إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    نزل للنصف، تراجع أسعار السمك في أول أيام المقاطعة بالمنوفية وعروض مخفضة من أصحاب المطاعم    الحوثيون يستهدفون سفينة في خليج عدن ويطلقون صواريخ مجنحة على أهداف في إيلات    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    الإنترنت المظلم، قصة ال"دارك ويب" في جريمة طفل شبرا وسر رصد ملايين الجنيهات لقتله    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام ريال سوسيداد في الدوري الاسباني    رمضان صبحي: بيراميدز تأثر بانتقال عبدالله السعيد إلى الزمالك    أمريكا تستعد للإعلان عن عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    تطبيق "تيك توك" يعلق مكافآت المستخدمين لهذا السبب    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    بعد الارتفاع الجديد.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 26 أبريل بالبورصة والأسواق    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    الزراعة: منافذ الوزارة تطرح السلع بأسعار أقل من السوق 30%    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    «عودة قوية للشتاء» .. بيان مهم بشأن الطقس اليوم الجمعة وخريطة سقوط الأمطار    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف كواليس أزمة خالد بوطيب وإيقاف قيد الزمالك    فلسطين.. المدفعية الإسرائيلية تقصف الشجاعية والزيتون شرقي غزة    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    رضا عبدالعال: إخفاء الكرات بمباراة القمة كان في صالح الأهلي    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم هو ذكرى استشهاد فاروق الأمة عمر بن الخطاب غدرا 3-11-644م
نشر في شموس يوم 07 - 11 - 2013

بسم الله الرحمن الرحيم .. (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين من اعز الدين
وخذل الكافرين والمرتدين, وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم أصحاب الهمة خير
الأمة الثابتين على الدين أجمعين
أما بعد
يشرفنى أن أبدأ بفتح صفحات التاريخ المشرفة المهملة والمنسية منذ مبعث
النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام إلى وقتنا الحاضر, ونأخذ منه الدروس
والعبر فان كانت مفرحة حمدنا الله عليها وسعينا إلى تقليدها ومحاكاتها
والسعي على الثبات على مسيرة السلف رحمهم الله وان كانت غير ذلك
أخذنا منها الأسباب التي جعلتها غير ذلك لنتجاوزها وتكون لنا نبراسا في ما
تبقى من هذه الحياة الفانية.
ولكننا سنتخذ من التاريخ الميلادي أساسا لطي الصفحات وذلك لثبات التاريخ
فيه لعدم اعتماده على القمر كما يعلم المسلم المطلع, وكذلك وللأسف
الشديد فان اعتماد المسلمين اليوم على هذا التاريخ هو الطابع العام رغم
وجود التاريخ الهجري من عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
و سنتدارس حلول ذكرى
استشهاد فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه غدرا 3-11-644م
في تاريخنا الإسلامي العريق رجالات عظام لو أننا حاولنا أن نذكر جزءا من
مناقبهم لما وسعتنا الصحف ولا الكتب, ولكننا نقطف من حدائقهم زهورا
متفرقة من أنواع مختلفة علها تكون بعطرها الزاهي نبراسا لنا ولإخواننا في الله
تعالى.
ومن هؤلاء الرجالات الذين نستذكر اليوم مصابنا فيهم هو فاروق الأمة.. عمر بن
الخطاب رضي الله عنه وأرضاه... ففي مثل هذا اليوم غادر الفاروق هذه الدنيا
التي أنهكته وأتعبته إلى الحياة الأخرى الأبدية, غادرها وهو مظلوم شهيد..
نعم.. هو دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( اللهم اعز الإسلام
بأحب هذين الرجلين إليك: بابي جهل بن هشام, أو بعمر بن الخطاب).. فهو
الحبيب إلى الله تعالى.. وهو من سيعز الله به الإسلام.
نعم... هو من به أعلن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دعوته وجهر بها
وهو من ذهب متحديا إلى الكعبة ليقول ( من أراد أن تثكله أمه, ويوتم ولده, أو
يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي).. لأنه سيخرج مهاجرا بالعلن...
