السير أماماً أو خلفاً .. السير يميناً او لليسار.. إنما يتم بالتحرك من مكان الوقوف ولو لقيد أنملة واحدة لكن إن ظل المرءُ واقفاً رغم مسيره فهذا لاتفسير له الا وجود دائرة محيطة من حوله هى ضاغطة عليه من كل اتجاه فان شرع بالسير يميناً جذبته ناحية اليسار فان توجه يساراً جذبته التى هى باليمين وان توجه للأمام جذبته قوى الخلف وان اراد الرجوع للخلف جذبته قوى الأمام الضاغطة .. كل القوى تضغط فى آنٍ واحد فكيف للواقف أن يسير .. لكنه فى كل الاحوال يظن فى قريرة نفسه أنه يسير بقوى الضغط المحيطة والمختلفة .. حالنا فى مصر من بعد ثورة يناير يحكمها ذلك التفسير وذات النظريَّة .. كل القوى تدفع فى كل اتجاه وكل فعلٍ سياسى لايجد مرونة مقابلة من الاتجاهات الأخرى المحيطة والمختلفة .. صارت كل الآراء محل بحث وتنظير وتفسير والقاء الكل بدلوه فيها سلباً وايجاباً .. وهذا مندوبٌ فعله لكن أن نتوقع رأى او معتقد ينأى من كل المثالب فهذا لن نجده ولن يكون الا اذا كنا جميعاً ملائكةً لاتخطىء وأنبياء معصومين .. صار الكل فلاسفة وأصحاب فكر .. ولامجال من بيننا للعوام فكل الشعب صار من النخب وتجاوز الجميع أقدار الأكاديميين أنفسهم .. صرنا جميعاً فقهاء قانون فلاتثريب على الجميع أن يدلوا بدلاهم فى أدق التفاصيل القانونية المُثارة مهما افتقر عقلهم لآليات البحث القانونية .. صارت المواصلات العامة والطرقات محاكم أهليَّة يُنكِّلُ فيها بعضنا البعض وتُقطَّع فيها سمعة الناسِ وحرمات أسرهم .. ولم لا فالثورة باتت لدى الجميع تعنى أن تقول ماتريد فيمن وفيما تريد وكما تريد كذلك .. أصبح مفهوم العوام والخاصَّة مُبتذلاً فالجميع خاصَّة وأصحاب فكرٍ وطلائع مُجتمع .. لاتثريب أن يُجادَلَ أستاذٌ أكاديمى وفى تخصُّصِه من قبل أحد العوام او من شابٍ عشرينى يرتدى التى شيرت والبارمودا وفى حوارٍ تلفيزيونىٍ سقيم يُصيب المشاهدين بالملل والتقزُّز .. كل شىء صار مباح وكل القيم صارت مُستباحة .. ان دعونا للرفق والتسامح طامحين لاستقرار الدولة اتهمنا الآخرون بخيانة الثورة ودم الشهداء فوقفنا عن دعوتنا ولم تتحرك الدولة للامام رغم سيرها .. ان دعونا لاحترام القضاء واحكامه لننطلق لآفاقٍ جديدة تطمح وتؤسس للاستقرار استعمل الآخرون حقهم فى التقاضى لعرقلة الخطى وتقدم المسير والعودة الى المربعات البدائيَّة.. ان أبدى المجلس العسكرى قراراً جاهرناه بالعداء والنقد والتخوين والتشكيك ولا يُصيبنا الحرج ولا وخذ الضمير ان أثبتت الأيام وطنيته واخلاصه وصدق نواياه .. بالأمس كان متدخلاً فى القضاء وأعماله ليستبعد التيار الاسلامى واليوم هو وطنى يستحق التحية والتقدير .. بالأمس القضاء غير مستقل ومزوراً بينما اليوم فصار قضاءاً نزيها يشهد له العالم .. نُطبِّل ان شئنا ونصرخ ان شئنا حسب تحقيق اهداف كل منا المنفردة دون النظر لحقوق الآخرين واستحقاقاتهم وكأن البلاد ملك لفصيلٍ بعينه .. ليكون فى كل الأحوال هناك من يُضاروا من كل القرارات وكل الخطوات