يبدو أن الذين يتهمون الدكتور العوا بالتشيع قوم لا عقول لهم فهم يتهمون الرجل بالشيء ونقيضه في نفس الوقت.. كيف يكون شيعيا ثم ينكر أحاديث المهدي المنتظر!! الدكتور العوا عالم ضليع في كل فروع العلوم الإسلامية ومنها علوم الحديث وله سلسلة محاضرات قيمة في علم مصطلح الحديث، وقد قال أن أحاديث المهدي المنتظر لم يسلم حديث منها من مقالة، وهذه الكلمة في مصطلحات العلماء تعني أن كل حديث منها فيه شيء ينزل به عن درجة الصحة. وقال الدكتور العوا أن أحاديث المهدي بتلك الحال لا تُلزم بالاعتقاد لكن إذا ظهر المهدي فإنه سيتابعه. وقد سمعت مقطع فيديو منتشر على النت للداعية الكبير الشيخ محمد حسان تحت عنوان "الشيخ حسان يرد على كلام الدكتور العوا" ينتقد فيه قول الدكتور العوا عن المهدي المنتظر فوجدته اعتمد على مقولة لابن خلدون: "لم يسلم من من أحاديث المهدي إلا القليل بل الأقل".. (هكذا قال على لسان ابن خلدون، وقد وجدت كلام ابن خلدون مختلف قليلا كما سيلي) وقد اعتمد شيخنا الجليل على تلك الكلمة فقط ولم يذكر حديثا واحدا من هذا "الأقل"، وأخذ يقول: "لو ثبت لنا حديث واحد صحيح لوجب علينا أن نقبله، ثم أخذ ينتقد الإمام محمد عبده ورشيد رضا لأنهما قالا أن أحاديث المهدي أحاديث آحاد وآحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمور الاعتقاد. وأحمد له أمانته حيث لم يتهم الدكتور العوا بتلك المقولة لأني سمعت من الدكتور العوا في محاضراته ودونت عنه بيدي أن حديث الآحاد يوجب العلم والعمل (إذا كان صحيحا). ثم أخذ الشيخ الجليل يفند قول الإمام محمد عبده ورشيد رضا "أن أحاديث المهدي لم ترد في البخاري ومسلم" مبينا أن السنة الصحيحة لا تقتصر عليهما. تلك خلاصة كل ما قاله ردا على الدكتور العوا في شأن المهدي المنتظر في المقطع المذاع على النت. وحتى أتحقق من هذا الأمر قررت أن أرجع بنفسي إلى ما كتبه ابن خلدون فأخذت أبحث على النت عن كتب ابن خلدون، وجدير بالذكر أني صادفت أثناء هذا البحث كثير من المواقع الشيعية تنتقد ابن خلدون نقدا مريرا لأنه ينكر أحاديث المهدي المنتظر ويتهمونه بأنه مؤرخ وليس محدثا. وقد نزَّلت كتاب "مقدمة ابن خلدون" من موقع http://search.4shared.com/q/1 (لمن يريد التحقق من كلامي) فوجدته قد خصص عنوانا للكلام عن أحاديث المهدي المنتظر استعرض فيه كافة الأحاديث الواردة في المهدي، وقال منبها قبل الخوض فيها:- "فنقول إن جماعة من الأمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي و أبو داود والبزاز و ابن ماجة و الحاكم و الطبراني و أبو يعلى الموصلي و أسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي و ابن عباس و ابن عمر و طلحة و ابن مسعود وأبي هريرة و أنس و أبي سعيد الخدري و أم حبيبة و أم سلمة و ثوبان و قرة بن إياس و علي الهلالي و عبد الله بن الحارث بن جزء بأَسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث و أوهن منها". وقد وجدت أن ابن خلدون يذكر الحديث ثم يذكر التعديل ثم يذكر الجرح، لهذا أقول لمن يريد التحقق من كلامي ألا يتعجل عندما يقرأ الحديث ثم يقرأ أن فلان امتدح رواته أو فلان صحح الحديث.. لأن ابن خلدون لا يلبث أن يذكر العلماء الذين طعنوا في الرواة أو في أحدهم، وبحسب كلامه: "المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل"، بمعنى أن الراوي إذا عَدّله البعض وجَرَّحه واحد فقط أخذنا بالتجريح وتركنا التعديل. أخذت أقرأ الأحاديث وتعديلها وتجريحها بعناية فما وجدت حديثا سلم من الجرح. وجدير بالذكر أن أغلب التجريح كان بسبب التشيع أو التدليس، فيقول ابن خلدون مثلا: "ورجاله رجال الصحيحين إلا أن فيهم فلان مدلس" أو يقول: "وفيهم فلان مشهور بالتشيع" وتهمة التشيع هي الأكثر ورودا في تجريح أحاديث المهدي. وقد انتقد الداعية الكبير احتجاج الإمام محمد عبده ورشيد رضا بأن أحاديث المهدي لم ترد في البخاري ومسلم وقال: لقد ذكرت لحضراتكم الآن حديثين الأول في صحيح البخاري والثاني في صحيح مسلم.. الأحاديث لم تصرح باسمه (باسم المهدي).. السنة يُكمل بعضها بعضا.. ألخ". ولأني أقل وأذل من أن أرد على عالم في قامة الشيخ الحبيب محمد حسان فسأنقل نص كلام العلامة ابن خلدون في هذه المسألة.. حيث يقول: "وقد يُقال إن حديث الترمذي وقع تفسيرا لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا ولا يعده عدا ومن حديث أبي سعيد قال: من خلفائكم خليفة يحثو المال حثوا، أو من طريق أخرى عنهما قال: يكون في آخر الزمان خليفة يُقسم المال ولا يعده.. انتهى، وأحاديث مسلم يقع فيها ذكر المهدي ولا دليل يقوم على أنه المراد منها"- انتهى كلام ابن خلدون. فابن خلدون يقول ببساطه أن الأحاديث الصحيحة (في مسلم مثلا) التي لا تذكر المهدي تصريحا لا دليل على أنه المراد منها. ومعنى ذلك عدم جواز الاحتجاج بها على خروج المهدي المنتظر في آخر الزمان. نأتي للكلمة التي ختم بها ابن خلدون كلامه عن أحاديث المهدي المنتظر ونتسائل لماذا لم يذكرها الداعية الكبير بنصها؟ فابن خلدون يقول: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه". ولنرجع إلى الكلمة التي نقلها الشيخ حسان فنجده يقول: "لم يسلم من أحاديث المهدي إلا القليل بل الأقل". ومعاذ الله أن اتهم شيخنا الجليل بتعمد ذلك، ولكن في الحقيقة أن عبارة ابن خلدون ركيكة وغامضة ولا معنى لها. ما معنى "لا يخلص إلا القليل والأقل منه"؟ العبارة لا تستقيم في اللغة أبدا.. والمفروض أنها من صياغة عالم كبير كابن خلدون. ليست المشكلة في كلمتي "يخلص" و "يسلم" مطلقا، بل المشكلة في كلمة "إلا القليل والأقل منه" والتي ربما فهمها الداعية الكبير على نحو ما فرواها بالمعنى. لأجل هذا أزعم أن كلمة ابن خلدون فيها خطأ بسبب سهو الوراقين النساخين أو أن بعض الشيعة حرفوا نسختها المخطوطة ليثبتوا أحاديث المهدي.. وعلمت من أحد الخبراء الكبار في المخطوطات أن هناك مخطوطة جاءت فيها عبارة ابن خلدون هكذا: "لم يسلم منها إلا القليل أو الأقل منه"، وهناك مخطوطة جاء فيها، "لم يسلم منها إلا القليل بل الأقل". وهناك غير ذلك. والأخيرة هي العبارة التي أوردها الشيخ حسان. وأرى أن هذا الإضطراب في العبارة يؤكد أنها عبارة