نعم... من وافق كلامه للقران الكريم قبل نزوله في عدة مواطن.. كما في ترك ا
لصلاة على المنافقين, وأسرى معركة بدر, وفي الحجاب, وفي الاستئذان قبل
الدخول على البيوت... فقد قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( لقد
كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فان يك في أمتي احد فانه عمر)...
نعم.. هو العالم بأسباب النزول والمجتهد في الأحكام وهو الملازم لرسول الله
وهو من روى حديث جبريل المشهور.. قال عنه صلى الله عليه وسلم: (بينما
أنا نائم أتيت بقدح لبن, فشربت منه حتى أني لأرى الري يخرج من أظافري,
ثم أعطيت فضلي- يعني عمر- قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم)..
والجميع يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي وحق.
نعم.. هو الفاروق عمر.. المجاهد البطل في غزوة بدر..وغزوة احد.. وبني
المصطلق والخندق.. وصلح الحديبية وسرية النبي إلى هوزان.. وغزوة
خيبر..وفي فتح مكة.. وغزوة حنين وتبوك...
هو... المتشرف بتزويج ابنته حفصة أم المؤمنين من رسول الله صلى الله عليه
وسلم..
هو...عدو الشيطان ومرعبه ... قال عنه الصادق المصدوق: (يا ابن الخطاب
والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا أخر)...
هو.. احد المبشرين بالجنة... قال عليه الصلاة والسلام لأبي موسى
الأشعري: [افتح له ( أي لطارق الباب) وبشره بالجنة] فكان عمر الطارق..
نعم.. هو من مَن أوصانا نبينا بالإقتداء بهم فقال: (إني لا ادري ما قدر بقائي
فيكم, فاقتدوا باللَذَين من بعدي) – وأشار إلى أبي بكر وعمر ..
هو.. الأمين للصديق.. ومستشاره الأول... فقد كان وفيا ناصحا فاقره وناصحه
وجادله في كثير من خطواته إبان خلافته المباركة..ومن أهم تلك الأعمال هي
جمع القران الكريم..
هو...من قال عنه الصديق حين رشحه للخلافة: ( اللهم إني استخلفت عليهم
خير اهلك) فهو نُصح أبي بكر الأخير للأمة..
هو...الخليفة. ..أمير المؤمنين..الذي خطب في الأمة وقال: ( اللهم إني شديد
فليني, واني ضعيف فقوني, واني بخيل فسخني), وقال: ( إن الله ابتلاكم بي
وابتلاني بكم بعد صاحبيّ, فو الله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه احد
دوني, ولا يتغيب عني فالو فيه عن أهل الجزء- أي الكفاية- والأمانة, والله لئن
أحسنوا لاحسنن إليهم, ولئن أساءوا لانكلن بهم, لكم علي إلا اجتبي شيئا
من خراجكم, ولا مما أفاء الله عليكم إلا في وجهه, ولكم علي إذا وقع في يدي
إلا يخرج مني إلا في حقه, ولكم علي أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم وأسد ثغوركم,
ولكم علي ألا ألقيكم في المهالك ولا اجمركم في ثغوركم, وإذا غبتم في
البعوث فانا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم, فاتقوا الله عباد الله, وأعينوني على
أنفسكم بكفها عني, وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم)... إنها خطبة العدل.. إنها
خطبة الحقوق.. رحمك الله يا أمير المؤمنين..
هو.. من رسخ مفاهيم الشورى والعدل والمساواة والحريات الدينية والأمنية
والسكنية والملكية وغيرها..
هو.. من اقتص من ابن والي مصر عمرو بن العاص لمصري ضربه, وهو يقول
قولته المشهورة: ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟؟؟)...
عبارة تسطر وتكتب بالذهب وترسل إلى كل طاغوت وفرعون..
هو.. من خاطب بطنه في عام الرمادة وهي تقرقر من الجوع: ( قرقر ما شئت,
فو الله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس)...
هو.. من اجلس الخدام معه على سفرة طعام قدمها صفوان بن أمية في مكة
وقال: (ما لقوم يستأثرون على خدامهم, فعل الله بهم وفعل)...