والمسارات لإفتقار الجميع لسياسة الحوار وفن المواءمات السياسية .. السياسة انما تعنى ألا ينفرد فصيل بالمكسب انما يعنى التفاوض بموجبها خروج الجميع كاسباً بالتنازل عن بعض طموحاته للآخرين مقابل حصوله على أغلب مايطمح .. وليس كل مايطمحه المرء يحصده .. تلك هى مبادىء السياسة التى تجاهلناها فأصبح فى كل الاحوال هناك فصيلٍ أو عدة فصائل حسب الأحوال مضرورة من الخطوات السياسية المتخذة فتدفع بالوطن فى كل اتجاه بينما الوطن لايتقدم قيد أنملة ولكننا نحسبه يتقدم فى كل الأحوال .. إعترض الجميع وفقهاء القانون على اجراء الانتخابات طبقاً لقانون ممارسة الحقوق السياسية وقد وصمه البعض منذ اثارته بعدم الدستورية بما فيهم المجلس العسكرى نفسه ورغم هذا صمَّم الإخوان على إجراء الانتخابات البرلمانية بناءاً عليه وقد ثبت فيما بعد عدم دستوريَّته فانحل المجلس قضاءاً وقد أضعنا مسافة طويلة من المسير بالعودة ثانيةً الى الوراء .. راحوا يخوِّنون الجميع والمجلس العسكرى ساعتها واليوم هم يخوِّنوه ثانية لرفضه التدخل فى أحكام القضاء مُدِّعين أنه يريد الانفراد بالسلطة التشريعيِّة .. وما ظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .. فظلمونا معهم وظلموا الوطن كذلك بجعله فى صورة السائر بينما هو فمُتوقف .. انتقدوا وهاجموا قبول لجنة الانتخابات الرئاسية العليا لترشيح شفيق رغم صدور قانون العزل غير الدستورى وقد أثبتت الأيَّام لديهم أنه لو تم رفض ترشُّحِه لكان من حقه اليوم الطعن نتيجة الانتخابات وعدنا من جديد للمربع الاول لكنها المرّة الوحيدة التى لم يستمع الجميع لآرائهم فسار الوطن للأمام من جديد لكنَّهُ لدى المُدقِّق للمشهد لازال متوقفاً لقيامهم بدفع الرئيس الجديد لدائرة التصادم مع القضاء والمجلس العسكرى بحجة ضرورة العودة عن حكم حل المجلس وإلقاء البيان الدستورى المكمل !! .. قال الجميع بضرورة ان يسبق الدستور البرلمان ورئاسة الدولة فإنبرى الجميع بإدانة هذا واستنكاره وقد صمَّموا على البرلمان أولاً لكنهم قد ثبت لديهم أنهم بحاجة الى شرعية الميدان رغم وجود البرلمان وشرعيَّته !! .. لنرى اليوم رئيساً منتخباً يصفونه بلا صلاحيَّات وهم كاذبون لأن الدستور لم يوضع بعد فشعروا بهذا الاحساس رغم أن التشريع لايمكن أن يكون بيد رئيس الدولة كما وقرار الحرب لايمكن الانفراد به بيد رئيس الدولة الا انهم يروا وفى غيبة الدستور أن الرئيس بلا صلاحيَّات .. وأساس الاشكالية هم أنفسهم .. قديماً انتقدنا الحاكم الفرعون الذى تُوصف سلطاته بالمُطلقة وقد ثُرنا عليه .. اليوم نود أن نعطى بيده كل شىء وكافة السلطات لنصنع منهُ فرعون من جديد .. حتى أننا استكثرنا على الجيش أن يكون بيده دراسة قرار الحرب وجعلناه بيد رئيس الدولة العبقرى المُلهم وكأننا لانستفيد من دروس التاريخ .. تلك مصيبتنا فى دنيانا فكيف لاتكون مصيبتنا بالتبعيَّة فى ديننا يامن إتخذتم من أنفسكم أصحاب مفاتيح الجنَّة ومرضاة الرب .. الوطن لازال واقفاً