صديقاتي وأصدقائي الأعزاء :انتم على موعد في قراءة لأشعار الشاعرة التونسية فضيلة مسعي، وهي شاعرة وكاتبة وباحثة وإعلامية تونسية. تحمل شهادة ماجستير في علم الاجتماع والأدب، تعمل منتجة، ومعدة، ومقدمة برامج أدبية، وثقافية، واجتماعية، بإذاعة قفصهالتونسية، نشرت إنتاجها منذ أواسط الثمانينات، بالعديد من الصحف والمجلات التونسية والعربية، توَّجت بعديد من المهرجانات، والملتقيات الأدبية، داخل تونس وخارجها، تكتب الشعر، والقصة، والرواية، وتمارس عملية النقد. انتظرونا قريباً، وقريباً جداً، في قراءة ممتعة وشيقة لأشعار شاعرتنا التونسية فضيلة مسعي. ترجم لها إلى أكثر من لغة الكثير من أعمالها، تناولتْ العديد من الأقلام تجربتها بالنقد. وهي عضو قي حركة شعراء العالم، والدار العالمية للكتاب، وتجمع شعراء بلا حدود. والموسوعة العالمية للشعر، ورد اسمها بموسوعة الشعراء العرب، الجزء الثاني، وهي عضو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب، وعضو اتحاد الكتاب التونسيين منذ 2003م، وعضو منظمة العفو الدولية، وعضو منظمة حقوق الإنسان الدولية، وعضو اللجنة العالمية لمكافحة الجريمة، وعضو لجنة مناهضة العنف ضد المرأة، ومستشارة شبكة صدانا. صدر لها من الشعر:"امرأة من نار" في العام 2003م، "ونزيف الثلج" في العام 2010م، ومن النثر: رواية "معسكر الحب" في العام 2007م، وهناك تحت الطبع: "هديل الجمر" ومجموعة شعرية، ورواية هديل الجمر، وللمسام هديل، وفي القصيدة لها بعنوان: خبب، لنقرأ بكلماتها العذبة والشيقة والممتعة ما تقول فيها: في عتمة الليل، أسرجتُ روحي، امتطيتُ صهوتها، ورحتُ أنصت للخبب، خبب...خبيب، سؤال يتسرول بسؤال، يمتشق بلاهة القلق، عري انهراقه في لواحظ الزمن، وجع النملة الثمل، شتاءها المسجَّى، في حضن الكسل، وفي ظلها المنكسر، تثاءب الليل قليلاً، كشفتْ عتمته عن مفاتنها، ارتشفتْ الكلمات، شهقة الحبر، على الورق، اندلقتْ الحروف في فنجانها، تعرَّتْ، لضوء يعرج من القمر إلى بيتها، ويسبَّح باسم الذي لا ينم. في قصيدة لها بعنوان: ثم ابتسم تقول فيها: جثة أمامي، لها ملامحي، خنجر الحرف بصدرها، والحكاية موصولة النزف، مذبح الكلمات يفتح أبوابه لثيب الأوراق، واللغة، مرعى الأضحيات، تسكَّع الريح في الروح وحيداً، شربَ طازج الملح، وسكر النبات، حزم أمتعة التعب، راح يهرولُ لبيت القصيدة، كخبز مطَّحْلب، تكوَّرَ تحت سقف، القصب، اجتر ما تناثر من حبر الشمس، وفاكهة القمر، ثم، ثم، ثم ابتسم. وفي قصيدة لها بعنوان: بيدر الحزن بلادي: تقول فيها: للماء مد تناصي، أسطوري، حضاري. ملحمة إيزيس، في دمائنا..ضفيرة دم تلتف حول أعناقنا سواء كنت المتوسط، البحر الأحمر، أو الميت، النيل أو مجردة، الفرات، أو دجلة، الجولان أو مزارع شبعا، أنت الميت ابن الميت، من الماء جئت وبالماء تقتل، وللماء لا تشرب، تلك حكايتك يا بن الماء، تراه بعينيك، تمد يدك إلى الكأس، فيخطفه السراب من يدك..ولا تشرب..صلعاء أرضك، ملابسها الداخلية زبد بحر، تفل جمل...على رأسها إكليل نار وعار..