أشتهر عند الناس يوم الجمعة بيوم للحماس و لاثارة الضجة و الصراخ و الفتن و الرعب بحجة التغيير و الاصلاح , و الغاية لا تبرر الوسيلة كما قال العلامة السعدي رحمه الله (و ليس مشروعا من الأمور , غير الذي في شرعنا مذكور). و منهم من يهتف ب ( هيا يا أحرار ) و غيرها من العبارات و الألفاظ , و لا أدري هل كانوا مسجونين ثم أصبحوا أحرارا ؟! و هل هذا هو مفوم الحرية في الاسلام ؟ و يوم الجمعة فيها فضائل كثيرة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم و سنذكر بعضها و لكن البعض يجهل أو يتجاهل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر ، ثم ادهن أو مس من طيب ، ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له ، ثم إذا خرج الإمام أنصت ، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) صحيح البخاري. و قال (من غسل و اغتسل و دنا و ابتكر ، و اقترب و استمع ، كان له بكل خطوة يخطوها قيام سنة و صيامها) صححه الألباني. و قال (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أهبط ، وفيه تيب عليه ، وفيه قبض ، وفيه تقوم الساعة ، ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخة حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا ابن آدم ، وفيه ساعة لا يصادفها مؤمن وهو في الصلاة يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه) رواه النسائي و صححه الألباني. قال تعالى في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). و مع الأسف بعض الأخوة – هداه الله – يرى أن الثورات و المظاهرات فيها فضيلة بعد صلاة الجمعة و استدل بالآية التي تليها (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ). و في البداية ما أردت أن أتكلم عن هذا الاستدلال و لكن رأيت الناس قد استجابوا لهذا الخبر و صدقوه و من ثم زاد الاتباع و زادت الهمة و النشاط في هذا الباب , و من هنا لا بد من تبيين و ايضاح. و هذا الاستدلال لا شك في بطلانه من عدة أوجه. أولا : (وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) ذلك لا يتم الا بما شرع الله و الا قد اتخذنا شركاء مع الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ) , ثم دعوة الناس الى المظاهرات فيه تشبه بالمنافقين لأن المظاهرات غير مشروعة و من ثم يسمى ذلك ( الأمر بالمنكر ) و قد قال تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ). و الأدلة في تحريم المظاهرات واضحة و جلية كما بينها أهل العلم و على رأسهم الشيخ بن باز و الشيخ بن عثيمين و غيرهم رحم الله الأموات منهم و نفع بالأحياء, و لكن البعض لا يكتفي الأخذ بالنصوص الشرعية على ظاهرها فيحرف المعنى و يلف و يدور. و الخروج على ولي الأمر فيها مقدمات , فان لم يكن اللسان و ذكر مساوئ ولاة الأمور و المظاهرات خروجا فلا أدري ما الخروج اذا ؟ و البعض يصر الا أن يقيم المظاهرات و الثورات فنقول له اتقي الله و تذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده ، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء) صحيح مسلم. و قد يبرر البعض بقولهم ( نحن مجتهدون و كل مجتهد مصيب) , أولا : ليس كل مجتهد مصيب لأن الحق واحد لا يتعدى. ثانيا : ليس كل شخص اجتهد و لم يصب فله أجر لأنه قد لا يملك أدوات الاجتهاد فيكون آثما ! لاسيما مخالفة النصوص الشرعية و مخالفة العلماء الأكابر المشهود لهم بالعلم و الفضل الذين لهم باع طويل في العلم و بعد ذلك كله قد يقول " كلها مدارس فخذ ما شئت و اترك ما شئت " و يتكلم و كأننا في محل خضار نأخذ ما نريد و نترك ما لا نريد ! و هذا لعب و استهزاء (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) , و أيضا يكون اتباعا للهوى و يتبع ما يريده الهوى ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) و اذا الناس ائتمنوا هذا القائل على دينهم و غيره المحسوبين على الدين و الصلاح بشكل عام , فلا يجوز أن يستقل هذا الائتمان بالخيانة , قال عليه الصلاة والسلام ان من خصال النفاق ( و اذا اؤتمن خان ) و كما ذكرنا في يوم الجمعة يتهيأ العبد المؤمن للعبادة و التسابق الى الأجر و الحسنات و كما ذكر العلامة السعدي رحمه الله ( السابقون في الخيرات هم السابقون في دخول الجنات ) فلا ينبغي التسارع الى الاثم و السيئات. ثانيا : قوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ! لماذا خرج هؤلاء المتظاهرون ؟ لأمر الدين أم الدنيا ؟ فان كانوا قد خرجوا لأمر الدين فيجب عليهم أن يسألوا أهل العلم المعتبرين و لا يستفتوا قلوبهم أو أي شخص يدعي الصلاح أو العلم بحال من الأحوال, فالخروج لأمر الدين ليس على اطلاقه. و بعد ذلك نجد أن خروجهم ليس لأمر الدين و لكن لأمور دنيوية ! و هنا نقول لهم أين ذكر الله المذكورة في الآية ؟ بل خالفوا أوامر الله و خرجوا على ولي الأمر , فأين ذكر الله و أين اتباع ما أمر الله به و الانتهاء عن كل ما نهى عنه ؟! ان كانوا يهتفون بالحرية و الديمقراطية و التحدي و الدمار و زعزة أمن البلاد فأين ذكر الله و أنى الفلاح المذكور في الآية ؟ قال عليه الصلاة والسلام (ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) متفق عليه. و الامام النووي بوب تحت هذا الحديث ( باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة و استئثارهم ). و قال عليه الصلاة والسلام (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) صحيح مسلم , و بوب الامام النووي تحت هذا الحديث (باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق). و الامام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – له أقوال ثمينة في رسالته ( مسائل الجاهلية ) مع أن البعض ينسب له أنه يكفر ولاة أمور المسلمين و يأمر بالخروج عليهم ان ظلموا , قال رحمه الله (أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له عندهم ( أي : الجاهليون ) فضيلة و السمع و الطاعة له ذل و مهانة فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة والنصيحة لهم، وغلظ في ذلك، وأبدى وأعاد). فالجاهليون لا يرون السمع و الطاعة لولاة أمورهم و لا يعقدون البيعة لهم. و العجيب البعض يعيب الاختلاط و يرد على الليبراليين من جهة ثم يدعو الى الاختلاط في الساحات للمظاهرات من جهة أخرى ! و هذا الأمر يشمل أمور عديدة , منها التشبه بالكفار و المنافقين ( و هذا لا يعني التكفير ) , و يشمل القول على الله بغير علم و تقليل شأن العلماء الأكابر و التماس العلم عند الأصاغر , و تقليل من شأن المعاصي و المجاهرة بالمعصية , و فيها كفران النعم فالله أعطانا نعمة الأمن و الأمان و البعض يأبى الا أن يرى الدماء تسيل الى الركب ! و أيضا فيها دعوة الى التفرق و قد قال عليه الصلاة والسلام ( يد الله على الجماعة فان الشيطان مع من فارق الجاعة ) رواه النسائي و صححه الألباني , و قال ( من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ) أخرجه الترمذي و صححه الألباني , و قال ( الجماعة رحمة و الفرقة عذاب ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة. و من باب ان اقوال الأئمة يستدل لها و لا يستدل بها نذكر ما قاله الامام الطحاوي رحمه الله (و نرى الجماعة حقا و صوابا و الفرقة زيغا و عذابا). و هذا لا يعني اننا نشجع ولاة الأمور على الظلم و لكن ان وقع منهم ذلك يجب على العباد الصبر و يجب على العلماء مناصحتهم سرا. و قال عليه الصلاة والسلام في حق الامام الجائر موتعدا اياهم (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) صحيح مسلم. نصيحة لي و لأخواني : العزلة طيبة في أوقات الفتن لاسيما ان صوت الحق لا يسمع في مثل هذه الأوقات , و العزلة عزلتان : شرعية و بدعية. أما الشرعية : اعتزال ما يحدث من أمور الفتن , و عبادة الله في مثل هذه الحالات لها فضل عظيم كما قال عليه الصلاة والسلام ( العبادة في الفتنة كهجرة الي ) صحيح مسلم. و أما العزلة البدعية هي مفارقة الجماعة كما ذكرنا ذم مفارقة الجماعة في الأحاديث السابقة. فعليك بأن تكثر من الدعاء في يوم الجمعة و لا تنس نصيب اخوانك المسلمين من الدعاء في كل مكان و تسأل الله أن يصلح شأنهم و يوفق جميع المسلمين للخير , والكثرة من الأعمال الصالحة و منها وصل الأرحام و الاستمتاع مع الأهل و الأحباب و الحرص على ما ينفعك في آخرتك و دنياك.