القافلة الدعوية بالدقهلية تعقد ندوة عن تجفيف منابع الغُرم (صور)    «التعليم العالي»: بدء قبول طلاب الشهادات المعادلة بمكتب التنسيق غدًا    انتهاء المرحلة الأولى من الموجة 27 في الدقهلية بتنفيذ 533 إزالة (صور)    رفض تهجير الفلسطينيين يتصدر رسائل السيسي لقادة السعودية وقطر وفرنسا واليونان    ضباط بجيش الاحتلال: ندفع ثمنًا باهظا في غزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المغربي تطورات القضايا الإقليمية    من واشنطن إلى آسيا| تداعيات الرسوم الأمريكية على الاستثمار العالمي    غيابات بالجملة تضرب الأهلي قبل مواجهة غزل المحلة    مرموش: اللعب بجوار هالاند يدفعني للتطور    ناجي حكما لمباراة السنغال وأوغندا في ربع نهائي أمم افريقيا للمحليين    كرة طائرة - منتخب الشباب يحقق الفوز الثاني على حساب تايلاند في بطولة العالم    مؤتمر إيدي هاو: موقف إيزاك خاسر للجميع.. ومن المؤسف أننا في هذا الوضع    حملات مكثفة.. ضبط 162 سائقًا بسبب تعاطي المخدرات أثناء القيادة    شواطئ الإسكندرية كاملة العدد، ورفع الرايات الحمراء بالقطاع الغربي (صور)    ضبط سائق نقل ذكي بتهمة سرقة لاب توب من راكب بقصر النيل    بالأرقام.. الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سيارة على الطريق الغربي بالفيوم    إقبال جماهيري على معرض السويس الثالث للكتاب (صور)    بالصور.. نقل القطع الأثرية المكتشفة تحت مياه أبو قير إلى المسرح اليوناني الروماني بالإسكندرية    نائب وزير الصحة يتفقد منشآت طبية بدمياط ويشيد بأداء مستشفى الحميات    تسجيل مركز قصر العيني للأبحاث السريرية رسميا بالمجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية الإكلينيكية    حلاوة المولد، طريقة عمل "الشكلمة" فى البيت بمكونات بسيطة    بنسبة تخفيض تصل 30%.. افتتاح سوق اليوم الواحد فى مدينة دهب    نائب محافظ الفيوم يُكرم المشاركين في البرنامج التدريبي "العمليات التصميمية وإعداد مستندات الطرح"    إمام مسجد بكفر الشيخ: لابد أن نقتدى بالرسول بلغة الحوار والتفكير المنضبط.. فيديو    رسميًا.. دوجلاس لويز يعود إلى الدوري الإنجليزي    افتتاح مسجدين بمركزي مغاغة وأبوقرقاص في المنيا    التموين: ضبط 4 أطنان دقيق خلال 24 ساعة    العين مرآة العقل.. وهذه العلامة قد تكشف مرضًا عقليًا أو اضطراب نفسي    محافظ مطروح يستقبل رئيس جامعة الازهر لافتتاح مقر لكلية البنات الأزهرية    وزير الري: التكنولوجيا تلعب دورا محوريا في إدارة المياه والتنبؤ بمخاطر المناخ    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية تؤكد انحيازها التام لحرية الإعلام    الاقتصاد المصرى يتعافى    القبض على عاطل يدير ورشة لتصنيع الأسلحة البيضاء    مصلحة الضرائب تنفي وجود خلاف بين الحكومة وشركات البترول حول ضريبة القيمة المضافة    رئيسة حكومة إيطاليا: قرار إسرائيل احتلال غزة يفاقم الأزمة الإنسانية فى القطاع    علاء زينهم يرفض الاعتزال ويؤكد: العمر لا يوقف الإبداع |خاص    مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يعلن لجنة تحكيم الدورة ال32    ثائرٌ يكتُب    ناقد رياضي: بن رمضان اللاعب الأكثر ثباتًا في الأهلي.. ومواجهة المحلة صعبة    الحبس عامين ل تارك صلاة الجمعة بماليزيا.. أحمد كريمة يوضح الرأي الشرعي    «التسامح والرضا».. وصفة للسعادة تدوم مدى الحياة    غدير ماتت من سوء التغذية..