ستوفق مصالح الأمن في الضرب بيد من حديد على جميع المشاركين في الأعمال التخريبية في حق المؤسسات العمومية وممتلكات الخواص, لكن ورغم ذلك فإنها خسرت الجولة الأولى, ومهما قامت به, فإن ما ارتكب في مدينة العيون من أعمال إجرامية من الصعب نسيانها على مدى عشر سنوات. لذلك سيعم التنافر والتباغض بين فئات المجتمع المغربي الساكنين في العيون, ما بين سكان الشمال وسكان الجنوب, هذه الجولة سيخسر فيها سكان الشمال بعضا ممن كانوا يحسبون معهم. ستتوسع قاعدة سكان الجنوب والموالين لهم في الصحراء, بل وسيقع نفس الشيء في الجامعات. الجولة الثانية التي يمكن أن يقدم عليها الشباب الصحراوي, هي الانتماء لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي, وستكون هذه الجولة موجهة ضد المغرب والجزائر معا. لقد أصبح المولود مراهقا يافعا, وأحس بقوة عضلاته المفتولة ولم يعد يستسيغ أن يملي عليه الغير الأوامر. قد يقبل المال والعطاء من أي كان, لكن هو نفسه من يقرر في أموره. في المستقبل القريب ستفقد الجزائر زمام التحكم وتوجيه البوليساريو, وستجد الصحراوين المغاربة ضمن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. خطوة الشباب الصحراوي هذه أصبح يمليها عليهم الهجوم بدل سياسة الدفاع التي كانوا ينتهجونها من قبل. لقد أدركوا أنهم خربوا مصالح مدينتهم, وأجبروا المستثمرين على الفرار منها . لقد عقلهم المسنون منهم, وشرحوا لهم سلبيات ما ارتكبوه في حقهم من دفعهم للفقر والعوز. معلوم أن أغلب العمارات والبنايات والمحلات التجارية, تعود لصحراويين من شتى مدن الجنوب المغربي. تلك البنايات تعود عليهم بالملايين , لكن تخريب تلك المحلات والمشاريع والمؤسسات, يدفع مغاربة الشمال نحو الرجوع إلى مدنهم, ويدفع المدينة برمتها نحو الاحتضار والفقر والعوز. الصحراويون يطغى عليهم البنيان القبلي, وشيوخهم مدركون أنه لولا النقيض الذي صنعوه لأنفسهم من سكان شمال المغرب, لدبت بينهم الخلافات بل والمشاحنات الخطيرة. ساسة العيون الحقيقيين يسعون في الجولات المقبلة إلى نقل التخريب والمواجهة إلى مدن أخرى لأهداف عدة. منها أولا رسم المجال الجغرافي لنفوذهم, وثانيا ليلحق المدن الأخرى ما لحق مدينة العيون, كي لا ينتقل إليها المستثمرون, وتفقد العيون رمزيتها وصدارتها, وثالثا لكسب أكبر عدد من الموالين من أبناء الشعب المغربي, والذين يمكن لهم أن يفضلوا قبول مطالبهم مقابل التنعم بالأمن والاستقرار. لقد كان وإلى وقت قريب يشعر الصحراويون في المغرب أنهم عيال على إخوانهم في تندوف, لكن هؤلاء في المستقبل هم من سيصبح عيالا على اخوانهم اليوم في داخل المغرب. انفصاليو الداخل كسبوا جولات في منافسة اخوانهم, لقد حققوا ما لم يحققه قط اخوانهم في تندوف. لذا في المستقبل سيكون لانفصالي الداخل تأثير على إخوانهم في تندوف, تأثير في السياسة والتوجيه ورسم المسار الذي يجب أن يسلكوه. الصحراويون عموما, اصبح هاجسهم هو تكوين دولة يسوسونها وتكون مؤتمرة بأوامرهم, المنطقة المعنية سابقا بنزاع الصحراء هي المستعمر منها من طرف إسبانيا. خطاب البوليساريو اليوم يتحدث عن اسا