فى ظهيرة يوم قائظ .. كان يتبع خطى والده فى مشاويره المكوكية بشوارع القاهرة كالمعتاد , والتى تنتهى دوماً بميدان الاوبرا .. تورمت قدماه من كثرة التطواف بلا هدف يخصه , وهو يدفع عربة اليد ذات العجلات الخشبية . عندها جذب طرف (بالطو) والده الكاكى المملوء {بالرقع} الظاهرة للعيان على إستحياء .. راجياً إياه بقسط من الراحة تحت ظل الشجرة العتيقة القريبة من السور ذات الصيت الشهير عند المثقفين . ولإن والده كان يعده لتولى المهمة الشاقة من بعده . عنفه بشدة قائلاً : الرجال لا تشتكى ؟ والحياة لا ترحم ؟ كنها فى نفسه , وتجلد . قاوم العجز الذاتى , وكل ما ينفذ إليه من أوساخ الطريق عبر حذائه {الكاوتش} المملوء بالثقوب . اليوم ساقه الإلتزام المرورى بالسير الإجبارى لنفس النقطة . فجأة .. إكتشف مرور نصف قرن من الزمان على وفاة والده .. بينما الشجرة العتيقة واقفة على عروشها فى مكانها تنشر ظلها الظليل لكل العابرين , غير أن السور ذات الصيت الشهير إنزوى فى طى النسيان ؟ وقف بسيارته الفارهة تحت ظل الشجرة العتيقة مرغماً لإزدحام الشارع بالمركبات .. إنتهز الفرصة وقرأالفاتحة على روح والده . ببطء شديد سحب من (تابلوه) السيارة (كتاب) قديم إصفرت أوراقة من عوامل التعرية .. قربه من العضو الضخاخ للحظة .. ثم طالع العنوان بعين الفاحص الحصيف . [مقامات بديع الزمان الهمذانى]* تبسم إبتسامة الرضا , ثم أسكنه مكانه بهدوء أشد . غير أنه لم يخطر بباله قط إسم {المرشد العام} الأثيم للجماعة المجرمة المدعو {محمد بديع} المشابه لإسم المرحوم والده تاجر الكتب القديمة .