التجويع الإسرائيلي لغزة يقتل رضيع عمرها 5 شهور    عائلات المحتجزين: ندعو لوقفة احتجاجية قبالة مقر نتنياهو    وزارة التخطيط ووكالة جايكا تطلقان تقريرا مشتركا حول 70 عاما من الصداقة والثقة المصرية اليابانية    *لليوم الثاني.. خدمة Premium الجديدة بقطارات السكة الحديد "كاملة العدد"    تهيئة نفسية وروتين منظم.. نصائح هامة للأطفال قبل العودة إلى المدارس    أستاذ بالأزهر: مبدأ "ضل رجل ولا ضل حيطة" ضيّع حياة كثير من البنات    غدًا.. إعلان نتيجة التقديم لرياض أطفال والصف الأول الابتدائي بالأزهر| الرابط هنا    الأمن أولًا.. إدارة ترامب تعتزم مراجعة شاملة لتأشيرات 55 مليون أجنبي    محافظ أسيوط يسلم جهاز عروسة لابنة إحدى المستفيدات من مشروعات تمكين المرأة    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    محمد رمضان يستفز جمهوره في مصر ب فيديو جديد: «غيرانين وأنا عاذرهم»    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    ضبط المتهمين بالتسول واستغلال الأطفال أسفل كوبري بالجيزة    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    نجم الأهلي السابق: أفضل تواجد عبد الله السعيد على مقاعد البدلاء ومشاركته في آخر نصف ساعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقِلاب 14 تموز 1958 في العراق ومَحكمَته الثورية الهَزلية
نشر في شباب مصر يوم 11 - 07 - 2013

عِند الحَديث عَن إنقلاب 14 تموز الأسوَد الذي سَتحُل علينا ذكراه المَشؤومة بَعد أيام، لابُد أن نعَرج على أحَد أبرَز المَشاهد البَشِعة التي أرتبطت في ذاكرة العراقيين بهذا الإنقلاب بَل وباتت ماركته المُسَجلة، فبَعد نَجاح الإنقلاب لجَأ عبد الكريم قاسم الذي نصّب نفسَه رَئيسا للوزراء لتشكيل ما سُمِّي بالمَحكمة العَسكرية العليا الخاصة، التي سُمّيَت فيما بَعد بمَحكمة الشَعب أو ما تعارف العامة على تسميتها بمَحكمة المَهداوي نسبة للعقيد فاضل عباس المهداوي إبن خالة قاسم الذي عُيِّن رَئيساً لها. وقد جاء بقرار إنشاء المحكمة إن مُهِمّتها مُحاكمة شَخصيّات العَهد السابق البارزة ومُحاسَبَتِها على أعمال تُعتبَر مُؤامَرات أو مُشَجّعة للفساد في ذلك العَهَد، وهي مُهِمّة لعَمري نَبيلة إن كانَت بقصد إحقاق الحَق والعَدالة ومَن سَيَقوم بها ذو نيّة صادِقة ونفس سَليمة، لكن للأسَف الباطِل والأنتقام كانا مِن وَراء القَصد، ونيّة السوء والنفوس المَريضة هي التي حَكمَت ونفّذت، ولا غَرابَة في ذلك فالإناء يَنضَح بما فيه، وإنااء إنقلاب 14 تموز التآمُري الدَمَوي لم يَكُن ليَنضَح بأقل مِن هذه المَحكمة البائِسة.
