كصفصافة تتقن البساطة وتدمن الوحدة ، وقفت أرقبها وهى تمضى ، مبتعدة عن مجالى ، بكل ما تحمل من وجع ، كانت هموم الحياة تطل من نافذة عينيها اللتين تحملان ملامح العصافير ، تنفذ الى قلبى دونما أشعر ، كم هى باحتياج لمن يقترب منها كثيرا ، ويطرد ذلك الأسى الذى استوطن مداخلها ، اقتفيت أثرها ولازلت أتابعها ، وجه غريب ، لم تجمعنى به الطريق من قبل، لكننى أحسست نحوه بواجب كبير ، علىّ أن أعتنى به أكثر، هى تبدو متماسكة لكن ملامحها الشاردة تفضح حكايتها ، كم من شقى فى هذى الحياة ، والبيوت تسترها الحوائط ، وكل باب خلفه قصص وقصص .... هى ليست أكثر منى سعادة على أى حال ، كانت بقية من فتنتها تطرز على وجهها تاريخ أنوثة هادئة راقية ، ثوبها القصير كان يكشف عن ساقين لم تنالا حظا من الامتلاء ، حذاء جميل على بساطته، الريح تدفعها فلا يقاوم الجسد المتهالك سطوتها فتبدو كالمندفعة المتهورة أحيانا وتمر مر الغيمة العاقلة مرة أخرى ... كنت من بعيد أحبس أنفاسى خوف ان تكتشفنى ...لكن عينيها كانتا تنتهجان زوايا منكسرة دوما فلا ترفع وجهها الا قليلا ... اقتربت منها كثيرا حتى وصلت الى سوق الخضراوات ...بدا صوتها خافتا أثناء حوارها مع البائعين ، كانوا يطيلون النظر اليها ، هى لا تلقى بالا لأحد ... مضت تمسك أكياسا كثيرة .. تعجز عن حملها فيما يبدو لى تقدمت للمساعدة ، لم تبدِ اعتراضا تشاركنا الحمل ،، مشيت حاملا أكياسا كثيرة مليئة خضرا وخبزا .. مشينا دون أن أفكر بالحديث معها كل ما كان يدور فى ذهنى ان اعرف تفاصيل حياتها التى أودت بها لهذه الحالة بعد دروب وحارات وخرائط معقدة وصلنا لأحد الأماكن العشوائية باب متواضع جدا ،، ترقد خلفه سيدة فى عقدها الثامن تكاد وظائف حواسها جميعا أن تتعطل عن أعمالها أطفال صغار بالطبع لكثرتهم لا أحسن حصرهم حجرة واحدة تكتظ بكل شىء غرفة نوم وصالون ومطبخ ومدخل بيت ...بيت مختزل فى حجرة !! راحت بشىء من الخجل تدعونى للدخول فى حين التقط الصغار أكياس الخضروات كصغار العصافير فاغرين أفواه افترسها الخواء والضنك ... تسمرت قدماى وقد انتقلت الىّ مراسم الخجل بدورى أومأت لها علامة الشكر عائدا أدراجى عائد بكل صمت الدنيا تجرنى حارة لحارة ودرب لدرب وخريطة معقدة لخريطة أكثر تعقيدا ومن بعيد كانت كتلة بعيدة هناك يسمونها العشوائيات لا أحد يعلم عن هؤلاء شيئا فالبيوت تسترها الحوائط كانت ملامحها تملأ طريقى بكل بساطتها وأنوثتها شددت الخطى ، لا أدرى لماذا شعرت بحاجتى لزيارة قبر أمى ؟!!