لم أكن لأتخيل يوماً مراحل الشيخوخة وما يمر به بعض كبار السن، حتى رأيت مراحل الطفولة في شهورها الأولى. شعرت وقتها بأننا نبدأ وننتهي بنفس الطريقة. ولكن الفرق بين المرحلتين، أننا نجد في طفولتنا من يتحملنا، بل ويعشق كل تفاصيل عجزنا ويرحب بها. فلا أسنان لنأكل، ونتملل بكاءً حين يتم اطعامنا، نرهقهم سهراً ليلاً بمرض أو بدون. ناهيك عن تغيير الحفاضات التي لا يشعرون معها بالأشمئزاز أو القرف أبداً. كل هذا وأهلنا صابرون.. متحملون.. محبون.. وقدرتهم على العطاء تتزداد يوماً بعد يوم. لكن ماذا يحدث عندما تنقلب الأيه – كما يقال- ويصبحون هم في كبرهم كالأطفال في عجزهم لا قدر الله (أدام الله عليهم صحتهم). ماذا يجد بعضهم من أبنائهم غير الأفأفه والأشمئزاز والقرف من فعل أي شيء لهم. كثيراً ما كنت أسمع عن عجائز يحتاجون لرعايه كالأطفال من أطعام وتغيير حفاضات، وسهر لأعطائهم الدواء في وقته. في نفس الوقت الذي أعرف أن بعضاً من الأبناء يرفضون مساعدتهم أو الأعتناء بهم، فأما أن يهجروهم أو يلقون بهم في أحد دور الرعايه. لماذا نجد الحب في المرحلتين مختلف؟.. فالحب الأول قادر على العطاء حتى النهاية بدون تملل، بينما الحب الخر لا يبدو حباً حقيقياً كالمكتسب. لن أنكر أن هناك من البناء من يزيد تقديرهم لوالديهم ما أن ينجبوا، وربما عاد ذلك ببساطه لتعايشهم مع ذات المراحل التي عايشها والديهم معهم من قبل. والتي في الغالب لم تكن قيد التقدير وقتئذا. جميلٌ أن يسخر لك الله من يحبك ويعتني بك وقت ضعفك، ولكن الأجمل أن نرد لهما الجميل و ألا ننسى قول الله تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24). فتأمل عمق الأيه الكريمه وأدعوا لهما بدوام الصحة والعافيه.