جرت العادة أن يبحث أي مجتمع عن مكتسبات ما بعد التغيير، أما أن يبحث نصفه عن حقوقه المكتسبة في السابق والتي ضاعت في غمرة هذا التغيير، فهذا يجعلنا نتأمل وضع المرأة الآن في دول ما عرف بالربيع العربي، خصوصاً أننا قد احتفلنا للتو باليوم العالمي للمرأة. قبل ثلاثة أعوام كانت المرأة العربية قد بدأت تبحث في كيفية الوفاق بين الإشكاليات الناتجة عن تحفظات الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية وبين نصوص مواد هذه الاتفاقيات، وتحديداً التحفظات التي لا تتناقض مع أحكام الشريعة، وهذه مسألة نخبوية بحتة ولكنها كانت ستفعّل في حال نجاحها وضعية المرأة إلى حد كبير. اليوم تبحث النساء عن الأمان من التحرش والاغتصاب سواء في الطريق العام أو مخيمات اللجوء، ناهيك عما تبحث عنه نساء ليبيا واليمن لما لهذه البلدان من خصوصية غير مفهومة حتى الآن. حتى تونس التي كنا نحسد نساءها على ما يتمتعن به من حقوق، قد صرحت لإحدى وكالات الأنباء الناشطة والمدونة التونسية لينا بن مهني التي رشحت لنيل جائزة نوبل للسلام أنها قلقة على وضع المرأة في ظل الحكومة التي يقودها الإسلاميون. نعم، كانت النساء في الهبات الشعبية وكانت أحلامهن تسبقهن نحو عالم لا ينتقص منهن ككيان حيوي في المجتمع، لكنها أحلام سرعان ما تبخرت حتى من قبل أن تتنبه بقية فئات المجتمع لخطورة وجود الجماعة الإرهابية في الحكم، وانهارت تماماً حينما سيطرت جماعات أخرى على الشارع وبدأت تفرض أفكارها الملغومة محتمية بالجماعة الحاكمة. أظهر استطلاع للرأي نهاية العام الماضي أن مصر قد أصبحت أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة الآن. وكانت نتائج مصر سيئة في معظم المجالات، ومنها العنف ضد المرأة وحقوقها الإنجابية والمعاملة التي تلقاها داخل الأسرة ومشاركتها في السياسة والاقتصاد، وبداية تفشي زواج القصّر بعدما هيمنت أفكار جماعات بعينها على عقول البسطاء من خلال قنوات فضائية ملغومة انتشرت انتشاراً غريباً منذ 25 يناير حتى الثلاثين من يونيو. في يوم المرأة العالمي بينما تقيس منظمات الأممالمتحدة المعنية درجة تقدم أو تراجع وضعية المرأة في البلدان المختلفة، وجدنا نساء الربيع الأسود خارج هذا التقييم منكفئات على لملمة البقية الباقية من وجودهن على المشهد الحياتي في بلدانهن، ومن دون أي تقارير يمكن لأي مراقب أن يؤكد أن حقوق المرأة في هذه البلدان لم تنتهك بهذا الشكل السافر من قبل كما انتهكت على أيدي الجماعات الإسلامية التي لم تتنكر لحقوقهن فقط بل لوجودهن من الأساس والذي انحصر فقط في العملية الإنجابية، حتى بتنا نناقش أهمية وجود المرأة في المجتمع بدلاً من مناقشة أوجه القصور في نيل المرأة حقوقها كاملة غير منقوصة كشريك رئيس في أي مجتمع من المجتمعات. الأوضاع قد تغيرت الآن على الأقل في مصر على المستوى السياسي، وسيتبع هذا التغيير تطور على الصعيدين الأمني والاقتصادي، ولكنها لم تتغير بما يخص العقول التي تم تخريبها على مدى سنوات طويلة وخرجت من مخابئها إلى الطرقات العامة، وهذه كارثة في حد ذاتها. فارق كبير بين أن تخرج المرأة لتدافع عن حقوقها، وبين أن تخرج لتنادي بضرورة حمايتها على المستوى الشخصي من التحرش والاغتصاب حتى باسم الجهاد، إلى جانب الكلمات الخادشة التي تعكس نظرة دونية لها إضافة إلى الزواج المبكر وتفشي ظاهرة الختان والكثير مما لا تسمح هذه المساحة بأن نعدده. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.