بطبيعة الحال ان واقعنا العربي المؤلم في الوقت الحالي وما مرت به المنطقة المنحصرة ما بين المحيط والخليج من ازمات انما هو نتاج احقاب متتابعة من انهيار عدد من المنظمات في بلداننا علي الرغم من تباين الاوضاع الاقتصادية والثقافية الي حد ما الا ان الوضع السائد في كل الاقطار العربية واحد فاما هي حالة من اللا وعي الشعبي العربي والادعاءات المستمرة مما يسمي بفوضي الاعلام بان الوضع السياسي الراهن هو ما يفرض نفسه علي ملكات الفكر الفردية ويثبط من قدرات الافراد علي التقدير السليم لما يجب ان تكون عليه منظومات مجتمعنا العربي لتواصل انهيارها وتستمر امتنا العربية في طريقها الي الهاوية فمن اين يكون الاصلاح ؟ واين هي نقطة البداية ؟ ان المجتمع الناهض شانه شان افراده السائرون في طريق الكمال يتكون من عدة منظمات تاخذ في التدرج من قمة الهرم المتمثلة في العمل السياسي وما له من كلمة عليا في شان المجتمع الا انها ليست الكلمة الاولي والاخيرة فكم من شعب صنع سياسته بافراده لا بقرارات حكامه وقادته ثم الاقتصاد وهو البوابة الاولي لعالم السياسة وهو المفتاح للوضع السياسي والعلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة تلازم وتلاحم فما من شك ان للاقتصاد الكلمة الاولي في القرار السياسي الحاسم فعلي سبيل المثال عندما حاولت امريكا في منتصف القرن العشرين الحد من المد الشيوعي في الدول الناشئة اقتصاديا في اسيا وافريقيا ما كان اقدر علي رد التيار الشيوعي من سلاح السلطة الاقتصادية وسطوة راس المال الامريكي فاستمرت المعونات الامريكية في البلدان الفقيرة حتي انهار الاتحاد السوفييتي في العقد قبل الاخير من القرن ذاته (1986) ولا زالت المعونات الامريكة والمساعدات الامريكية في القارة الافريقية تمثل بطاقة التاييد في المنطقة ومصدات عواصف امريكية الصنع تامن بمؤداها الجانب الافريقي ويستمر الهرم في تدرجه فيقودنا الاقتصاد الي المفاتيح الناجحة لاي اقتصاد قوي وهو الانتاج وما من شك ان التقدم التكنولوجي هو عصب الثورة الانتاجية وبالتالي الاقتصادية الشاملة والتقدم التكنولوجي هو نقطة التقاء لطريقين لا ثالث لهما ولا بزوغ لاقتصاد حر بدونهما وهما البحث العلمي الذي يمكن الانسان من المزيد والمزيد يوما بعد اخر بل وتخطي الجديد في عالم البحث العلمي حاجز الدقائق والثواني التي لا زلنا نضيعها هباء في بلداننا والطريق الاخر هو طريق التصنيع والانتاج المادي والملموس الذي يطوع العلم بنظرياته وافكاره وابحاثه لخدمة حاجات المجتمع المطردة ومن المؤكد انه بدون هذين الاتجاهين كما اسلفنا استعصي علينا الوصول للنهضة التكنولوجية المنشودة وبالبقاء في حيز ضيق من الانتاج البشري محدود الامكانيات ضئيل الثمار ثم اذا تابعنا المسير في هرمنا المتدرج والمنظم بضع خطوات الي القاعدة لاصطدمنا بامر هو من اخطر الامور واوسعها مجالا وغالبا ما تؤدي انهيار هذه المنظمة لاشد الاثار مقارنة بغيرها من الامور التي سبق ذكرها وهذه المنظومة تتمثل في فن ادارة البشر وتطويع الافراد للعمل المجتمعي الحقيقي الهادف ويمكننا اختصارها رغم سعة ساحاتها وتشابك معالمها وجزالة اثارها في بعض النقاط والمبادئ كدلالات ليس الا , فنقول كما علمتنا مدارس الثورة التي نشانا علي علاماتها سواء الايجابية او السلبية علمتنا ان القهر مزرعة الرذيلة لذا فان تهيئة الجو الملائم لافرادنا هو الطريق لمجتمع متوازن بتوفير الفرص المتكافئة للافراد مع تساوي القدرات وهذا