تتناول هذه الورقة علاقة الأساليب الأكاديمية بصالون الشباب. وبداية فلاشك أن هناك حضوراً واضحاً لطلبة وخريجى كليات الفنون الجميلة والتربية الفنية وشباب القائمين بالتدريس فيها من معيدين ومدرسين مساعدين ومدرسين فى صالون الشباب ،وقد حازوا على العديد من الجوائز. كماأن أعضاء هيئة التدريس بكليات الفنون والتربية الفنية قد شكلوا قاسماً أكبر فى لجان الفرز والتحكيم ، وكذلك فى إدارة اللقاءات الثقافية المصاحبة للصالون . إلا أن هؤلاء الشباب من الأكاديميين الذين أثبتوا وجوداً داخل التوجه الفنى للصالون الذى إمتاز بالحرية والتشجيع للتجارب الفنية الجديدة ، هم بالإضافة لموهبتهم تلامذة لبعض الأساتذة الذين أمتلكوا رؤى خاصة فى التدريس بكليات الفنون مما جعل لهم تأثيرا ًواضحا على هؤلاء الشباب فى توجهاتهم الفكرية والفنية ، فقد فتحوا أمامهم آفاقا ًجديدة وربطوهم بالتيارات المعاصرة فى الفن . وفيما عدا تلك الجهود الفردية من جانب هؤلاء الأساتذة الفنانين الذين يمتلكون بدورهم تجاربهم الفنية الهامة فما زالت كليات الفنون الجميلة بأقسامها التى وضعها مؤسسوها من الفنانين الأجانب وبنفس أسلوب الدراسة المنقول حرفياً عن الأكاديميات الأوروبية التى كانت قد تجاوزت - فى ذلك الوقت- تلك الخطوات بحوالى نصف قرن ، ومازالت إلى حد كبير تلتزم بالتعاليم الأكاديمية التى تقوم على تدريب الطالب على النقل والمحاكاة ومازالت تدور فى تقاليد النهضة وجماليات الكلاسيكية والتأثيرية .على الرغم من أن الفنون المعاصرة إكتسبت مجالاً كبيراً فلم يعد يكفى أن يكون تعليم الفنون مجرد وسيلة لإكساب المتعلم الخبرات والمهارات بل يجب أن يصبح هناك أسلوباً تعليمياً يهدف إلى تنمية الإبتكاركأهم القدرات التى تسهم فى دفع حركة الفنون . ومازالت أقسام الكلية هى نفس الأقسام على الرغم من التغيرات الكبيرة التى طرات على تقسيمات الفنون وعلى الرغم من أن مفهوم وحدة الفنون الذى طرحه بقوة الفكر الحديث قد جعل الفنون تتداخل وتتعاون وأتاح للفنان أن يستعين بأدوات كل الفنون وطاقاتها وإمكاناتها فى تقديم أشكالاً جديدة من الفنون تخرج عن تلك التقسيمات التى أنشئت على أساسها أقسام كلية الفنون التى ما زالت كما هى رغم مرور مايقرب من مائة عام على إنشائها ، وعلى الرغم من التغيرات التى تحدث أحياناً فى لوائح تلك الكليات ولاتقترب من الأمور الجوهرية الجديرة بالتغيير. هذا مما جعل صالون الشباب يحدث إرتباكاً كبيراً لدى طلبة كلية الفنون الجميلة ، حيث أصبحت هناك فجوة كبيرة بين مايدرسونه وبين ما يرونه من أعمال فى صالون الشباب ،وهى أعمال يحتفى بها وتحصل على الجوائز وبعض الحائزين عليها من زملائهم الطلبة أوحديثى التخرج . ويصبح من المناسب هنا أن نشير إلى أهمية وجود منهج علمى يربط طرق التدريس بالأهداف التى تسعى لتحقيقها . ويربط تعليم الفنون بحركة الفن المعاصر والفكر المصاحب له حيث أن غياب المنهج جعل من دراسة الفن مجرد إجتهادات فردية . ومن زاوية أخرى لابد أن نعترف أن التعاليم الأكاديمية موجودة أيضاً فى أذهان بعض النقاد الذين هاجموا بشدة إنتاج الشباب فى الصالون ، دون أن يقوموا بالجهد الكافى لدراسة هذا الإنتاج بشكل علمى ، أو يبرروا حتى أسباب إنحداره أومبررات عبثه كما أعلنوا . ولإن مصطلح الأكاديمية لايعنى أسلوباً فنياً معيناً. بل يعنى أى أسلوب فنى يتحول إلى مجرد التمسك بمجموعة من القواعد المرعية التى تؤدى إلى عمل له مواصفات معينة تضمن قبوله ونجاحه . فإن بعض الشباب العارضين فى الصالون من جانب آخر قد وضعوا لأنفسهم مجموعة من التعاليم الأكاديمية الجديدة التى سعوا للإقتداء بها ووقعوا فى أسرها ، وتفسيراً لذلك أقول أنه قد حدث رد فعل قوى من جانب الشباب من خلال إنتاجهم المقدم فى الصالون خاصة فى الدورات الخمس الأولى ضد حالة الجمود والتجاهل وعدم الإعتراف بهم وعدم قبول أعمالهم فى المعارض العامة وعدم ترحيب قاعات العرض بهم، وذلك فى المرحلة التى سبقت الصالون ، فحاولوا ممارسة حرياتهم إلى أقصى درجاتها