الشاعرة هند مرشد، من العاصمة السورية، دمشق، لها ابن شاب متزوج، ومقيم في لبنان، هربتْ مبكرة من ذاتها، بحثاً عن مستقبل أفضل، لتجد نفسها في غربة حمقاء، من الداخل والخارج.. وألبست روحها ثوباً أنثوياً فضفاضاً، عرفتْ بعدها أنه لم يكن بمقاسها..حين كافأتها الحياة باغتيال أحلامها، حلماً تلوِ حلم، أول اغتيال كان لأجمل حلم تتمناه فتاة، البيت والزوج والأسرة، منذ 28 عاماً، حين خطفت الحرب الأهلية اللبنانية زوجها، ووالد ابنها الوحيد، واختاره رب العالمين ليكون شهيداً، واختارها لتكون أماً وأرملة، وهي لم تتجاوز العشرون عاماً، كانت إرادة الله وما شاء فعل، ولا اعتراض على حكمه، هند دمشقية المولد والإقامة، والهوى، خريجة جامعة دمشق، كلية الحقوق، لديها دبلوم إدارة مكتبات، لأنها تهوى القراءة منذ طفولتها، وعملت فور عودتها لدمشق، أمينة مكتبة، لتربي ابنها وتدرسه، وبعدها انتقلت للعمل بوزارة الإعلام السورية، وعملت محررة لدى الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) لمدة عشر سنوات. هند مرشد شاعرة، وإعلامية، وصحفية، سورية، مجِّدة، ومكافحة، واصلتْ حياتها مع طفلها الوحيد، بكل تحد، وقوة، وصلابة، وإرادة لا تلين، السيدة هند مرشد، تتصف شخصيتها بالقوة وبالذكاء، والطموحات الكبيرة، والشخصية الراقية والرائعة، والثقافة العميقة، والوعي الكبير، لديها ثقة بالنفس كبيرة، شخصيتها تنم عن خبرة كبيرة بالحياة وصعابها ومعاناتها، وهي في العقد الخامس من عمرها. في قصيدة لها تخاطب حبيبها الذي اعتاد على التدخين، لنقرأ ما قالته له: قالت: مع فنجان قهوتك، دخنتَ خمس سجائر. قال:اعتدت مع كل رشفة، أن أشعل واحدة. قالت:هذه العادة ستقتلك.كيف التخلص منها؟؟؟ قال: قبلة مع كل رشفة، قد تفي بالغرض. هو.. أقلع عن التدخين، وأنا..أدمنت القهوة وفي قصيدة لها (ذات يأس)، تصف وضعها ويأسها، وتحملها للشدائد والصعاب، وبدون كلل أو ملل، وتتذكر هزائمها، فتقول: ذات يأس.. تعلمت لغة الغرقى، بتُ أتلذذ برواية هزائمي، والتغني بانكساراتي، أطيل الوقوف، على حافة الزمن، أودع المساءات، أستقبل الصباحات، في غير أوقاتها، أشرب فنجان قهوتي، ولكن دون سكر، رغم أني لا أحبها مرة، يخطفني عبث اللحظات، لعوالم غريبة، وترميني فوضى التفاهات، على أرصفة العدم. في قصيدة لها بعنوان:(ذات اقتحام)، تتحدث شاعرتنا عن أحلامها، وكيف أن حبيبها يوقظها في ليلة ما، ويداعب جسدها بكلتا يديه، فتستسلم له دون مقاومة، فتقفل نوافذها، كي لا يغادرها طيفه، فتقول: يوقظني حلم لذيذ، من بقايا نوم، يجتاح فراشي، صدى عطرك، تتماوج أصابعك، فوق جسدي، أرخي ستائر الرغبات، وأغلق نوافذي، كي لا يغادرني طيفك. في قصيدة لها بعنوان: (ذات حاجة)، تصف احتياجاتها من حبيبها بأسلوب شيق وممتع، وتحدد احتياجاتها وتبرر مثل هذا الاحتياج، بطريقة سلسلة وسهلة، وبكلمات منتقاة بدقة فتقول: أحتاج لبعض حنانك، لأخمد وهج شوقي، أحتاج لبعض حلمك، لألون جدارية يأسي، أحتاج لبعض يقينك، لأحصن ضعف إيماني، أحتاج لبعض حضورك، لأعوض غياب حواسي، أحتاج لبعض عشقك، لأرتب فوضى مشاعري، أحتاج لبعض نبضك، لأرمم جروح قلبي، أحتاج لبعض أصابعك، لألملم حطام شتاتي، أحتاج لبعض منك، لأكمل دورة حياتي . في قصيدة لها بعنوان: (ذات بد)، وعلى نفس منوالها، ونسقها السابق، تمتعك كثيراً، عن ما هو الذي لا بد منه، من حبيبها، ولماذا أيضاً، بطريقة عذبة، وخلاقة، وإبداعية، وكلمات منتقاة بعناية رائعة، وجميلة فتقول: ذات بُد ..