وهو القائل حينما قدم له طعام يختلف عن طعام جنوده: ( بخ بخ, بئس الوالي
أنا إن أكلت طيبها, وأطعمت الناس كراديسها, ارفع هذه الجفنة, هات غير هذا
الطعام).. فأتي بخبز وزيت .. وهو الخليفة وخزائن الدنيا بيديه..
وهو القائل لهدية أرسلها والي أذربيجان له برسالة أرسلها له: ( أما بعد, فانه
ليس من كد أبيك, ولا من كد أمك, اشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك
).. الله الله الله.. إنها العدالة والإيثار..وعدم المجاملة في قول الحق...
نعم.. هو من وصله خبر جلد ابنه عبد الرحمن في مصر وفي بيت الوالي عمرو
بن العاص وليس في الساحة, وذلك لأنه ابن السلطان والخليفة, فلما سمع
الفاروق أرسل إليه قائلا ( عجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك علي, وخلاف
عهدي, أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك, واخترتك لجدالك
عني, وانفاذ عهدي, فأراك تلوثت بما قد تلوثت, فما أراني إلا عازلك فمسيء
عزلك, تضرب عبد الرحمن في بيتك, وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد
الرحمن رجل من رعيتك, تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين, ولكن قلت:
هو ولد أمير المؤمنين, وقد عرفت ألا هوادة لأحد من الناس عندي في حق
يجب لله فيه, فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف
سوء ما صنع ).. لنقارن ما يقوله الفاروق ما يحصل اليوم من أقارب السلطان
الاباعد, فمن هذا الذي يستطيع النظر إليه؟ ومن هذا الذي يقترب منه؟ وانظر
إلى غضب الفاروق لأنه والي مصر لم يجلد ابنه أمام الناس وجلبه بصورة مهينة
إلى المدينة وجلده بنفسه...
هو.. من طبق مبدأ المساواة فلم يكن يفرق بين فاتح ولا بطل ولا سابق في
الإسلام ولا متأخر, فالكل أمامه سواء.. ومثال ذلك إسلام احد الأمراء من
الغساسنة حديثا وأثناء الطواف داس على ثوبه رجل من فزارة, فضربه ضربة
مؤلمة.. فأسرع الفزاري إلى عمر, ولم يتردد الفاروق في جلب الغساني إلى
المحكمة وبعد مناقشة طويلة بين عمر والأمير وهو يذكره بأنه اسلم حديثا وان
هذا بدوي قال له: ( دع عنك هذا, فانك إن لم ترض الرجل اقتصصت له منك)..
لم ولن يفعلها أمير أو ملك بعدك يا عمر.. لان غيرك كان قد فضل المسلم
الجديد وحاول إرضاءه ولكنك... العادل..
هو... القوي.. لكنه كان لا يجبر أحدا على دخول الإسلام.. فخادمه ( اشق) كان
عبدا نصرانيا وقال له: ( اسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين)
فأبى فلم يكرهه... وهو عبد..وقصته المشهورة مع اليهودي المسن الذي كان
يسال الناس لكي يوفر الجزية فقال فيه بعد أن أخذه إلى منزله وأعطاه من
بيت المال: ( والله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم) ووضع
الجزية عن من كان على شاكلته..هذا مع اليهود والنصارى.. فما بالك بأهل
الإسلام..
نعم.. هو من قال في خطبته المشهورة: ( أيها الناس من رأى منكم مني
اعوجاجا فليقومه, فقام له رجل وقال: والله, لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه
بسيوفنا, فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر
بسيفه) وهو القائل: ( أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي).. والقائل: (إني
أخاف أن أخطئ فلا يردني احد منكم تهيبا مني )... وهو القائل لمن قال له
وهو على المنبر: اتق الله يا عمر.. ( لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن
لم نسمعها )... إنها الحرية الحقيقة التي منحها حكم عمر لأصحابه ليقولوا ما
يشاؤون.. وليس فقط الرجال بل وحتى النساء, فقد قال لامرأة صوبت كلامه: (
امرأة أصابت ورجل اخطأ)..
