p style=\"text-align: justify;\"النحاتة اللبنانية كولين دير بوغوصيان، مواليد بيروت عام 1951، زارت بغداد لأول مرة في المهرجان التشكيلي الثالث عام 2002، وقد عرضت تجربتها الفنية في النحت البرونزي بأحجام مختلفة.كولين، هذه الفنانة التي نشأت وترعرعت مع الطين منذ طفولتها، وهي تنتمي لعائلة فنية، متأثرة بشقيقها التشكيلي الأكبر سناً، إذ أخذت تتطلع وتبحث في مصادر ومراجع مكتبته الشخصية الفنية العالمية المتخصصة. p style=\"text-align: justify;\"وقد جذب إعجابها الشديد، بفن النحات الفرنسي (Bourdelle )، وهو أحد تلامذة النحات العالمي الشهير(رودان) حيث مكثت عام 1974 في متحف (maison de bourdlle ) لدراسة وبحث أعمال هذا الفن، فضلاً عن حصولها في العام نفسه على دبلوم دراسات عليا في الرسم والنحت من معهد الفنون الجميلة/ الجامعة اللبنانية (IBL-UL ).وبين عامي 1975-1976، قامت بدراسة وترميم اللوحات القديمة في متحف (Louvre ) ومن ثم مارست التدريس، كأستاذة نحت ورسم، في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة في لبنان منذ عام 1977، فضلاً عن مشاركتها منذ عام 1986 في المعارض الفنية، داخل وخاج لبنان. وقد بدأت كولين، عفويتها كأي طفل يداعب ويلعب مع الطين، كونه مادة مطاوعة مع افكارها وخلجاتها وهواجسها، وهي تبتدع أشياء وأشكال ذات معالم تشخيصية، من مادة خام لاشيء. تلك البداية، وهذه النتائج الملموسة، قد أعطتها ثماراً يانعة شجعتها لكي تواصل طموحها، بابتكار وتقديم أكثر عدد ممكن من (نماذجها / أفكارها) تلك الثمار الإبداعية، كانت بمثابة سلوى لأوقاتها ولحياتها الطفولية أو الصبيانية، وهي ترى أفكارها النابضة مجسدة على الطين الأصم، بل ان الطين نفسه أصبح فيما بعد رمزاً مقدساً عميقاً في كيانها، لاندماجها وتجذرها في الأرض، وفي مراحلها التالية.. تعاملت مع المرمر ذي الحجم الكبير،وقدمت أعمالاً عملاقة، رغم ان المرمر بحاجة الى جهد عضلي رجالي، إلا ان إرادتها وحبها لعملها جعلها تنفذ هكذا أعمال مرمرية.وفي زمن الحرب الأهلية في لبنان من عام 1975-1990، انطلقت كولين لتجسيد مجرى الحياة الاجتماعية اليومية، ومأساتها الطويلة تحت وطأة أحداث الحرب الطاحنة، بمنحوتاتها البرونزية، التي لايتعدى قياس حجمها مابين 7سنتمترات إلى 60 سنتيمتراً، فقد أختزلت بهذه الأحجام الصغيرة، كل المعاناة الكبيرة والجسيمة، برمز شاخص وفاعل في الحياة، ألا وهو (المرأة) بكل ماتحمله من معان إنسانية سامية أزلية للعطاء والخير والإستقرار والإستمرارية.فقد أعطت كولين برمز المرأة، بالدرجة الأولى إلى الأرض وهي تعاني ويلات الحرب والتشرذم الموت البشع والدّمار الشامل الذي يحدث عليها، أما الرمزية الآخرى فهي المرأة الإنسانية، الحنون، الأم والأخت والحبيبة، وهي تواجه مصيرها وحياتها المؤلمة، بثبات وديمومة وشموخ، رغم رقة إنوثتها.لنتأمل من نماذجها البرونزية التعبيرية في زمن الحرب تلك، فقد جسدت امرأة بطبيعتها، وهي في حالة وثوب واستنفار، حيث قدماها المغروسة أو الغائصة في الأرض، لترمز بذلك عن المرأة المتجذرة في أرضها ومجتمعها، لاتهزها ظروف طارئة أو عابرة، وهي تتحدى الصعاب المدمى بالجراح العميقة والمخزونة بالآلأم، إذ تنظر إلى أفق السماء البعيد، وهو أمل السلام الموجود، الذي سيحل يوماً ما رغم بعده.. وقد نفذت المنحوتة هذه بطريقة أو بتقنية (الترميم) أو الضربات الكتلوية اليدوية، بشكل كدمات أو ضمادات طبية، تتسم بخشونة الملمس لتدل بذلك على الجراح المثخنة والمؤلمة في جسد الوطن والأرض والحياة الإنسانية عموماً.يقول النحات الألماني التعبيري إيرنست بارلاخ (1870-1938): ان لغتي الفنية الأم، تكمن في الجسم الإنساني، في تلك المادة التي يعيش فيها الإنسان، والتي من خلالها يتألم ويفرح ويشعر ويفكر، وهذه المادة لم أستطع ان أتجاوز حدودها.أما بعد إحلال السلام، وإنتهاء أوآر الحرب الأهلية في لبنان، فقد بدأت برونزيات كولين تتميز بطابع الملمس الناعم وإتضاح الملامح الانثوية الرشيقة، وهي تعيد حيويتها الصحية والصحيحة إلى المرأة الإنسانة، لتأخذ سبيلها إلى الحياة الطبيعية الزاهية... حيث التأمت الجروح وأزيلت الضمادات الخشنة، وقد أعيدت عافيتها تدريجياً.هكذا، هي التعبيرات الواقعية للنحاتة كولين، التي تجسدها في قطع برونزياتها الرمزية الصغيرة.