هذا النبض أعرفه، وأعرف تلك الاختلاجة، لا بد من طريق يعيدك إليَّ، يغفر لك طول هجرانك، لا بد من جهة أراك فيها، عارياً من أحزانك، لا بد من يقين يسكنني، يملأ فراغ كياني، لا بد من إشراقة لعينيك، تضيء عتم جناني، لابد من أن يفيض شوقك، ليروي عطش أحلامي، لا بد من أن يغرد صوتك ليطرز صمت أنغامي، لا بد أن تحملني رياحك، لأفق يخترق الحدود، لا بد أن أعيشك لحظات، مذهلة نادرة الوجود. على نفس النهج، وعن ذات شوق، تعبر عن أشواقها لحبيبها، وعن ودها وحبها وأمنياتها التي ترجوها منه، وتتمناها، وتطلبها بكل ود وحسرة، ورجاء فتقول: ذات شوق..النهارات امتداد عينيك، وليلي يتوق إليك، فافتح لي قلبك، ضُمني بين ذراعيك، اعتصر يأسي وخوفي، بكل قوة لديك، وأطلق نوارس حنيني، خلف حدود يديك. وعن ذات الوشم، وأسباب هجران الحبيبة لحبيبها، فهي تشرح درساً جميلاً عن الحب، لأن حبيبها يظهر أنه لا يعرف أساليب الحب، ولا يعرف أبواب الجسد ومفاتيحه، وتستشهد بطائر السونونو، الذي يهجر أعشاشه، عندما لا يجد الدفء ويرحل، إلى بلاد أخرى، يشعر بدفئه بها، فتقول بكل ثقة وصراحة ووضوح وجرأة: ذات وشم..توشمني أصابعك، بمدارات الرحيل، يا رجلاً..ما استطعت يوماً، امتلاك قلبي الصغير، لأنك لم تعرف، أن الحب كالسنونو، حين يفتقد الدفء، يهجر الفصول.. يطير لأنك لم تعرف، أن حقول العشق، حين لا يرويها الشوق، لا تُنضج العبير، لأنك لم تعرف، أن للرغبات مواسم، لتهطل غزيرة، تحتاج الغيم الوفير، لأنك لم تعرف، أن للشهوة قلاعاً، لا يُسقطها، سوى فارس مغير، لأنك لم تعرف، أن للجسد أبواباً ونوافذ ضيقة، يغلقها وهج الزمهرير. في قصيدتها: ذات سحابة، تصف ليلها ونهارها، وأوهامها وأحلامها، وعشقها وغربتها، وأنينها، وما ترنو إليه، بعد أن قدَّمت له عشقاً خرافياً، فماذا كان الحصاد؟؟؟ لنقرأ ما تقوله الشاعرة الرائعة والخلاقة هند مرشد: ذات سحابة.. ينفثُ نهاري الغبار، ليلي واحة رمال، تفترسني الأوهام، تغادرني السنابل، تطاردني الأحلام، يسوقني القمر لمسالك وعرة، يثملني الغياب، والكأس حسرة، أحلم بمواسم الحصاد، تصطادني المنافي، خمسون عاماً وهبتك، من عشقي الخرافي، لكنك حوَّلتني، لبقايا حكاية، حطمَّتها الأوجاع، لأصابع من شك، تفكَّك لغز اليراع، لصفحة غيّبها الألم، طرَّزها الأنين، لأفكار عارية، لغصة في اليدين، لمجرد كلمات صفراء، تهطل بالحنين . في قصيدتها ذات ثأر، تصف لنا شاعرتنا الرائعة هند مرشد، كيف تثأر للخيانة، وكيف ترد عليها، لنقرأ ونعرف ردها المؤدب والبسيط، وما فعلته له بالمقابل، ولنقرأ ماذا تقول: أشعلتُ النار، في حطب لحظاتك، أحرقتُ جميع صورك، ونثرتُ رمادها، على عتبات قلبي، لمْلمْتُ في حقيبة، رغباتك البالية، رعشاتك الباهتة، ذكرياتك الرثَّة، وتركتها لك، قرب الباب، فتعال..! للمرة الأخيرة، خذ ما تبقَّى منك، وأخرج من حياتي، فأنا ما عدتُ أحتمل، المزيد من خياناتك. في قصيدتها بعنوان: ذات صدمة، تصف صدمتها الكبرى، كونه لا يعرف أحزانها، وأحلامها، وصدى رعشاتها، وحجم رغباتها، وعمق ومدى حبها له، لنقرأ ما تقوله شاعرتنا بهذا المجال: ذات صدمة..على شفاهي، تغفو ظلال قُبَل، وفي عيني، يستيقظ سؤال، يا رجلاً.. لم يعرف بعد، لون أحزاني، وثمالة لحظاتي، لم يعرف بعد، أفق أحلامي، ومساحة رغباتي، لم يعرف بعد، لهفة صوتي، وصدى رعشاتي، هل لديك من مزيد ؟ تضيفه إلى خيباتي . في قصيدة لها تصف حياتها وبعد الحبيب عنها، وكم هي قبيحة وحزينة، فإذا ما عدت يوماً، وسرْتَ بالقرب من قبري، أرجو أن تضع غصن زيتون على قبري، وتطبع قبلة على شاهده، فأنا لم اعد احتمال غيابك، لنقرأ ما تقوله شاعرتنا الرائعة هند، بهذا الخصوص: دونك الحياة، قبيحة كما الحزن، بائسة كما الفراق، فإن عدتَ يوماً، ولم تجدني، فأعلم أني، لم أحتمل غيابك، فإن زرتَ قبري، ضع عليه غصن زيتون، أترك على شاهدته قبلة، وتذكَّر كلما مررت بالقرب منه، أنَّ تحت التراب، امرأة أحبتك يوماً، كما عَشِق الياسمين، أزقة دمشق. في قصيدة أخرى لها بعنوان:(ذات عبث)، يداعب خيالها، في ليلة ظلماء، أشياء كثيرة، شيء صامت، وجسد عاري جائع، شيء راحل، شيء يطرق، وآخر ينتظر، كل شيء يتوارد في خيالها وفي ذهنها، فكل شيء موجود، إلا هي وحبيبها تقول : ذات عبث ..ثمة شيء صامت شيء عاري.. جائع ثمة شيء مختبئ في أقاصي الضجر ثمة شيء مسافر في تلافيف الذاكرة ثمة شيء راحل في إيقاعات الزمن ثمة شيء يرتفع يسقط ثم يختفي ثمة شيء مُغلق ثمة شيء يطرق ثمة شيء ينتظر لكن لا شيء يفتح لا شيء يأتي ولا شيء يعود ثمة أشياء كثيرة، إلا أنت وأنا . في قصيدتها بعنوان:(ذات وباء)، تتناول به شاعرتنا هند مرشد، الأوضاع الحاضرة في بلدها سوريا، بألم وحزن كبير، وتتحدث عن الآلام والثكالى والقتلى والجرحى والمهجَّرين، والقتل بدون حساب، والجراح والبلاوي التي تحدث، وفيها يقتل الإنسان أخوه الإنسان، والقتل الذي يأتي من كل مكان، وضد كل شيء، وبدون حساب، او عنوان، فتقول بقصيدتها بكل الحرقة والألم، والإحباط وتقول : ذات وباء : عصفت بنا ريح هوجاء من مختلف الجهات نعم..من مختلف الجهات مجبولة بالزفرات والآهات، فتحت باب اليأس والموت للثكالى والأرامل والأيتام للحب والعقل والصوت فعم الحزن والبؤس والظلام أربعة آلاف من حقول العلم ُدمرت نصف ومليون من البراعم ُقطفت آلاف السنابل من الري حُرمت سقاها التشرد والفقر والجهل آه ... ما أقذرنا من بشر ..!تعلمنا كيف نقتلع الشجر كيف نسجن الأنوار والفكر لكننا لم نتعلم كيف نحمي الأزهار وكيف نجنبها العطش والقتل والدمار ألمٌ ... وجعُ ... يمزقني دمع ٌفي العين يؤرقني أمل في العودة فارقني كابوس من نومي أيقظني أرعبني... أفزعني كل شيء صعب يهون كل شيء تعوضه السنون إلا أطفالك يا بلدي إلا أطفالك يا بلدي زجاج تهشم استبدلناه قلب تحطم واسيناه بيت تدمر عمرناه لكن طفلاً فقد بيته.. أهله..مدرسته.. كتابه.. ومستقبله من يا ترى يتبناه ؟؟؟؟؟ من يعوض له الأحلام التي أصبحت مجرد أوهام أحلام الطفولة الوردية وُئدتْ في حرب جاهلية دمرتها الأحقاد والكراهية من سيُعيد الحلم إلى الأولاد ..؟ في غدِ مشرق وميلاد من سيعيد ذكرياتهم الجميلة ..؟ ويهبهم الأفراح والأعياد..؟ ليصنعوا مستقبل البلاد الذي ضاع منا ومنهم بسبب التعنت والغباء والعناد . هذه هي شاعرتنا الرائعة، والخلاقة، والإبداعية، الشاعرة السورية، هند مرشد، والتي أمتعتنا كثيرا ًبقصائدها، وبأسلوبها الموسيقي والسلس، والممتع والشيق، وبكلماتها، ومفرداتها الرائعة والخلاقة، والتي تنم عن وعي وثقافة، وفكر راقي وجميل، وخيال خصب وواسع، بكلمات كالدُررْ، وعبارات كالجواهر المرصعة بالألماس، ألف، ألف تحية، لشاعرتنا هذا التألق، وهذا الإبداع الخلاق.