نعم... هو صاحب الدُّرة.. التي أرعبت المنافقين والمتجاوزين وحتى من كان
قريبا منه.. فيا ويل من يخطأ الرأي.. أو أن يقدم له نصيحة لزيادة ملكه أو أن
يطلب منه أن يأخذ من بيت المال... لقد ضرب الكثيرين بتلك الدرة... لا بل طلب
من غيره أن يضربه بها قصاصا منه إن اخطأ في استخدامها... وقد كان يقول
لنفسه: ( يا ابن الخطاب كنت وضيعا فرفعك الله, وكنت ضالا فهداك الله, وكنت
ذليلا فأعزك الله, ما تقول لربك غدا إذا أتيته؟) فجعل يعاتب نفسه كثيرا..
نعم.. هو صاحب التقويم الهجري.. الذي لا زال إلى يومنا هذا يؤرخ فيه الكبار
والصغار.. ولكننا مع الأسف ضيعناه تماما.. فقلة منا من يكتب التاريخ الهجري..
نعم... هو من دخلت عليه أم المؤمنين حفصة ابنته وعليه كساء ثخين وكان
يستظل بشجرة.. وأخبرته أن يوسع على نفسه, ولكنه رفض وقال: ( انه كان
لي صاحبان سلكا طريقا, فان سلكت الشديد, لعلي أن أدرك معهما عيشهما
الرخي).. ويقصد النبي صلى الله عليه وسلم والصديق أبو بكر..
هو... من عندما مرض و وصف له الأطباء العسل.. فماذا فعل ؟ جمع الناس
وصعد المنبر واستأذن الناس: ( إن أذنتم لي, والا فهو علي حرام), فبكى
الناس إشفاقا عليه وأذنوا له جميعا, ومضى بعضهم يقول لبعض لله درك يا
عمر... ورفض الفاروق شرب لبن حلبه له خادمه من نوق الصدقة فقال: ( ويحك
تسقيني نارا ).. إنها أموال الدولة.. أموال المسلمين.. وليست لعمر وأهله
وعشيرته..
نعم.. إن كان هنالك أولاد لسلطان ضاع جزء من حقهم خوفا من ولوجهم في
أموال المسلمين فهم أولاد فاروق الأمة عمر.. فقد حرمهم من التجارة
وغيرها.. لأنه يخشى أن يميزهم الآخرون على الناس كونهم أبناء السلطان..
فقال لهم: ( كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر ابن أمير
المؤمنين وأحب الناس إليه, وأنت كذلك, فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من
أن يغلوا عليك).. انظروا أيها الإخوة إلى هذا الكلام من صاحب الذكرى..لله درك
يا عمر.. فقد كان يقول لأسرته: ( إني نهيت الناس عن كذا وكذا, وان الناس
ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم فان وقعتم وقعوا, وان هبتم هابوا,
واني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب,
لمكانه مني, فمن شاء منكم أن يتقدم, ومن شاء منكم أن يتأخر).. هل يقول
هذا سلطان أو ملك لأبنائه أو أسرته؟ هل يقال هذا لأبناء أمير الفاتحين, وقائد
الجيوش العسكرية؟.. انه العدل..
نعم.. هو رافع راية الإسلام والعزة.. فكان لا يرضى أن يرى رجلا متماوتا في
إظهاره للنسك.. فكان يضربه إن رآه كذلك ويقول له: ( لا تمت علينا ديننا آماتك
الله).. فكان إذا تكلم اسمع, وإذا مشى أسرع, وإذا ضرب أوجع.. فكان لا يألف
للمسلم أن يطأطئ رأسه إلى الأرض بحجة التواضع أو الخشوع.. كما كان لا
يألف التميع الذي انتشر الآن في شباب الأمة التي ولد من رحمها الفاروق..
هو.. صاحب العقيدة الفذة... فهو من قال للحجر الأسود.. انك حجر لا تنفع ولا
تضر.. وكاتب الكتاب إلى نهر النيل في مصر.. وهو قاطع شجرة الرضوان.. وهو
من عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه..وقال: ( فأحببت أن يعلموا أن الله هو
الصانع).. أي صانع النصر.. وهو القائل للمتواكلين: ( بل انتم المتكلون, إنما
المتوكل من يلقي حبة في الأرض ويتوكل على الله)..فقد حمى الله تعالى به
الإسلام من الأفكار الزائغة والزائفة..