يوصلنا لمعني العدالة وهو تساوي الواجبات والحقوق عند تساوي القدرات مع المساواة في الثواب والعقاب ,وغير ذلك كثيرا من المعاني التي تندرج تحت بند ادارة البشر فالعدالة والامن و التعليم والتوعية المجتمعية وحسن التقييم لقدرات الفرد العامل تحقيقا لمبدا وضع الانسان المناسب في المكان المناسب لضمان النتائج المثلي لكل ذلك اثره في النهوض بامكانيات البشر والمجتمع , وفي هذه النقطة بالذات يقف الاعلام كعامل مساعد اما بالايجاب او بالسلب في كثير من الاحيان فنراه في عصرنا الحديث ممسكا بزمام المجتمع بمختلف فئاته فيقودها للوعي المتحضر والمنهج العقلاني والفكر الطليق او يقودها الي الهاوية والانحطاط بدءا من تدني الذوق العام وتحجيم العمل الفكري والوقوع بين انياب العنف والجريمة والعقم الفكري والاجتماعي وصولا الي جذب الواقع الي ادني بقاع السوداوية والإحباط وانهيار الهدف العام وفقد الحافز للعمل التكاملي فنذكر من كلمات الثورة ان الشائعات هي العادة السرية للشعب المقهور ولا خير في افراد تدهسها تيارات للتكسب من ألام الناس وتضرب بمشاعر البشر عرض الحائط بل وتطوعها احيانا لمصالح خاصة وقد تصل تيارات التنوير الظاهري لفرض حالة التعتيم الفكري والعمي العقلاني مستغلة ثقة الكثيرين في مصداقية الاعلام . ثم نمضي وتكون لنا صولات وجولات في عالم ادارة البشر ويستمر التدرج المنظومي وتزداد البنود وتتشابك الفروع وتتعقد السبل الي ان نصل الي قاعدة الهرم المجتمعي الي أساس الإصلاح الشامل والكلمة السحرية لهذه المرحلة رغم حروفها الخمسة الا انها تمثل القاعدة العريضة والأساس الأمثل ولن نطيل في الشرح هذه الكلمة السحرية هي ( العمل ) ونعني العمل الجاد المنظم لبناء أساس صلب وحقيقي للتدرج السابق إيضاحه فالعمل هو القوة الحقيقية للإنسان وللمجتمع ولن نطيل في كلام الكتب المدرسية التي حفظناه في سنواتنا الأولي العمل شرف ,العمل حياة , العمل عبادة , ويكفينا قول الرسول (صلي الله عليه وسلم ) المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف والقوة هي العمل الجاد وهو السلاح الذي كلما ازدادت اوجاعنا يجب ان نزداد ايمانا بجدواه وفاعليته في تغيير الواقع القاسي . وفي النهاية كفانا ان نفتح اعيننا الي العالم ومتغيراته والاسس التي وضعناها معا لمجتمعنا ليس من باب التشبه بمدينة افلاطون الفاضلة ولكن من منطلق الاحساس بالخطر الذي دقت نواقيسه حتي صمت اذاننا ولا تزال تدق عسانا نستوعب حجم الكارثة ونفيق من غفوتنا التي طال مداها ويكفينا ان نؤمن اننا لسنا سيزيف الاسطورة اليونانية القديمة الذي حكمت عليه الالهة ان يرفع الصخرة الي قمة الجبل ثم لا تكاد تصل الي القمة حتي تتدحرج فيعود لرفعها وتتكرر العملية الا مالا نهاية ويستمر سيزيف في الدوران في حلقة مفرغة يضيع فيها عمره بطريقة رخيصة في عمل مرهق عديم الجدوي حتي تتاكل عضلات جسده ويموت يكفينا دافعا للجدية والايجابية في حياتنا وعملنا المجتمعي المثمر رفضنا ان نكون هذا السيزيف فاليد العليا خير من اليد السفلي واليد العاملة هي العليا والعقل المفكر المتدبر الواعي هو السلاح الحقيقي في زمن الخطر وهو عقارب الساعة التي نمتلكها لتغير واقعنا المؤسف واللحاق بنظائر لنا تجاوزوا افاق الازمة وها هم بفضل العمل المنظم من كبريات الدول التي نجحت في صنع مجتمعات من العمالقة بين مجتمع اليوم الدولي وليس غريبا ان تكون في صفحات الغد او بعد الغد من اولي القرار المصيري في المجتمع السياسي .