وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باحث من كلية الآداب بجامعة عنابة يكشف النقاب عن جهود المفكر خير الله عصَّار

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة-قسم الأدب العربي-جامعة عنابة
رحل عن عالمنا بتاريخ:28نيسان-أفريل2015م الباحث الأكاديمي،والمفكر،و الأديب الجزائري،السوري الأصل،الدكتور خير الله عصّار،ويمتد التاريخ الأكاديمي للبروفيسور خير الله عصار إلى أكثر من نصف قرن، وأثناء حياته العلمية في جامعة عنابة وجامعات عربية وغربية أخرى ، أثرى المكتبة العربية بعدد كبير من المؤلفات، ومن المساهمات الأدبية، والفكرية.
ويهدف هذا البحث إلى إيضاح جهوده البارزة، والمتميزة في مجالات شتى، ولاسيما منها مجال البحث التربوي الجاد، والدراسات الاجتماعية العميقة.
أولاً:أضواء على حياته وأعماله الأدبية:
ولد الدكتور خير الله عصّار سنة:1935م،بمدينة حماة في سوريا،وحصل على شهادة التعليم الثانوي(البكالوريا) سنة:1952م، بمدينة حماة،ونال شهادة البكالوريوس في علوم التربية سنة:1956م،من الجامعة الأمريكية في بيروت،لبنان،وشهادة دبلوم التربية في السنة نفسها من الجامعة نفسها،وحصل على شهادة الماجستير في علوم التربية سنة:1959م،من الجامعة الأمريكية ببيروت،ونال شهادة الدكتوراه في علوم التربية الاجتماعية سنة:1964م،من جامعة هايدلبرغ بألمانيا.
يحتل البروفيسور خير الله عصار مكانة مرموقة في الأوساط الثقافية والأكاديمية في الوطن العربي،فقد وجد فيه كل من تعرف عليه،واطلع على إنجازاته العلمية،والأدبية، صفات العالم الذي كرس حياته للبحث العلمي،والتأليف،والإبداع الأدبي،فأثرى المكتبة العربية بمؤلفات نفيسة،فهو أديب روائي،وكاتب مسرحي،ودارس متعمق في علم الاجتماع،وعلم النفس،والفلسفة،وله إسهامات علمية باللغتين العربية، والإنجليزية، معتمدة ومقررة في مختلف الجامعات العالمية في أوروبا،وأمريكا،كما أن له ترجمات لأعمال أدبية من اللغة الألمانية،وإلى اللغة الإنجليزية،وقد اشتهر في الأوساط الأكاديمية بإحاطته العميقة بقضايا التعليم،والتربية،التي قل أن تتوافر في كثير من الدارسين،والحق أن من يطلع على مؤلفاته الأكاديمية المتميزة،يُدرك أنه يتسم بالتحليل،والنقاش العميق لمختلف القضايا العلمية التي يطرحها،ويلتزم كذلك بالمنهج العلمي بدقة كبيرة.
عمل الدكتور خير الله عصار في عدة مؤسسات أكاديمية،ودرّس في جامعات عالمية،حيث عمل مدرساً للغة العربية في جامعة غوتبرغ بالسويد،وذلك في سياق تحضيره لشهادة الدكتوراه في هايدلبرغ،وبعد أن عاد إلى وطنه سوريا،عمل مدرساً للتربية،وعلم النفس،والفلسفة،بين سنوات:1965-1972م،في دور المعلمين في حمص،وحماة، وثانوياتها،وبعد أن انتقل إلى الجمهورية الجزائرية،عمل مدرساً في المعهد التكنولوجي للمعلمين ببوزريعة في الجزائر،بين سنوات:1972-1976م،وعمل أستاذاً بمعهد علم الاجتماع في جامعة عنابة،من سنة:1976م إلى أن أحيل على التقاعد سنة:1997م.
لقد أصدر الدكتور خير الله عصار مجموعة من الكتب،والمؤلفات الثمينة،كما كتب عدداً كبيراً من الأبحاث الأكاديمية باللغتين العربية،والإنجليزية، نُشرت في مختلف المنابر الأكاديمية العالمية ،وله ديوان شعر باللغة الإنكليزية،نُشر في ألمانيا ،والجدير بالذكر، أن الدكتور خير الله عصار ساهم مساهمة فعالة في مجال أدب الأطفال،حيث كتب مجموعة متميزة من المسرحيات،والقصص الشائقة للأطفال،وقد نالت عدة جوائز في الأوساط الإعلامية في الجزائر، والوطن العربي،بعد أن تم تمثيلها في الإذاعات العربية،ومن بين هذه المسرحيات،نذكر مسرحية:«الأرض»،ومسرحية:«العم نجران»،فضلاً عن رواية متميزة للأطفال،لقيت أصداء طيبة على مستوى الوطن العربي،موسومة ب:«يوميات بعوضة كانت فتاة في الجنة»،وقد وصفها ناشرها في بريطانيا،(منشورات أي كتب في لندن)بأنها:«تنتقل بالأدب الرمزي إلى مستوى جديد،حيث إن الدكتور خير الله عصار،يستنطق الحشرات،والنبات أيضاً،في إطار روائي شديد الجاذبية،حتى إن القارئ يغرق في رحاب المخاضات التي خاضتها البعوضة،في خروجها من الجنة، لترى عالماً غريباً،لا يليق بالبشر أن يعيشوا فيه،يسود فيه الطغيان،والفساد،والشهوة إلى السلطة،والمال، لقد قدم الدكتور عصّار في هذا العمل رواية ذات طبيعة خلاقة، على ‏المستويين الأدبي، والإنساني معا،وهو إذ غمرها بالقصائد، والأناشيد، ليجعل من البهجة بالوجود ‏معيارا شموليا للحياة، فإنه لم يتصنع في النص أي شكل، وترك للمعاني ‏الغنية أن تكون هي "الإيقاع" الوحيد للنشيد. الأمر الذي يجعل هذه ‏الرواية عملاً أدبيا غنيا بنفسه، وثميناً بمعانيه، ومُبهجا بمقاربته،و"البعوضة" في هذا العمل الروائي، كائن أسطوري يحمل في أعماقه ‏شيئاً من العظمة، التي نلمسها في شخصية عظماء كثر عرفهم البشر. ‏هي تعيش في عالمنا المعاصر تتجول، تتكلم إلى الناس الذين لا يسمعون، ‏ولا يفهمون لغتها... باستثناء الأطفال دون العاشرة من العمر، والحيوانات. ‏هي تلدغ من يذنب، أو يفعل شرا، وتبتهج عند فعل الخير، توجه، وترشد ‏حيثما حلّت... ».