نعم.. هو الفاروق الذي عرف معنى العبادة فلم يفرق بين الصلاة والزكاة ولم
يفرق بين المسجد والسوق.. فكما وسع مسجد الرسول.. عمَّر الأسواق
وبناها وراقبها وسن القوانين وحث الناس على السعي والتكسب, وهو القائل
للمسلمين عندما رأى أن النصارى هم أصحاب السوق قال: ( والله لئن فعلتم
ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ونساؤكم إلى نسائهم ).. فقد كان يهدف إلى أن
يكون للمسلمين كيانا منفصلا.. واكتفاءً ذاتياً
هو.. أول من أسس نظام الشرطة.. فالدوريات العمرية الليلية ( العسس)..
كانت تحمي المسلمين وأعراضهم وتسهر على حماية الأسواق والدواب..
وكان نتيجة تلك الدوريات أن اكتشف فاروق الأمة عدة حالات إنسانية طارئة..
منها المرأة التي حاولت فطم ابنها لعدم شمول الرضع بعطايا بيت المال, فعدل
الفاروق القرار ليشمل الرضيع.. وعن طريقها حدد عمر فترة بقاء الزوج بعيداً عن
زوجته في ساحات الجهاد.. فأمر بان لا يبتعد الزوج أكثر من 4 أشهر.. وعن
طريقها كان يكشف الشباب المتخلف عن الجهاد ويأمر بإرسالهم إلى أماكن
صنع الرجال في الجبهات.. ومن خلالها...يكشف الجوعى فيطعمهم من بيت
المال.. والعراة فيكسيهم.. وتلك القصة التي طبخ فيها وعجن لام كانت تطبخ
الماء لينام الأطفال وهم يأملون بالطعام معروفة لدى الجميع.. ومن خلالها..
كان يراجع نساء المجاهدين ويقف على طلباتهم ويخرج معهن إلى السوق
ويشتري لهن بنفسه.. كما انه يقف خلف الباب ليكتب الرسائل إلى أزواجهن..
فقد كان المجاهد يقاتل في ساحات الوغى.. وأهله في يد الفاروق.. فنعمت
اليد هي..ومن خلال تلك الدوريات كشف عمر تلك الفتاة التي أصبحت جدة
خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز, عندما طلبت منها أمها خلط اللبن
بالماء.. وسمعها تقول لامها: ( والله ما كنت لأطيع عمر في الملا واعصيه في
الخلا) وزوجها لابنه عاصم, فولدت بنتا كانت هي أم ذلك الإمام العادل..
هو... صاحب العلم والدال عليه ومؤسس المدارس المدنية والمكية والكوفية
والبصرية والشامية والمصرية وغيرها... بل هو الشاعر والأديب..
هو.. من انشأ الثغور والأمصار كقواعد عسكرية ومراكز إشعاع حضاري..وهو من
اشرف على البناء بنفسه وشق الطرق والأنهار..
هو..رجل الملمات كما هو رجل الرخاء.. فهو رجل عام الرمادة..و انتشار الأمراض
والطاعون..وهو صاحب الخراج على الأراضي بدلاً من تقسيمها كغنائم والتي لا
زال أجرها في ميزان حسنات عمر.. وصاحب نظام العشور- الجمرك- بين الدولة
الإسلامية وجيرانها..
نعم.. هو صاحب الصدر الرحب.. فكان الولاة يخافون أن يشكوهم احد عند عمر
فزادهم ذلك عدلاً إلى عدلهم, وكانوا اقرب الناس إلى الرعية..
