العنصرية والفصل العنصري لمكوني العرق واللون, والمكون الأقليمي القبلي, والجغرافي, لا يشمل حصرا العزل الانفعالي فيما بين الأسوَد والأبيض, الزنجي والايرلندي, الأعجمي والعربي, وفيما بين الشروكي السومري والكظماوي الأعجمي, النجفي والكربلائي, المنطقة الخضراء والشعب العراقي.... وحسب, بل أيضا التمييز الديني .. فيما بين مسيحي ومسلم, وتمييزٍ مَسيحي مَسيحي, فيما بين أرثوذكسي وبروتستانتي, وتمييزٍ مسلم مسلم فيما بين سني وشيعي. ليسود التوتر في لاوعي الفرقاء والأقران المعنيين فيومؤوا برؤوسهم فيما بينهم, أو يتبادلون الابتسامات دون تماس حقيقي للألفة الإنسانية المرتقبة من اللحمتين بين أبناء البلدين, أو القبيلتين, أو الجارين. لكن الجوف القبلي يحمل الضغينة والنازية الألمانية المصغرة, كلٌ بحدود مثواه ونظرياته الخَلقية والمكانية.... فعلام كل هذا يا طينة آل آدم المنتشرة في بقاع شتى!! فزواج زنجي من شقراء سبق صحفي, وصفحة سباق بين المتمردين. وترحال بدوي عربي مستمر شيمته الغزو والفرهود سبق إعرابي بطولي على حساب القبيلة الأخرى الموطوءة.... التحام ذوا العرق واللون الواحد, وزواج الأقارب بحجة الحضارة واستمرار الجماعة.. خلق الجدار القبلي والديني بسمات تحددها قوانين القبيلة والعشيرة. فبني قبيلة فلان لا تزوج أبناءها أو بناتها إلا لشخص من القبيلة ذاتها. وذوي بيت فلان لا يتزاوجون مع غرباء من رموز البيوتات الأخرى, حتى غدا الشعب القبلي المتزاوج و لحمة القرابة المتماسة مزيجا مؤتلفا متشابها.. وكأن الناتج من هذا الخليط أسباط الجينات المنسوخة الأخرى أيا كان منهم. دون المراعاة لصحة وديمومة أفرادها, إذ يؤدي ذلك في تراكم الجينات الوراثية غير القوية ويؤثر سلبا على البنية الجسدية للمتآصرين بملاذ الذرات والنطف في جنة الأقارب. في أوروبا منذ أكثر من ستة قرون لا يسمحون بزواج الأقارب, واليهود يخضعون الأقارب باستمرار للفحص الطبي قبل زواجهم وذلك للأمراض الوراثية المتناسخة فيما بينهم. وإن ظهر ذلك جليا فما رد زعيم النازية وشيخ القبيلة إلا الهدوء وعدم الانسياق إلى التكهنات!!....على غرار أقرانه الأذكياء والموروث القبلي للسجايا العنصرية. ما يهمهم لأقناع الفرقاء بمضار ذلك: نحن قوم يجمعنا الوئام والانسجام ووحدة الرأي ورابطة الدم. ولا للبديل والدخيل العرقي. وبهذا فلا ذنب إذن للفراعنة الذين كانوا يسمحون بزواج الأخ لأخته لتعم سيطرتهم العشائرية والعائلية على الحكم. ولا ذنب لهتلر في منطق اللحمة الآرية والقبيلة النازية. فالكثير منا يحاول تجفيف الرأي المضاد ليرطب برأيه أفواه الآخرين. وإذا كان الأمر يتعلق بالشؤون الدينية يلزمنا هؤلاء بضرورة اتباع آراء أشخاصهم المقَلدين, وإذا أبديت رأيا مغايرا تعد مرتكبا لجريمة قصوى أو أن رأيك لا يعد سوى رأي تكفيري. حالات الجدل تلك تسير باتجاه التسقيط أو التقديس المبالغ به لرموز لا عصمة لها وتسقيط شخصي بين بعضنا البعض الآخر. وكأنه صراع من أجل البقاء لا لشيء سوى التقديس وإلغاء العقل والمنطق أمام الآلهة البشرية. لا وجود للعقل ولا مجال للنقاش ولا أرضى النقد مهما كان صحيحا. وكل من يخالفني الرأي أمقته وسأنكل به, وهناك من بإمكانه اغتيالك إن أبديت رأيا مخالفا لهواهم, أو انتقادٍ لإرهاصات عديدة تتخللها مفاصل الدولة وشخصياتها الدينية منها والعلمانية..... لندع جانبا طيف الماضي البطولي أو شبح الحاضر الانهزامي. فالاعتراف الحقيقي الصادق بمنطق ما توجب تفعيله أو التعاطي معه هو طريق الخلاص من الأنا القدسية, والاعتداد بالنفس بتشدد ملازم للهوى وتجاهل لكل ما يرتقى.هنا وهناك يتلاقى الأضداد.. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.... تهميش وتسقيط وابعاد...أولئك إنما كانوا رهن الحبس الأحادي لشرودك.... وضع مزري, وتمهيد مؤقت لمحو اللحظات النيرة من الوجود. لتحذر العزلة الدينية والقبلية المفرطة في عالمي التوافق والتناقض, فإذا لم تستثمر ستتسبب بالاستلاب والاستغراب. عليك أن تفقه قيمة النفس الإنسانية والمصير الواحد المؤجل لها بكل من له دبيب على هذه الأرض التي ليست ملكا لأحد إلا لمن من شيدها واستأجرها لعباده مؤقتا ريثما يسكنهم في دور دائمة المثوى أفضل حالا وأنعش مآبا لاحقا. وقيمة النفس الوجودية قادرة على تغيير الكون بتطوير الذات... تطويرها في أوقات مستثمرة عوضا عن تقويضها في المصائر الضيقة. وأسمى الدلائل هي تشخيص الألم وتدارك الآهاتِ. إذ نشم رائحة عالم مبتذل مثير بورديته وأدائه ونفوذه في عقول مريضة تنصاع لكل جلبة مذعنة, وصناعها يضعون اللمسات الأخيرة على الربح الوفير منها. ولا يهم ما دام يتقاضى أجوره مقابل النقاء الصادر في مفهومهم وزخما متزايدا من المستويات البشرية تنجذب إلى مضمونه العشوائي. وتُسرُ الفوضى لما جرى له وتشعر بالامتنان. فهناك من لا يحبذ الاستقرار والأمان للإنسان. والطائفية الدينية العنصرية كالموضة, إنما هي قصور في الثقافة, ولعبة تخترعها الشركات . يتماشى معها لباسة رعاع أتباع كل موضة.