عيونها الحائرة، الحاظها المعلقة على ضحكاتها الصفراء، وجهها الموبوء بالخزي، أحلامها المتهالكة على جناحي بجعة ميتة، من هنا طريقك إلى العنعنة، الدندنة، المقبرة..أسود، أبيض، لا لون ثالث لهما..بين مشجب الرغبة، ومشد الخوف المحرقة...بالأسود أكتب، وسجّل يا تاريخ، هي المهزلة..السم واحد، والكؤوس متعددة..اختر واحداً واشرب..طرح جسدك مصطبة، عليها تمشي، وتتسامق لتكتب.. ينهرك المعلم الأول، أن اكتب بلا رهبة، أرسم قاطعك المقطوع على همزة..ملاريا، أفكارك تطاردك، تأكل خلايا رعشتك المفاجئة..كن سكناً مسكونا بالشكوى، وتحسس طريقك إلى قدميك، أيّها الأعمى..بيدر الحزن بلادي، نزهة الأضداد..حيث الزاوية المعتمة، حيث المربّع المثلّث والمستطيل..حيث حصاد الآهات، وربطة عنق النسيان..تتزحلق على جبين يناير، حزيران، نيسان أو أيار..خارطة طريقها إلى حتفها، وحتفها بين المفصل والمفصل، مجرد انتحار. في قصيدة أخرى لها بعنوان: أغنية سلام..يا فلنتاين تقول فيها: ثقيل جداً هذا المساء، كل البجع غرقَ في بحيرة الذاكرة، الصيادون بحفلة شاي، والقرش الأبيض يتأبط رحمي، أنتظر دستوراً يُكتب، لأحرر بعض المثلجات في دماغي، بعض المجاديف في ظلي، وبعض القيظ في لوني..تخترق الغرانيق أعاصير نفسي، فَتُلَوْلبُني الرياح العاتيات، وتشحذني سيفاً بتَّاراً لحزني، أقف على شرفات شوكي، أجمع ما تناثر من بتلات الضجر، أسرق وجهي من مرآتي، أغمّس بدمي، رغيف أولادي، فيجري نهري إليَّ، ترتبك فصول جلدي، تسجد لزهرة نيلوفر بحلمي، زهرة على عتبات ألوانها، تسرد حكاية الحطَّاب وسبيكة الذهب، تدور رحى الحرب بمقلتي، فتطفح أثداء الريح باللبن، يهاجمني مخيض ورق لوركا، وسعفة جميلة، تتفتل فوق سطح ذاكرتي بقفطان من الشجن، ساعة بالجدار، ترمم بعقربها أسناني الضاحكات، وتقهقه نيابةً عني ملء شدقيها، ثم تهمس في أذني قطة بيدي، عجباً يا زمن. اكتب على قطعة من الشاش الأحمر، مدونة اليراع، والذئب في الجبل، لامية الشنفري، ومعلقة عمر بن أبي سلمى، تتسارع أساور هند إلي، أقرأ سورة الصف، فيصطف القوم لتأبين حمزة، ويسكب وحشي من عينيه في جوف البئر، عند الظمأ، يشربْ، فيشرق، وتشرق شمس شيفرة حق، يتعالى هديل الحمام، يضيع الغمام، يفر الإصبع من الزناد، تصمت صفارات الإنذار، ينبت العشب على قبر آخر شهيد، يلبس فلنتاين حلة سلام، ويصافح يناير فبراير ومارس، تمارس أمي هواية المشي، حياكة الصوف، وتقبيل فنجان الشاي، بلا أندريالين..تسمي أختي الصغرى فاطمة أو جاكلين، تطبخ ما تيسر من الرغيف، أو الثريد، تأمر شاتها الوحيدة أن تدرّ ما يكفي من الحليب، تجمع القارات الخمس في عشاء، تضع ملابس خضراء، وتصدح كل ليلة بالغناء. مرثية" الخبز الحافي": تحية لشهيد الوطن شكري بالعيد، شهيد الشعب التونسي الخالد، وابنها البار، وشهيد الحركة التقدمية والوطنية والقومية: لبواسق النخل نبوءة حلم، للفجر أضواء يلفظها، وللطيور مرثية أنصاف الآلهة، احتشد" الخبز الحافي "بحنجرة شكري، تجمهر في مسير حزن، كانت الأفواه تتحشرج كالورق في طريقها إلى حلقه، مزدانة بألم الفقد، رجف القلوب الواجفة، هرولة