نعم.. تلك المقدمات هي التي مكنت عمر رضي الله عنه من الفتوحات.. فبركة
الأعمال التي كانت تسود المجتمع..فتحت العراق فكانت وقعة النمارق ومعركة
السقاطية بكسكر ومعركة باروسما ووقعة البويب ومعركة القادسية وفتح
المدائن ومعركة جلولاء ضد الفرس بوابة ذلك, وفتح رامهرمزوفتح تستر وفتح
مدينة جندي سابور, ومعركة نهاوند وفتح همذانوفتح الريوفتح قوميس وجرجان
وفتح أذربيجان وفتح الباب, وغزا الفاروق الترك فكان فتح خراسان واصطخر
وفسا ودار بجرد وكرمان وسجستان ومكران, وغزا الأكراد... وفتح باقي مدن
الشام..دمشق..وفحل..وبيسان وطبرية..وحمص..وقنسرين..وقيسارية.. وفتح
القدس و صلى في المسجد الأقصى..وفتح الجزيرة..وقام بفتح مصر.. فكانت
لفرما وبلبيس وأم دنين, وفتح حصن بابليون.. والإسكندرية..وفتح برقة
وطرابلس من ليبيا..
نعم.. هو فاروق الأمة.. ودعوة النبي.. عشر سنوات من جهاد النفس و جهاد
الدفع والنفع.. بعد هذا الجهد الكبير...لكل اجل كتاب.. فاروق الأمة يشعر انه
على موعد مع الأجل فيرفع يداه في أخر حجة له فيقول: ( اللهم كبرت سني,
وضعفت قوتي, وانتشرت رعيتي, فاقبضني غير مضيع, ولا مفرط)... الله يا
عمر... لم تضيع ولم تفرط.. بل نحن من ضيعنا وفرطنا..
نعم... كان دعاء الفاروق وملك العرب والعجم: ( اللهم ارزقني شهادة في
سبيلك, واجعل موتي في بلد نبيك)..
كان عمر رضي الله عنه.. يمنع مجوس العراق وفارس, ونصارى الشام ومصر
من الإقامة في المدينة, إلا إذا اسلموا ودخلوا هذا الدين.. لأنها مدينة الخلافة..
ولشعوره بحقد هؤلاء ولحكمته وبُعد نَظره في خطر هؤلاء..
نعم... ووقع ما كان في حسبان الفاروق.. تقدم الفاروق لصلاة الفجر وبعد أن
أكمل الركعة الأولى نزل إلى السجود: فسُمع صراخ الفاروق وهو يقول: قتلني
الكلب, فطار المجوسي أبو لؤلؤة فيروز الحاقد بسكين ذات طرفين, وكلما تقدم
على احد من المصلين يمينا ويسارا إلا طعنه, حتى طعن 13 رجلا, مات منهم
سبعة, فقام احد المصلين برمي غطاء عليه ثم طرحوه أرضا, فذبح المجوسي
نفسه..وكان المسجد يغص بالمصلين فلم يشعر بالحادث إلا الصفوف الأولى..
وكان عمر يتلوى من الألم فسحب يد عبد الرحمن بن عوف وقدمه للصلاة..
الله يا عمر لا تطلب أن تزهق روحك وإنما تطلب كمال الفرض..
حمل السلطان المجروح.. إلى بيته والدم يسيل من جنبه.. وأوصى بدينه
وأوصى بمن يعول.. وطلب أن تسمح له أم المؤمنين عائشة أن يكون إلى
جانب صاحبيه إن هو مات.. وحدد عمر قبل وفاته أسماء الصحابة الست الذين
اختارهم خلفا من بعده.. وحدد لمن خلفه طريقة الانتخاب.. ومدته.. وأوصى
بعماله على الأمصار أن يستبدلوا وهكذا..
وقال لأهل الشورى: يحضركم عبد الله بن عمر – وليس إليه من الأمر شيء –
وأوصى أن يصلي بالناس صهيب بن سنان الرومي ثلاث أيام حتى تنقضي
الشورى. وعلى فراش الموت.. دخل ابن عباس عليه وقال: ابشر بالجنة, يا أمير
المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله حين خذله الناس,
وقبض رسول الله وهو عنك راض, ولم يختلف في خلافتك اثنان, وقتلت شهيدا.