مدسوسة.. تم دسها في عدة مخطوطات على نحو مختلف ويبدو أنهم دسوا أول عبارة فوجدوها ركيكة فأصلحوها في نسخ مخطوطة أخرى، أو كانت عبارة ابن خلدون: "لم يسلم منها لا القليل ولا الأقل منه" ثم أخذوا في تحريفها دعما لعقيدة المهدي المنتظر الشيعية. وحيث أن الشيعة يهاجمون ابن خلدون بشراسة بسبب انكاره لأحاديث المهدي.. وحيث أني وجدت ابن خلدون قد جَرَّح جميع أحاديث المهدي بحيث لم يسلم حديث واحد من التجريح.. وحيث أن علامة الإسلام ابن قيم الجوزية وهو مَنْ هو في علم الحديث نفى صحة كل أحاديث المهدي المنتظر فإني أتوقع أن عبارة ابن خلدون كانت هكذا " لم يخلص منها من النقد لا القليل ولا الأقل منه"، أو أن العبارة كلها مدسوسة على كلامه في عدة مخطوطات بواسطة أعاجم لا يجيدون العربية. وقد دعم هذا الظن لدي أن الداعية الكبير الشيخ حسان لم يذكر لنا حديث واحد عن المهدي ويقول هذا حديث صحيح ليست فيه أي مقالة. وليس صحيحا أن الأحاديث الضعيفة يقوي بعضها بعضا، كأننا نقول للوضاعين أكثروا من الكذب على الرسول فنصدق أكاذيبكم. وليس من المعقول أن نعتمد في هذه المسألة الخطيرة على عبارة غامضة مضطربة من كلام ابن خلدون هي مدسوسة عليه في الغالب لأنها تناقض تجريحه لكل أحاديث المهدي. وفي النهاية أذكر قصة رواها الدكتور العوا في أحد محاضراته حيث قال أنه كان يجلس مع كبار علماء السعودية فسألهم عن أحاديث المهدي فقالوا لا يصح منها شيء، فسألهم لماذا لا تقولوا ذلك للناس؟ فسكتوا وقال له أحدهم: لو قلنا ذلك للناس لذبحونا على المنابر. والعجيب في أمر تجريح الدكتور العوا بسبب ما قاله في أحاديث المهدي المنتظر أن هؤلاء المشنعون عليه (بسبب الانتخابات) لم يلحظوا أنهم يتهمونه بالشيء ونقيضه.. يتهمونه بالتشيع ثم يتهمونه بإنكار المهدي المنتظر ولم يخطر على عقولهم الكليلة (إن كان لديهم عقول أصلا) أن تهمة التشيع تتعارض تماما مع تهمة انكار المهدي. وأخيرا أعتذر لشيخنا الحبيب محمد حسان على تدخلي في أمر لا يجوز أن يناقشه سوى العلماء فللعلماء أن يختلفوا وليس من حق العوام أمثالي التدخل في خلافات العلماء ولكن عذري في ذلك أن عوام آخرون يستغلون اختلاف العلماء في تشويه قامات علمية سامقة لأجل مصالح انتخابيه زائلة. يبدو أن الشيخ الجليل محمد حسان لم يكن يتكلم عن الدكتور العوا مطلقا بل كان يتكلم عن الإمام محمد عبده ورشيد رضا ويفند قولهما في المهدي المنتظر فقام صبية الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة بالتلاعب بالشيخ الوقور ولم يوقروا مقامه وشيبته ومكانته فاقتطعوا هذا الفيديو من سياقه ووضعوا له عنوانا يجعل الشيخ حسان معارضا ومهاجما للدكتور العوا مستغلين حب الناس للشيخ الكبير في دعاية انتخابية رخيصة، وهذا عمل حقير أقل ما يوصف به أنه تدليس وتزوير وتلاعب بالشيخ الوقور في دعاية انتخابية رخيصة، وللأسف يصف هؤلاء أنفسهم بأنهم إسلاميون وهم في الحقيقة أبعد الناس عن ذلك، بل هم مدلسون مزورون دجالون.. ماذا يفعل بنا هؤلاء إذا حكموا البلاد والعباد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.