تتجاذبه قواه السياسية المحيطة بينما هم أنفسهم يرونه سائراً .. الملايين المُهدرة فى الانتخابات عديمة الدستورية والأوقات المُهدرة كذلك وخراب البيوت وتوقف أرزاق العاملين فى السياحة أو المعمار وغيرهما بينما لايستنكر هذا أحد ولايُدينه أحد لكن الادانة كل الإدانة التى لاتريد أن تنتهى هى للماضى السحيق الذى لايريدوننا أن ننتهى من قراءة صفحته وننطلق الى الأمام .. لماذا لانشرع فى المصالحة الوطنيَّة ونسيان روح الانتقام التى سادت وطننا ولن يستطيع بوجودها أن يتقدم إذ الانتقام لايبنى دولة بل يستتبعه انتقام مقابل وتترى الانتقامات متوالية من جديد .. سنظلُّ فى دائرة مليارات الماضى الضائعة وأحلام استردادها بينما فنتوقف عن البناء !! سنظلُّ نجعل من مبارك ونظامه وروايات الثورة عليه ملهاةً عبثيَّة تتجاذبنا الى الوراء بينما هو ونظامه لايعدوان أن يكونا صفحةٌ فى كتاب الوطن يجب طيُّها لكن لانمذِّقها لنجعلها لأجيالنا القادمة آية لا أن نجعلها لنا مضيعةً للوقت وشرذمةً للشعب بتصنيفه الى فلولٍ وثُوَّار .. لماذا لايُسرع رئيس الدولة والمجلس العسكرى معاً بوضع ضوابط لحق التظاهر هذا الذى بات يُربك الميادين ويشل أواصر البلاد ؟ لماذا لايتم إنشاء ديواناً للمظاليم لأجل إيصال شكاوى المواطنين والقيام على حلِّها بلا تسويفٍ او اضاعة وقت الشاكى وتعنت المشكو فى حقه من جهات الادارة المختلفة بعيداً عن ردهات التقاضى البطيئة خاصةً فى الشكاوى العادية من الأفراد فى حق الدولة وجهاتها الادارية ؟.. لماذا لايُصدرون قراراتٍ سريعة تعالج هذا الصخب الاعلامى والتحريض الفضائى الفج ضد الدولة وأواصرها ومصالح الشعب والأمن القومى للبلاد ؟.. لماذا لايتحرك النائب العام ومن تلقاء نفسه بتحريك دعاوى جنائية قبالة كل أولئك المتخذين من شاشات الوطن الفضائية أبواق تخريب ومعاول هدمٍ باسم السياسة والحريَّات المنفلتة والتى قد وصلت حدود التحريض على الوطن ببث الفتنة والخراب فى ربوعه ؟ .. لماذا لاننشىء هيئةً أو كياناً رسمى من شأنه الإهتمام بكل مايصدر بالصحف وقنوات التلفاز من مقالات وحواراتٍ موضوعيَّةٍ بنَّاءة من شأنها تضيف أفكاراُ يعلو بها الوطن وتستقيم أواصره وترتقى أهدافه ؟.. لماذا لايتناغم القضاءُ نفسه وفى أحكامه مع مصالح البلاد العليا .. فمصالح أمن البلاد القومية مقدمة عن مصالحنا كأفراد وخاصة فى الدعاوى التى تمس كيانات الوطن وأوصاله ومؤسساته السيادية .. فيُضيِّعُ على البعض ممن تُحركَهُم شياطين الخارج وأهواء الداخل مُبتغين إعادة مسير الوطن الى الأمام واعادته الى مُربعات البداية ليظل الوطن وحسب ما يطمحون جامداً لايتحرَّك ؟!.. لماذا لاتتقدّمُ لدينا مصالح البلاد العليا وأمن وطننا القومى على مصالح ذواتنا الخاصَّة لكى نبنى لأبنائنا وطناً لايحتاجون أن يُقيموا لأجل بنيانه ثورةً من جديد ؟! اللهم ان لم نفعل ذلك فلن تتحرك صورة البلاد السياسية من بعد ثورتها حتى ولو أقسموا جميعاً بأن وطننا الى الأمام يسير ..