أخبار مصر اليوم: السيسي يضع إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول.. كواليس اختفاء لوحة أثرية نادرة من مقبرة بمنطقة سقارة.. مدبولي يبحث تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة    الإسكان: طرح تكميلي جديد لوحدات العاملين بالخارج ضمن مبادرة "بيتك في مصر"    وزير العمل: "أنا مش ظالم" والعلاوة الجديدة أكثر عدالة وتحتسب على الأجر الشامل    مسؤول أمريكي: التقدم بشأن خطة ترامب يبدو إيجابيا في الوقت الحالي    تعادل مثير بين باريس سان جيرمان وليل في الدوري الفرنسي    ضبط 6 أطنان من الدقيق البلدي المدعم قبل بيعها في السوق السوداء بالجيزة    عمرو أديب: توجيه رئاسي بإنشاء مخزن آثار ضخم ومؤمَّن بأحدث تكنولوجيا    المشدد 3 سنوات لسائق بتهمة حيازة سلاح ناري بالجيزة    الديهي: جيل كامل لا يعرف تاريخ بلده.. ومطلوب حملة وعي بصرية للأجيال    ماذا قال الجيش اللبناني بعد التحقيق مع فضل شاكر؟    اجتماع ل «قيادات أوقاف الاسكندرية» لمتابعة ملحقات المساجد والمستأجرين (صور)    «هفضل أدافع عن الأهلي».. شوبير يوجه رسالة لجماهير الزمالك قبل برنامجه الجديد    500 شاب وطفل من ذوي الهمم يشاركون في القافلة المجتمعية لوزارة الشباب بالمنيا    لمستفيدي تكافل وكرامة والأسر فوق خط الفقر.. رئيس الوزراء يصدر قرارًا جديدًا    عمران القاهرة.. بين السلطة الحاكمة ورأس المال وفقراء الشعب    لينك تحميل تقييمات الأسبوع الأول للعام الدراسي 2025-2026 (الخطوات)    المشدد 10 سنوات ل شقيقين بتهمة الشروع في قتل شخص آخر بالمنيا    تفاصيل جديدة في واقعة الفعل الفاضح على المحور    اليوم العالمي للمعلمين 2025.. دعوة لإعادة صياغة مهنة التدريس    «إوعى تآمنلهم».. 3 أبراج أكثر مكرًا    تامر فرج عن وفاة المخرج سامح عبد العزيز: معرفتش أعيط لحد ما غسلته (فيديو)    بطولة منة شلبي وكريم فهمي.. التحضيرات النهائية للعرض الخاص لفيلم هيبتا 2 (صور)    مواقيت الصلاه غدا الإثنين 6 اكتوبرفى محافظة المنيا.... تعرف عليها    أذكار المساء: دليل عملي لراحة البال وحماية المسلم قبل النوم    مظهر شاهين عن «الفعل الفاضح» بطريق المحور: التصوير جريمة أعظم من الذنب نفسه    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور الفتيات مع المشاهير؟.. أمين الفتوى يُجيب    «مستشفى 15 مايو التخصصى» تتسلم شهادة دولية تقديرًا لجودها في سلامة المرضى    وكيل وزارة الصحة يتفقد مستشفى كفر الشيخ العام ويؤكد: صحة المواطن أولوية قصوى    ارتفاع بورصات الخليج مدفوعة بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    هالاند يقود جوارديولا لانتصاره رقم 250 في الدوري الإنجليزي على حساب برينتفورد    أحمد عابدين يخطف الأضواء بعد هدفه في شباك شيلي بتصفيات كأس العالم للشباب    مباحث تموين الغربية تضبط 42 مخالفة في حملة رقابية خلال 24 ساعة"    سامح سليم: لا أملك موهبة التمثيل وواجهت مخاطر في "تيتو" و"أفريكانو"    حماس: تصعيد استيطاني غير مسبوق في الضفة لابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    هل يشارك كيليان مبابي مع منتخب فرنسا فى تصفيات كأس العالم رغم الإصابة؟    ارتفاع حصيلة ضحايا الانهيارات الأرضية والفيضانات في نيبال إلى 42 قتيلا    جامعة بنها الأهلية تنظم الندوة التثقيفية احتفالاً بذكرى نصر أكتوبر المجيد    إيمان جمجوم ابنة فيروز: اختلاف الديانة بين والدى ووالدتى لم يسبب مشكلة    «القاهرة الإخبارية»: لقاءات القاهرة ستركز على تنفيذ خطة وقف إطلاق النار في غزة    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    مستشفى الغردقة العام تستقبل الراغبين فى الترشح لانتخابات النواب لإجراء الكشف الطبي    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    أفشة: مشوار الدوري طويل.. وتعاهدنا على إسعاد الجماهير    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    رسميًا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة شهر أكتوبر 2025    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    وزير الدفاع الإسرائيلي: 900 ألف فلسطيني نزحوا من مدينة غزة نحو جنوبي القطاع    عشرات الشهداء في 24 ساعة.. حصيلة جديدة لضحايا الحرب على غزة    شوبير يعتذر لعمرو زكي بعد تصريحاته السابقة.. ويوضح: عرفت إنه في محنة    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصار الآخر
نشر في شموس يوم 26 - 03 - 2012

وقفَ على باب الكلام يطرقُه بوابلٍ من أسئلة. ارتعش قلبها. تكوّم على نفسه مذعوراً, وأخفى رأسه بين الضلوع. فتحتْ مظلّة التجاهل لتتفادى زخاتٍ غاضبةً من علامات التعجب والاستفهام, لكن انهمار الأسئلة تواصل ملحّاً على زجاج دهشتها, يوقظ عصافير الخوف المختبئة في دمها.