فقال عمر وعيونه ترقرق من الدمع.. والألم يعتصره: ((والله الذي لا اله إلا هو,
لو أن لي ما في الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع))... الله
اكبر.. انه الخوف من الآخرة وأهوالها.. فدخل ابنه عبد الله يعلوه الحزن, فحمل
رأس الفاروق ووضعه في حجره, فقال عمر له: ضع خدي على الأرض, فقال
عبد الله: وهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال عمر: ضع خدي على الأرض لا أم
لك, و كررها مرتين وهو خائف يرتعد ثم شبك بين رجليه, وهو يقول: (ويلي,
وويل أمي إن لم يغفر الله لي), فخرجت روحه من جسده... في يوم الأربعاء
26- ذي الحجة- 23ه.. وعمره كعمر صاحبيه 63 عاما.. ثم دفن إلى جانب
صاحبيه في حجرة عائشة رضي الله عنها.
أيها الفاروق... يا ابن الخطاب.. لقد أسرعت في الرحيل.. ولا نقول إلا ما يرضي
ربنا فيك.. إنا لله وإنا إليه راجعون..لقد تركتنا عيالا على الناس بعدك.. فكنت
سدا بيننا وبين الفتن.. وبوفاتك أيها الفاروق.. نالتنا الذلة والمهانة..
لقد كان استشهاد عمر فاجعة كبيرة على المسلمين, وبكى المسلمون على
فقده.. كما نبكيه اليوم.. كلما رأينا بلداً فتحه قد عاد إليه الروم واليهود.. كما
نبكيه.. كلما رأينا سلطانا ظالما .. وشعبا مظلوما.. وااا عمراه.. وااا عمراه..
كان عبد الله بن مسعود عندما يذكر له عمر يبكي حتى يبتل الحصى من
دموعه ثم يقول: إن عمر كان حصنا للإسلام يدخلون فيه ولا يخرجون منه, فلما
مات انثلم الحصن فالناس يخرجون من الإسلام...
بينما كانت الأمصار تنعى عمر.. كان الفرس والروم يقيمون الاحتفالات بموته..
والى يومنا هذا وضع قبر يمثل قبل المجوسي أبو لؤلؤة يزوره المجوس مهما
كان ثوبهم اليوم.. ليدعو له بالرحمة..لأنه قتل عمر...
سلاما من المستضعفين رجالا ونساء أطفالا وشيوخا إليك يا عمر.. سلاما من
المجاهدين الذين جعلوا من منهجك طريقا لهم.. سلاما من الأطفال الأيتام..
والأرامل.. والجوعى ممن خلّفهم المجاهدون, الذين لا عمر لهم اليوم يزورهم
ويتفقدهم, إليك يا عمر.. سلاما, إليك من ارض العراق وارض الشام وارض
مصر.. وكل مدينة فتحتها بعدلك قبل جيشك....
انه يوم يحق لنا أن نستذكره جميعا... ففيه قُتل عدو الشيطان.. عمر.. وفيه
قُتل العدل والزهد والورع والحلم.....
وقد صدق فيك القحطاني في نونيته:
اعني به الفاروق فرق عنوة بالسيف بين الكفر والإيمان
هو اظهر الإسلام بعد خفائه ومحا الظلام وباح بالكتمان
فهملوا يا شباب الإسلام وانهلوا من نهر عمر واتركوا خدعة الحضارة الغربية
والشعارات الزائفة, فسيرة صاحب الذكرى مليئة بحقوق الإنسان, وحتى
حقوق الحيوان... فالإسلام هو دين الله وفيه وجد المسلمون الدين والدنيا.
ومن حقنا عليك يا عمر أن نتمنى كما تمنيت أنت من قبل أن يكون لك ملئ
الغرفة فرساناً كأبي عبيدة عامر بن الجراح لتستخدمهم في رفع لواء
الإسلام.. فنحن نقول إن أمنيتنا أن يكون لإسلامنا اليوم فاروقاً واحداً كابن
الخطاب نرفع به رؤوسنا بعد ذلة ومهانة...
وفي الختام: نقول ما كان يردده صاحب الذكرى على المسلمين في أيام
عزتهم, فذاق معناها من أتى بعدهم:
(نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)
كلمات ولدت وترعرت بعدك... يا عمر
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.