الزاك وعن كلميم بل وعن سيدي افني أيضا, وفي القريب سيتحدث عن تيزنيت ونواحيها, خاصة وأنها مرقد الولي الصالح المجاهد الشيخ ماء العينين. يستفاد من هذا أن ما تطالب به البوليساريو يتزايد يوما بعد يوم, ومهما بلغت استجابة المغرب لمطالب انفصاليي الداخل كما انفصاليي الخارج, فلن ينهي أبدا مطالبهم التي تتوسع على مدار الساعة. في المستقبل الغير البعيد وبموت الجنرالات خلف فرنسا في الجزائر, سيتخوف الجزائريون خاصة منهم محيط خلف فرنسا, سيتخوفون من نفوذ البوليساريو في الجزائر. لقد أصبح الصحراويون المغاربة المقيمون اليوم في الجزائر, يشعرون مؤخرا بدعوات ضمنية للرحيل عن الجزائر. الجزائريون المحاربون للإسلاميين, يتخوفون من سلاح البوليساريو, ويتوجسون من تنسيق في المستقبل بين الإسلاميين والبوليساريو. فرنسا وأمريكا هي الأخرى تضرب لهذا الاحتمال ألف حساب, لذا تحاول الضغط والمراقبة الشديدة, وفي نفس الوقت تزرع الفرقة بينهما. الدول الغربية, تستغل مشاكل المغرب والجزائر للحصول على أكبر ما يمكن من الامتيازات, لكن هذه الأخيرة تقع في مجال يراه خصوم المغرب كما خصوم الجزائر, مجالهم, لذلك فمن الممكن جدا أن يحدث تنسيق مستقبلي بين خصوم الجزائر وخصوم المغرب لتكوين كيان يهددهما معا. الحسن الثاني طيب الله تراه, قال( لكي تفهم الواقع وتتنبأ بالمستقبل لابد أن تقرأ التاريخ) الدارس لتاريخ شمال إفريقيا, يدرك أن كل مولود يولد في الصحراء تحن نفسه لما وراء الأبيض المتوسط. لقد صرح احد مسؤولي البوليساريو أن سبتة ومليلة مدينتين مستعمرتين, وتراجع في الحين. موقفه الحقيقي تراجع عنه مؤقتا حفاظا على مصالح آنية. الموقف هذا دليل على المدى الذي ينظر إليه البوليساريو اليوم, وهو حسب تقديري مراهق يافع ما يزال تحت وصاية الغير. تنبأ ببعد نظره يوم يستقل عن تلك الوصاية أو يثور عليها. الخلاصة التي يمكن أن أخلص إليها هي أنه آن الأوان أن يتعامل المغاربة بحنكة وسياسة ونباهة فائقة, يعرفوا كيف يستفيدوا من تناقضات الغير, وكيف يستغلون نقط ضعفهم ونقاط قوتهم. يجب على المغرب أن يحاول التملص من تعليمات الدول الغربية, تملص بدهاء يكون مفاده تنفيذ وهمي لما يطلبون وتنفيذ حقيقي لعكسه. أوربا تدرك جيدا أن الخطر الذي سيهددها في المستقبل سيخرج عليها من شمال إفريقيا, وبالخصوص من موقع المغرب. زد على ذلك أن محرك السياسة العالمية اليوم هو الدين والمال. لذا وجب علينا أن نعرف ما نقدم للغرب وما يقدم له غيرنا من الجيران. جيراننا قدموا أرواح 200ألف من المواطنين الأحرار فقط لكسب ود فرنسا, كما يقدموا من الغاز والبترول الكثير. لن نستطيع مجاراتهم في هذا السبيل, لذا وجب علينا أن نفكر في أساليب أخرى تميزنا عنهم. التهديد علينا قادم من جوانب عدة, لكني موقن أننا وبفضل الله وعونه سنوفق في كسب جولات عدة, وسيخسر المعتدون علينا جولات قبلنا, وسنكون الرابحون ولو بعد حين. المغاربة كانوا وسيبقون الشعب العبقري الذي لا يهزم, ليس لقوته الجبارة, ولكن زيادة عليها بدهائه وحنكة رجاله. المغرب عندي يعني المغرب الأقصى حاليا وأقاليمه السابقة التي تعد اليوم دولا.