كانت كلماته أثقل من أن تتبخر عطراً في الغرفة, بل تساقطت مثل كراتٍ ملتهبة تشعل المكان بنيران الظنّ والغيرة.
التصقتْ بجذع الصمت, ولطالما ألفتْ ذراعيه حول خصرها يراقصها لساعات طويلة. ارتجفت الكلمات وراء شفتيها وغابت عن الوعي, فإذا صوتها يسقط مخنوقاً يعلن عجز المفردات عن ولادة إجابة في جملة أو عبارة!
لبرهةٍ راح عنكبوت الهدوء يغزل غلالته الرقيقة في الزوايا, لكن صوته سرعان ما اقتحم قلعة الصمت بمنجنيقات صراخه. شدّ انتباهها من يده, وانتزعها من ذراع الشرود.
رفعتْ رأسها المثقل بجثث الأفكار, وعيناها تتسلقان جسده ببطء. تعبران كلّ تفاصيل الرجولة الثائرة. تخترقان عينيه وتغوصان فيهما, فألفت نفسها وقد خرجتْ منه ومن المكان والزمان مثل كائنٍ أثيريّ شفاف يجوب الجهات في قطار من ذهول. صار صوته أشبه بطنين من النحل حول قرص من العسل.
هو غاضبٌ ثائرٌ لأن تغيّراً ما قد فتح نافذة في حياتها, فامتدت أغصانٌ من الفراشات نحو الضوء. وهو الذي ما فتئ يقلّم أغصانها كي لا تنمو في غير الاتجاه الذي يريد. هو الذي امتلك صكّاً بإزالة شيوع أنوثتها, فكيف لأيّ غصنٍ أن يخترق الأسلاك الشائكة المغروسة حولها.
بحثتْ عن إجابة تريح صداع إلحاحه, لكنّ بركاناً من المتناقضات يمور في أعماقها, يكاد يُشعل فتيل انتظاره.. لينفجر ضجيجاً وأشلاء صراخ. آثرت البقاء هادئة, تغسل جرح الصمت بكحول دمعها. تضمّده ببقايا صبر يحتضر.. ثمّ ترفو قميص أعصابها الممزق.
بالامس حرّضها على التمرد وكسر القيود, لتطير في فضائه. حاول اغتصاب الخوف الموروث فيها, أمّا الآن فيرفض أن تندفع روحها خارج أسوار مجرّته' لتقف على بوابات الغياب تستجدي لحظة رجوع إلى ذاتها.
لِمَ تغيّرتُ؟! ويريدُ تبريراً... همست مضطربة.
فلطالما كانت كلماتها تتسكع على طرقات سمعه المجدبة مثل كلابٍ شاردة تطاردها بنادق سخريته, فتهوي على أنوفها ميتة... فما جدوى الكلام؟! وكيف تشرح له ما بداخلها من هدير متفاقمٍ يجتاحها شبراً فشبراً
. كيف تقول له: إنّها ملّت اجترار الأيام والواجبات ورسم الابتسامات على وجهها, كيما تكون امرأة كاملة في نظر مجتمعه... كيف تقول له: إن جراد العقم يلتهم وجودها!