لقد أجمَع الحُكماء وأصحاب العُقول مِمّن كتبوا عن تأريخ العراق الحَديث على أن هذه المَحكمة هي مَهزلة ونكسَة بتأريخ القضاء العراقي، بالتالي تستوجب الخجل وتنكيس الرُؤوس لا الدفاع عَنها ومُحاوَلة تجميلها كما يَفعل بَعض مَن لا زالوا أسيري الأفكار الصَدِأة، التي وبَدلاً مِن تجديدِها يُحاولون بَين حين وآخر بَعثَ الروح فيها وإعادة تصديرَها للأجيال اللاحِقة، ولا عَجَب في ذلك، فهؤلاء أضاعوا بوصَلتهُم ويَدورون مُنذ زمَن بَعيد بحَلقة مُفرغة مِن رُؤى وأفكار عَفى عَليها الزمَن، وهو أمر مُؤسِف مِمّن يَدّعون تبَنّيهم لأفكار ديمُقراطية وما يَرتبط بها مِن شَرعِية دستورية قانونية. فهُم مازالوا يُعَظِّمون هذه المَحكمة ويُرَوّجون لها ولتفاهاتها، رَغم أنها لا تمُت لما يَدّعونه مِن قيَم قانونية وأنسانية بأي صِلة، مُبَرّرين ذلك باسم الشَرعية الثورية التي تناقِض الشَرعية الدستورية. فهي أولاً مَحكمة عَسكرية تتنافى مَع مَفهوم الدولة المَدنية الذي يُردّدونَه دائِماً، وتمَيّزت بأجواء سيرك هَزلية جَعَلتها أضحوكة وأخرَجَتها عَن وقارها، إضافة لإستِخدام ألفاظ وأساليب لاأخلاقية في التعامُل مَع المُتهَمين تُعيب أي مَحفل تتردّد فيه وتتنافى مَع القِيمَ الأخلاقية التي يَدّعيها المُثقفون الثوريّون، ناهيك عَن مَفهوم العَدالة الذي غابَ عَن جَلساتها وأستُعيضَ عَنه بمَفاهيم الحِقد والثأر والأنتقام التي تجَسّدت بأبشَع صُوَرها في مُحاكمة سَعيد القزاز،الذي فشِلت المَحكمة بإثبات أي تُهمة حَقيقية عَليه وفق السِياقات القانونية، لكنها رَغم ذلك حَكمَت عَليه بالإعدام.
لقد كانَت الإهانات والتَجاوزات وبَذيء الكلام هيَ الصِفة المُمَيّزة والعَلامة المُسَجّلة لهذه المُحاكمات،وبقدَر ما كانَت أجوائها عامِل تسلية للعوام والرُعاع الذين إستأنَسوا بها، فإنها كانَت إهانة لحُرمة القضاء وإنتهاكاً للعدالة، وكانَت تُعرَض بالتلفزيون ويُشاهدها الناس كأنهم يُشاهدون مَسرَحية هَزلية. كانت المُحاكمات تبدأ عادة بخِطاب حَول قضايا الساعة، سُرعان مايَتحَوّل الى شتائِم وإهانات للمَوجودين أمام المِنَصّة باعتِبارهِم مُذنبين ومُجرمين، رَغم أنهُم خليط مِن مُتهمين وشُهود ومُحامين، وكثيراً ما كان يَتم قطع المُحاكمة لألقاء خُطبة أو قصيدة تَنتَهي أحياناً بدَبكة. لم تكن مَحكمةً بالمَعنى القانوني ولاحَتى المَجازي للكلمة، كانَت عِبارة عَن مُتنفّس لأمراض وعُقد كانت ولاتزال مُتجَذرة في نفوس عَوام الشَعب العراقي ورُعاعِه.
