على مقربة من الحريات التي تنادي بها منظمات حقوق الإنسان والحريات الأساسية ... يبرز نوع فريد من الحرية ينعم به البعض ممن يؤثرون لحظات من الهدوء النفسي... والسلام الروحي ... داخل صومعة الاستحمام..... حيث جزيئات بخار الماء في سقف المكان تحتشد جنباً إلي جنب.. تساورها نية التآلف الجمعي... لتتكاثف قطراتها البلورية رويداً رويدا ...في محاولة لاحتواء الكيان النفسي خلال شروده الهائم...... حتى قبل احتواء الكيان الجسدي المتواجد داخل حوض الاستحمام... في ظل هذه الأجواء التي تبعث على الإسترخاء ... حاولت جاهدة عدم السماح لتركيزي أن يتجاوب مع دقات الساعة البندولية المعلقة بشموخ عجيب على جدار الرواق المؤدي إلى الصومعة.... إذ أنه كلما اهتز بندولها يميناً ويساراً ...يعلو صوت دقاتها على صوت استرخائي الداخلي ..... لينذر باقتراب أفول الاستمتاع بذلك اللون من الحرية ... كنت ألتمس في تلك اللحظات الخاصة الترفع عن كافة الانفعالات السلبية التي داهمتني على مدار عام كامل ..... انتزعها من جذورها.... أدثرها ... وألقي بشحناتها غير المرغوبة خارج حدود عالمي ... قررت أن أفر بعيداً من أحداث يوم عصيب... وربما عام متخم بالأحداث الدرامية ...مر بي في أوقات كثيرة ...مروراً ثقيلا ... تنازعته الخطب الكلامية الهشة من بعض الألسنة التي تفتقد إلى رقي التعبير... وأصول الحوار ... ناهيكم عن ردود الأفعال والتصرفات المتدنية التي تعبر عن ضحالة أصحابها..... لدرجة أثارت حفظيتي وحزني على ما آلت إليه الأحوال والأوضاع ... ولما لا أنعم بهنية من الصفاء النفسي والذهني ..؟؟؟ !!! فلطالما كنت القطة المدللة التي اعتادت في كنف والديها أن تلقى دعماً جميلاً لروحها المتأججة... وأن تحظى بحرية نابضة من نوع خاص .... حرية تجعلها تلفظ وتيرة الحياة التقليدية... وتعمد إلى السلام النفسي والروحي.... وحياة تلتمس فيها نوعاً تدريجياً من التطور الإيجابي ... لا ضرباً سلبياً من ضروب التشتت أوالتحول الفجائي...! أردت المثول إلى تلك الهنية من الاسترخاء... بغية نيل حفنة من اللحظات الهادئة... فاتكأت برأسي من الخلف... اتكاءة خفيفة إلى حافة الحوض... واستسلمت إلى ذلك الإسترخاء الآمن... ثم أغمضت عيني على نحو مستكين ... وما بين اليقظة والنوم ... وما بين الواقع والخيال ...لاح في خاطري نداء السامري... (الأميرة) .... عندئذ... توحدت روحي بإنسيابية ناعمة مع روح خليلة (آمون) ... درة الأميرات (الملكة حتشبسوت) ... وهي تتدلل بأنثوية طاغية في حوض استحمامها ... تحفها الوصيفات من كل جانب .. حاملات لقوارير مختلفة ... تحتوي كل منها على مركبات نادرة من وصفات التجميل الطبيعية... وأنواع باهظة الثمن من البخور والعطور التي جلبتها القوافل التجارية من فينيقيا والسند وبلاد بونت...... إنها (حتشبسوت) .... إحدى ملكات الأسرة الثامنة عشر... وأشهر ملكات الفراعنة اللاتي جاد بهن التاريخ ..... وقد كانت ملكة وأميرة في آن واحد.. !!! ... فمكانتها في البلاط الملكي ... منحها لقب (ملكة)... أما اسمها فقد حملها مسئولية البلاط حتى قبل منحها الرتبة الملكية ... إذ بالنظر إلى لفظ (حتشبسوت) في اللغة الهيروغليفية... يتبين المقصود منه ... ألا وهو (أميرة النساء النبيلات بفضل آمون) ... ! ربما لا يدري السامري أن أروع اللقطات التي لن تسقط عن ذاكرتي... تلك التي التقطت لي في مواجهة معبدها الجنائزي... بالدير البحري ... وقد كنت على بعد أميال قليلة من الجسر المطل من المبني الرئيسي ...حيث امتزجت سعادتي بالجو الساحر الذي كان يغلف المكان المفتوح أصالة وحب... وها نحن - عن غير قصد هذه المرة - نعود للحديث عن الحب... وكأن كل مسارات الحديث عن الحرية تحملنا إلى مرفأ الحب ... ولكن ... عفواً... أي حب يمكن أن يكون حاضراً في مثل هذه البقعة الجنائزية....؟؟؟!!... إنه الحب الذي جمع بين (حتشبسوت) و(سنموت) ....ذلك المهندس الذي صمم معبدها الجنائزي ببراعة فائقة .... فلك جديد من الأفلاك الفرعونية التي تضاف إلى كثير من الإشكاليات... التي تشغلنا سوياً.. أنا والسامري .... والتحدي هنا هو سبق تاريخي في عبقرية التناظر الكامل في فن العمارة... إذ تبرز تلك العبقرية جلية في تصميم هذا المعبد... حتى قبل بروزها بحوالي ما يقرب من ألف سنة في معبد (البارثينون)... تلك هي طاقة الحب الإيجابية يا سامري... شعلتها الأولى هي روح الحرية .... الحرية التي تخلق من ذرات التراب عملاً إنسانياً معجزاً ... يقال أن (حتشبسوت) قد منحت (سنموت) أكثر من 70 لقباً ... ومن شدة ولع (سنموت) بها ... قام بحفر نفق بين مقبرتها ومقبرته... أملاً في أن تتعانق روحيهما سوياً إلى الأبد... ولك أن تتخيل يا سامري... كيف تكون ثمرة الحب إذا ارتوت من روحين متآلفين... يجمعهما تآزراً ديناميكياً حراً... تماماً مثل نغمتين فريدتين يشكلان قراراً وجواباًَ ... يشكلان لحناً ملائكياً مرهفاً... لتغريدة نابعة من جوف منطقة البطن ... لا من سطح الأوتار الصوتية .. ...وعند هذه النقطة... انزوى حواري الحالم مع السامري ... فقد تخلل مسامعي صوت الساعة البندولية ... وأيقظني وقع دقاتها وهي تداهم حريتي الخاصة ... صائحة بصوت مرتفع... أيا عاشقة الحرية.... أفيقي... أفيقي... لقد ذهب ...السامري .... لقد ذهب.. السامري ....