منذ البداية كان عليها أت تنسكب في القالب الأزلي, لتخرج منه تمثالاً مشابهاً لكل من عبرنه قبلها, ليأتي هو- وبكل ما لديه من صلاحيات عليا- ويبدأ بكتابة تاريخ بطولاته على جسدها وروحها وعقلها!
لعلّها كانت أوفر حظّاً, إذ إن لعقلها بعض الشرفات المطلّة على بحار أخرى.ز وكم حاول إقناعها بإغلاقها مسهباً في شرح الخطر الذي يتهددها بالسقوط نتيجة علوّها الشاهق.. وحين كانت تثور غاضبة, يسارع للقول: كوني عاقلة كما عهدتك!
وكم كانت تشعر بالإطراء إذ قلّما يثني رجل على عقل امرأة. مع الأيام اكتشفت أن تلك الجملة ما كانت أكثر من قطعة حلوى تُقَدّم لطفلٍ لتعزيز سلوكٍ نرغبه فيه.
كثيرةٌ هي المناقشات التي احتدمت بينهما, لكنّها انتهت دوماً بقوله: أنتِ امرأة متعِبة, صعبة المراس, خيالية, وما من شيء يرضيك!
فكيف تشرح له ما يجول بخاطرها, وبأن صقيع الواقع الممل يجمّد أطرافها, ويصعد متراكماً على جسدها, يحوّل كلّ إحساس, وكلّ طموح إلى مستحاثات كفيَلةٍ من الماموث مدفونة في الثلج, بل إن يده امتدت إلى ذاكرتها, لتطفئ مصابيحها واحداً تلو آخر, لتبقى في العتمة المريحةوتفقد الأشياء خصوصية أشكالها وألوانها.
وحدها العيون بقيت مضاءة بقنديل الحلم المتراقص كمحارةٍ تبذل لؤلؤها, وعندما يعزّ عليها التحليق.. تجلس في حديقة وِحدتها, تدعو المساء إلى فنجان من الثرثرة الجميلة. تلاحق مركب الليل المبحر إلى طفولة الكلمات, فتجعل منها طائرات شراعية ملونة, تعطيها أشكالاً خرافية, وتستجمع كلّ الصور المختبئة خلف صخور النسيان لترصّع بها أجنحتها.
كانت تداعب الحلم كظبيّ يداعب خياله في ضوء القمر ظنّاً منه بأنّه برفقة أنثاه, وحين يكتشف غباءه, يسلم ساقيه للريح ويعدو. وهكذا كانت تكتشف غباء أحلامها. كانت أفكارها وطموحاتها تبدو كسائل زئبقي متوهجٍ لامعٍ على سطح الواقع.. وكم حاول مزجه بمائه رجّاً وخلطاً وتحريكاً. لكن الزئبق سرعان ما كان يطفو حرّاً محتفظاً بكينونته. تُرى ألا يستطيع أن يدرك أن الأرض أيضاً تعاف تكرار غرس ذات البذور في جوفها, فتغدو مواسمها أقل عطاء, بل إن الكون ذاته يشعر بالسأم, ولذا كان تعاقب الليل والنهار. قالت لنفسها ثمّ تابعت:
أنا لستُ امرأةً متعِبة.. لكنني لا أقبل بتحويل عقلي إلى حدوة لخيل الركود, أو إلى عربة تجرّها أفراس التقوقع. كل ما أريده مقدارٌ من امتلاك الذات, وأن أمارس الوجود على طريقتي.
شعرتْ باندفاع الحمم المصهورة في جوفها باحثة عن ثغر, فانطلق صوتها كحمامة أدركت للتوّ أن باب القفص مفتوح:
لِمَ تغيّرتُ!! إنّه تراكم الحزن واليأس.. تراكم جثث الطموحات القتيلة, وصراخ الأحلام المؤجلة إلى ما لانهاية.. ولكن, ما جدوى الكلام؟!
أيقظَتها خطواته المقتربة نحوها من شرودها, ويداه تسدلان ستائر النافذة المفتوحة, وهو يردد
: هيّا... كوني عاقلة كما عهدتك!
حملتْ وشاح كلماته, وأودعته في خزانة التحف التذكارية القديمة المتهالكة في ركن كئيب من الغرفة. رفعت كل الستائر, وأشرعت النوافذ على المدى, فهي لا تريد الموت خنقاً برطوبة اليأس وعفونة الخوف, أو شنقاً بأسطوانات التكرار, أو رميّاً برصاص الجمود والهرولة في المكان.
ارتشفتْ رذاذ الضوء المنهمر على وجهها. مدّت أصابعها في جيب الأفق: أخيراً.. سأدرك نجمتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.