هنالك مُحاكمَتين بارزتين لابُد أن نُشير لهَما في هذا المَقال لأهمِّيَتهما التأريخية في الكشف عَن حَقيقة هذه المُحكمة وطبَيعة أجوائها. الأولى مُحاكمة السَيد سَعيد القزاز الذي كان وَزيراً للداخلية أيام العَهد المَلكي، والذي لم يَحظى بمُحاكمَة عادلة بل كان يُواجه أعداء استحوَذت عَليهم شَهوة الثأر، فكانَت جَلسات مُحاكمَته نموذجا جَلياً للانتقام بكل مَعنى الكلمة، ما جَعله على يقين بأن مَصيره سَيَكون الاعدام، لذا وهو المَعروف بتمَسّكه بقيَمِه ومَبادءه لم يَهتز أو يَنهار أو يَتنَصّل مِن مَسؤولية ما قام به مِن أعمال، أثبَتت المُرافَعات وشَهادات الشُهود أنها كانت خدمة للبلاد وضِمن إطار القانون، رَغم عِلمه أن ذلك سَيُسهم في تضييق حَبل المشنقة حَول رقبَته، وفعلاً حُكِم عَليه بالاعدام شنقا ونُفِّذ فيه الحُكم عام 1959. أما الثانية فهي مُحاكمة السَيد أحمد مختار بابان آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، والذي كان سِجله نظيفا لا تشوبه شائبة بكل المَناصِب التي شَغلها في ذلك العَهد، فهو الآخر لم يَتخاذل ولم يفقد هَيبته ومَنطِقه خلال المُحاكمة رَغم الإساءة والتَجريح، وقدّم مُرافعة دافَع بها عَن مَوقفه ودَحَض كل التُهَم التي وُجِّهَت له، ورغم شَهادة الشُهود التي كانت بمُجملها مُنصِفة له وفي صالِحِه، فقد حُكم عَليه بالاعدام شَنقاً، ولكن الحُكم خُفِّف للسِجن المُؤبّد لأسباب مَرَضِيّة ثم أطلِق سَراحه مَع آخرين في إحتفالات الذكرى الثالثة لإنقلاب14 تموز.
لقد مَثلت مَحكمة الشَعب بحَق الوَجه الحَقيقي البَشِع لإنقلاب 14 تموز، وكانت المِرآة التي عكسَت الصورة القبيحة الهَمَجية لنوعيّة الأشخاص الذين قاموا بهذا الإنقلاب وتسَلموا وأمثالهم مَقاليد الحُكم في العراق مُنذ ذلك اليوم وحَتى يَومنا هذا، وللعَوام التي إنساقت وَرائهُم ولاتزال تهتف لهُم ولأمثالهم مُنذ ذلك اليوم وحَتى يَومنا هذا. صورة قبيحة ووَجه بشِع حاول البَعض تجميلهُما لعُقود برُتوش شِعارات كاذبة، وحَديث مُفتعَل عَن إنجازات لقوانين وبنى تحتية قام بها الإنقلاب، أظهَرت الأيام بأنها كانت سَتحصُل أصلاً كونها مُدرَجَة ضِمن خُطط وزارات ودَوائر ومُؤسّسات ومَجلس إعمار النظام المَلكي، وقد وجَدها الإنقلابيون أنفسُهم في أدراج مُوظفيها وقاموا بتنفيذ بَعضَها ونسَبوا الفضل لأنفسِهم.
قيل الكثير عَن هذه المَحكمة المَهزلة التي كانت ولاتزال وَصمة عار في جَبين العراقيين حَتى يتبرؤا مِنها ومِن أفعالها وقراراتها، فقد وَصَفها البَعض بمَسرَح لتمثيل الروايات الهَزلية ، وَوَصَفها البَعض اللآخر بالسيرك، كما شَبّهَها آخرون بالمَقصَلة التي يُساق اليها الناس للحُكم عُليهم وليسَ لمُحاكمتهم وفق القانون، ولكن تبقى كلِمات الراحِل سعيد القزاز وهو يَعتلي مِنصّة المِشنقة أبلغ ما قيل فيها وفي زمانِها وفي وَصف النُخبة البائِسة التي جائَت بها حينَما قال نُبوئته الخالدة "سَوف أصعَد المِشنقة وأرى تَحت أقدامي رُؤوساً لا تستحِق الحَياة" .
مصطفى القرة داغي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.