الياسمين وراء عطره، لأنه دائماً، وفي كل مرة اعتاد أن يكون مرهم الأجساد المنهكة، النفوس المتعبة، ورغيفاً شهياً لأطفال الشوارع، كان الشارع مغرياً وشهياً، عند الصباح الباكر، بعض قطط، ستائر ضوء جميلة، رائحة البن المغلي، نبتة ندية نابتة طرف الشارع، أمام العمارة، غاب البواب، والباب مفتوح، قال لنيروز، سنلتقي يا ابنتي ذات ربيع، ومع بسمة كالتي بقلبي ملتقى، ندى روحي المظللة على هذا الوطن، أبوكما ذهب بنزهة، وسيعود حنظله، أنا حنظله ناجي العلي، حزمة أسئلة، وأضْلع شائكة، لفَّوني بحرير كلامي، أو حرير دمي، لن يعرفني العفن، الدود، أو التحلل، أنا عريس الوطن، أيزار الحرية كفن، والأرض المتبرعمة بالعرق، بملح الأجساد، جذوع الأمنيات سكن، أي.. بنيتي، نور عيني، سواء كنت على الأرض بالمنزه السادس، أو تحت الأرض بالجلاز، لا جثمان لهذا الجسد، ولا موت، سيتسلل إلي، كل البلاد شكري، كل شكري للبلاد، شكري للبلاد التي فاضت أرضها بمحبي، شكري للبلاد، التي عزفت نشيد ميلادي، وشكري للبلاد، التي حمحمتْ رصاصها بدمي. هذه بعض نماذج من قصائد الشاعرة المتألقة فضيلة المسعي، التي اعتادت الكتابة بقلم ماسي، ومداد ذهبي، كلماتها من الدُررْ، وجملها من الجواهر المرصعة بالذهب والألماس، تأسرك بقصائدها العذبة المنوعة، وبموسيقاها الناعمة والحالمة، وصورها الجميلة الأخاذة، وعواطفها الشيقة والممتعة، لها أكثر من ديوانين من الشعر، والقصص، والشاعرة فضيلة، شاعرة منذ سنين طويلة، أشعارها مختمرة وسلسة، تتواصل معها بدون أن تشعرك بقرب نهاية لها، قالقاريء، ينسى نفسه عندما يقراها، ويسرح بخياله بها أثناء قراءته هذه. بقصيدتها الأخيرة، عن الشهيد المناضل والقائد الفذ، عريس الوطن، شكري بالعيد، شهيد الحركة التقدمية والوطنية التونسية، بن الشعب التونسي الأصيل والمقدام، الذي ذهب ضحية غدر وخيانة، مجموعة إرهابية تكفيرية من الخونة والعملاء، يستشهد شكري بلعيد، في صباح يوم مندّى، وبرائحة الفل والياسمين، من أجل قيمه ومبادئه الوطنية والقومية، التي يؤمن بها، ويدافع عنها، تتفجر عواطف الشاعرة الجياشة، وهي ترثي شهيد الوطن، والأمة التونسية، وتصف حبه لأبناء شعبه، وحب أبناء شعبه له، بكلمات أحلى من العسل والشهد، وهي تصف أيضا، حبه لوطنه، وحب شعبه له، باستشهاد شكري بالعيد، ابن الشعب التونسي، وتقول الشاعرة المتألقة فضيلة مسعي، شكري لم يستشهد، او يمت، فكل الشعب التونسي شكري، وهو مخلَّد في قلوب وصدور كل تونسي حر وأصيل، ووطني، فشكري من هذا الشعب، والشعب لن يموت، وكذلك شكري لم يمت، فهو خالد بخلود هذا الشعب، بقلوب وصدور أبنائه، فهو عاش من اجلهم، وباق بينهم، وفي قلوبهم ووجدانهم، هم أحبوه، وهو أحبهم أيضاً، فهو خالد بينهم، وكيف لهم أن ينسوه، وهو لم ينساهم أبداً، وضحى من اجلهم، وهم مخلدون في شخصه، ومبادئه، وقيمه، وهو مخلد بنفوسهم وقلوبهم، فهو منهم واليهم، وطالما هم باقون، فهو باق معهم، ابد الدهر، ولم يمت، او يُفنى من الوجود، طالما بهم روح تنبض بحبه، وعنفوانه، وقيمه ومبادئه، وأخلاقه، وروحه الإنسانية.