد النساء وشهامة سلوك الرجال .. سنجد عفت حسنى فى هذا العرض يعزف على أوتار الذاتين الفردية والجمعية عبر اشتهائه لأجساد الإناث البضة البيضاء داخل الحناطير وفى حضن الكمان وفوق ظهور الجياد والجمال وفى صحبة الورود والعصافير ، حتى أنه دمج أحدها ذات مرة مع أحد الجياد عبر مناصفة جزعية ..الأنثى لديه هى الوطن بجغرافيته وتاريخه وعقيدته ، حيث نراه يحيطها أحياناً بالمآذن والقباب ، بينما تحمل على رأسها الهرم وعش الحمام فى أحيان أخرى ، فى حين نشاهدها فى حالات كثيرة تمارس العشق المباح ، بماقد يفصح عن وجود عفت حسنى نفسه كرمز للذكورة فى العمل ، حيث نجده فى بعض المشاهد وهو يمتطى ظهر الحصان أو الديك بين حالتى الصهيل والصياح وكأنه يفصح عن حواره مع ذاته الجمعية .. وعلى جانب آخر ربما يدفع بالعزف صوب الذاكرة الإبداعية مثلما نرى فى عمله الذى يجمع من خلاله بين الموناليزا وشارلى شابلن كرمزين راسخين فى المخيلة الشعبية التى يستدعى منها نجوماً آخرين مثل محمود شكوكو صاحب المقام الرفيع فى الوجدان المصرى .. وفى هذاالسياق نرى عفت حسنى يعتمد على التراكيب البنائية المستلة من الواقع والمغايرة له فى آن واحد ، بما يؤدى للشعور بمشهد تصويرى سوريالى النكهة أحياناً لكنه غير منفصل عن سياجه البيئى ، وملحمى المذاق أحياناً أخرى بعيداً عن الصراخ الزاعق ، وتعبيرى الملمح فى كثير من الأحيان عبر تحريف لمفردات المشهد بوعى تشريحى محسوب .. وقد نلمس اكتمال دائرة انتماء عفت حسنى لثقافته المصرية الشرقية العريقة فى تلك الزخارف الكاسية لمفرداته العضوية والجامدة بين مربعات ومثلثات وخطوط لولبية ووريقات نباتية ومساحات عفوية ، وكلها رافدة من مكتسباته المهارية عبر دراسته فى قسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية ، فى عزف متواتر على أوتار الذات الجمعية .. وتعميقاً لذلك السياق البيئى نجده يدثر زخارفه ونقوشه بالألوان الصداحة المضيئة وكأنه عجنها بضياء الشمس اللافحة وضى القمر الحالم ، ليستمر عفت حسنى فى الإلتحاف بثقافة وطن طالما روى وجدان مبدعيه بسخاء قبل أن يدفعهم للعزف على أوتار الذات . كلمتى فى كتالوج معرض الفنان عفت حسنى الذى افتتح فى قاعة بيكاسو بالزمالك فى 8 يناير 2015م