من اهم الظواهر التي أفرزتها ثورة 25 يناير دور الإعلام المصري في صناعة الأحداث واحيانا وضع أجندة العمل السياسي لكل من الرئاسة والمعارضة . في بداية الثورة كانت الفضائيات العربية مثل الجزيرة والعربية حاضرة في ميدان التحرير والميادين الأخرى لنقل وقائع الربيع المصري على المستوى السياسي والشعبي بينما كان الإعلام الحكومي يدق الدفوف والطبول لعهد مبارك الذي يتهاوى ، اعلام لم يكن حتى في تلك اللحظات التاريخية قادرا على الخلاص من قبضة الريس ، اما الإعلام الخاص فكان مرتبكاً فاقدا للتوازن . سرعان ما تغير هذا الوضع بعد سقوط النظام السابق وعاد الإعلام المصري ليتشكل مع الواقع الجديد ، لم يعد للنظام الجديد أي سيطرة على الإعلام الرسمي ما عدا التلفزيون الحكومي ، اما الصحف فقد تحولت (الاهرام ) كبرى الصحف الحكومية الى منبر لمعارضة الحكم الإخواني وانقلبت القاعدة القديمة عندما كان المواطن المصري يصدق كل ما يصدر عن الحكومة مبرراً ذلك بان ( الجورنال يقول كده ) وهو يعني صحيفة الاهرام بشكل خاص . في الآونة الأخيرة اصبح الإعلام هو من يقرر مسيرة الأحداث وتحولت فضائيات مصرية ومقدمو برامج سياسية الى قادة للرأي العام لهم تأثير أكبر من تأثير قادة الأحزاب . ويعلل بعض المراقبين ذلك الى وجود فراغ سياسي كبير بعد الثورة على مستوي القيادات السياسية وعلى مستوى الأحزاب . وهذا صحيح الى حد بعيد . على سبيل المثال استطاعت (حركة تمرد )التي انبثقت من بين صفوف الثورة ، بقيادة شباب مجهولين ، ان تصل بسرعة الى الرأي العام بواسطة القوة الإعلامية ، ونجحت في صناعة حدث 30 حزيران المزلزل ، وهو بحجمه أكبر وأقوى وأشد تأثيرا من كل ما صنعته جبهة الإنقاذ المعارضة على مدى العام الماضي ، الجبهة التي تقودها أسماء كبيرة مثل عمرو موسى والبرادعي والصباحي. يقال في الغرب « ان الصحافة ووسائل الإعلام في البلدان الأوروبية وفي الولاياتالمتحدة اصبحت متفوقة على السلطة التنفيذية والتشريعية بقوة التأثير على السياسات وعلى الراي العام « وتم إرجاع ذلك الى أنها حازت ثقة الراي العام في بلدانها لان الناس في هذا العصر يتعلمون من وسائل الإعلام اكثر مما يتعلمون من السياسيين . اليوم يمكن القول بان الإعلام المصري يملك من القوة والتأثير على الشعب المصري بما هو أكثر من تأثير السلطة التنفيذية ، ولقد شاهدنا خلال الأيام الأخيرة كيف امتص الإعلام المعارض تأثير خطاب مرسي ، الذي لم ينجح في تحجيم المعارضة انما وضع بين يديها مادة جديدة لتحشيد المصريين يوم 30 حزيران . لقد ركز الإعلام المصري المعارض على تحريك الشعب بإطلاق شعار الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ، فيما لم يقدم أنصار مرسي جديداً غير التمسك بالشرعية . وبينما تمثل الانتخابات المبكرة ركناً من اركان تثبيت الشرعية للحكومات في الأنظمة الديموقراطية عندما تواجه ازمة داخلية او عندما تندلع احتجاجات شعبية ( اقل بكثير مما يجري في مصر ). بالمقابل رفع انصار مرسي شعارات التمسك بالشرعية في مواجهة المظاهرات الشعبية بما يذكر الراي العام المصري والعربي ( بشرعية ) النظم الاستبدادية التي حرمت على الناس الاجتماع في الأماكن العامة الا عند شراء الملوخية .