فأنفجرت فى أعمالهم كل أثار حالة الركود والقيود التى أصابت الحركة الثقافية فى السبعينات وأوائل الثمانينات ، وهذه ظاهرة صحية وطبيعية، وجاءت تلك الأعمال تحمل الغث والثمين نظراً لمساحة الحرية التى أعطاها الصالون الأول ، حيث جاء من ضمن شروط المسابقة فى الصالون الأول / الشرط الرابع : أن يكون العمل المقدم جريئا ًدون حدود فى التجربة الفنية . وتحولت التعاليم الأكاديمية الجديدة لدى الكثير من الشباب إلى : - الجراة المصطنعة فى الأعمال المقدمة - الإبهار والإسلوب الإستعراضى فى تقديم العمل - المبالغة فى الحجوم والمساحات - الجنوح إلى البحث عن الشكل الغريب بعيداً عن المضمون - الإتجاه إلى الأشكال الفنية الجديدة مثل التجهيز فى الفراغ (العمل المركب) - دراسة الأعمال التى تحصل على الجوائز ومحاولة تقليدها حتى من الفنانين الذين حازوا على تلك الجوائز أنفسهم . ومن هنا نجد الدكتور فرغلى عبد الحفيظ فى صالون الشباب الثالث يقول : الجوائز لن تعطى لأى عمل . إن الإنطباع العام لدى الجمهور والنقاد أن الفنانين وخاصة المشتركين فى الصالون هذا العام ابتعدوا عن الأسلوب الأكاديمى واتجهوا إلى الأساليب الجديدة التى تحدث صدى وضجة . وكذلك يقول الأستاذ كمال الجويلى فى كتالوج صالون الشباب الرابع: أن الكثيرين أخذوا يكررون أنفسهم ..... ربما - كما يتصورون- حفاظاً على مواصفات كسبوا بها جوائز من قبل .. ويقول الدكتور مصطفى الرزاز فى مقدمة كتالوج الصالون الخامس : أن العديد من الشباب قد وقع فى فخ التقنيات دون التعمق الفكرى ...فأصبحت العديد من أعمال الصالون بمثابة هياكل متضخمة دون قلب قادر على بث الروح فيها...هذه العلامة تبرز أكثر عندما نتأمل عددا ًمن الفنانين الشباب يعمدون إلى تقديم أعمال ضخمة مستخدمين خامات إستهلاكية مؤقتة يتخلصون منها بإلقائها خارج صالة العرض بعد إنتهاء الصالون .... فقد تصورا أن الجوائز تمنح للأعمال الكبيرة أو الأكثر طرافة . ولأن هناك تقييماً مستمرأً من القائمين على الصالون وأحتراماً لكل الآراء ,وحرصاً على تحقيق الأهداف الكبيرة المرجوة لدفع الحركة التشكيلية الشابة ، رد الصالون على هذا بحجب العديد من الجوائز بداية من الدورة الثالثة حتى وصل الأمر فى الدورة الرابعة إلى حجب جميع الجوائز الأولى فى جميع الفروع ، وإختيار 20% فقط من الأعمال المقدمة فى الدورة الخامسة . ونصت أسس ومعاييرالصالون الثالث على إستبعاد الأعمال المنقولة أو المكررة . والشباب فى ذلك لم يدركوا أن الأقتداء بمجموعة من القواعد لضمان نجاح العمل يفقده أهم صفات الإبداع ويوقعه فى دائرة جديدة من التعاليم الأكاديمية التى سعوا هم فى الأصل للتخلص منها، ثم ما لبثوا أن عادوا إليها بطريقة أخرى . كذلك فإن التجريب والإرتباط بالتيارات المعاصرة لايعنى تقديم فناً خالياً من القيم ، بل تقديم فناً لايعتمد فقط على إحداث تأثيرات سارة بل يتضمن حالات معرفية جمالية جديدة مثل الشعور بالإكتشاف والفهم والتأمل والتغير المعرفى وحب الإستطلاع والشعور بالغموض والتوقع وغيره مما يشكل الخبرة الجمالية الحديثة . وهو يبدو فى ظاهره سهل فى تقنياته إلا أن الحقيقة أنه يجب أن يحمل بفكر واع يكون خلفية تتحرك عليها قيمه الجمالية . وفى النهاية أريد أن أشير إلى رأى يقول. أن الفن الحديث لم يعد بجديد ، بل هو بالأحرى أكاديمياً مثل كل المدارس الأسلوبية السابقة كالقوطية والكلاسيكية والركوكو وغيرها ، وأن هناك الآن مايمكننا تسميته بالتقاليد الأفقية التى تنتشرلتغطى جميع أنحاء العالم ، حتى أننا نجد معارض الفن المعاصر سواء فى فينسيا أو باريس أو لندن أو نيو يورك أو طوكيو أو القاهرة أو بودابست قد أخذت جميعاً شكلاً واحداً ،ولايحظى أى فنان شاب بالتقدير إذا تحدى القوانين الصارمة للأكاديمية المعاصرة . والوسيلة الوحيدة لخروج الشباب من هذا المأزق هو إدراكهم أن إكتشاف عالم جديد لايعنى الإستيطان فيه لكنه يعنى توسيع الأفق بما يتيح للفنان تقديم إبداعات أصيلة تعبر عنه وتتعلق بواقعه وتنتمى لجذوره هو .