ثانياً: أضواء على مؤلفاته وأفكاره الاجتماعية والتربوية:
شارك الباحث الدكتور خير الله عصّار في عشرات الملتقيات العلمية العالمية،في الوطن العربي،وفي أوروبا،وأمريكا،ونشر عشرات الدراسات، والأبحاث الأكاديمية العميقة،وقد كان عضواً في عدد من الهيئات العلمية المرموقة،والحق أن آثار الباحث الأكاديمي خير الله عصار هي أرحب،وأوسع من أن تحيط بها قراءة،أو بحث، مهما بُذل فيه من جهد،وأود في هذا المقال أن أقدم إلى القارئ الكريم،وبشيء من الإيجاز،ما تيسر لي من الاطلاع على مؤلفاته،وربما قد تكون هناك مؤلفات أخرى للدكتور خير الله عصار لم تنشر بعد.
1-مقدمة لعلم النفس الأدبي:
ألف الدكتور خير الله عصار هذا الكتاب سنة:1981م،وقد افتتحه بإهدائه إلى طلاب الأدب،واللغة العربية،ونبه في توطئته للكتاب، إلى أن علم النفس الأدبي، هو اختصاص جديد،وتوجد بعض الجامعات لا تعترف به،لعدة أسباب،فهو مادة دخلت إلى بعض الجامعات ببطء كبير،حيث يرى بعض المعارضين لهذا الاختصاص أن في أساليب التحليل الأدبي للقصيدة،أو الرواية،أو القصة،ما يكفي لفهم الشاعر،والدوافع التي أدت إلى أن يبدع ما أبدعه،بيد أن أساليب التحليل الأدبي، ليست كافية لفهم طبيعة الإبداع،والعوامل التي تؤدي إلى أن يبدع الأديب،فوفق منظور الدكتور خير الله عصّار، أن الأحكام التي يصدرها المحللون للأدب على الطريقة التقليدية عامة،وتتسم بالتناقض، والسطحية،وفي الكثير من الأحيان، يطغى عليها مجرد الشرح للقصيدة،والتعرض للإرهاصات التي مر بها الأديب بشكل،أو بآخر في محاولة فجة لفهم شخصيته، وبيئته الاجتماعية)1(.
إن ما يؤكد عليه الدكتور خير الله عصار،هو أنه لا يمكن كشف سر الإبداع في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية،فالإبداع سيظل لغزاً محيراً،فجميع المحاولات المبذولة لكشف هذا اللغز لم تصل إلى درجة مرضية من الدقة،والصدق،والشمولية،وهذا ما جعله يهتم بهذا الموضوع،فيقول:«فمحاولات مدرسة التحليل النفسي،والتي تبدو صادقة إلى حد كبير في تحليل أكثر قصائد نزار قباني مثلاً،نجدها تقترب من التعسف عندما تطبق على أكثر قصائد محمود درويش،لهذا ارتأينا أن لا نقوم بمحاولة عامة شاملة لتحليل مجمل شخصية الأديب، حسب أفكار نظرية ما.على النقيض من هذا بذلنا جهوداً مضنية لرصد العمليات النفسية التي تجري في نفس الأديب،كما تعكسها أشعاره،أو قصصه،من خلال تحليل أبيات شعرية،أو قصائد استطعنا أن ننفذ بقدر الإمكان إلى ذلك الاضطراب الجزئي، الذي عبرت عنه القطعة الأدبية،وحاولنا أن نربطه بإحدى النظريات في حقل التحليل النفسي خاصة...
إن كل ما يتضمنه الكتاب ليس إلا مقدمة لعلم النفس الأدبي،كما يشير العنوان،بغض النظر عن عرض المحاولات التأملية لتفسير الإبداع الفني،فإن لب البحث ينصب على محاولة لبحث العناصر التي تدخل في عمليات الإبداع،وقد أطلقنا على هذه العناصر أسماء:الأسس،والآليات،والمفاهيم الأساسية»)2(
يستهل الدكتور خير الله عصار الفصل الأول من هذا الكتاب بالحديث عن فوائد علم النفس الأدبي،وموضوعاته،ومن أهم القضايا العلمية التي ناقشها في هذا الكتاب:المحاولات التأملية لتغيير الإبداع الفني،والأسس الأولية للإبداع،والأسس الفردية للإبداع الفني،وآليات الدفاع عن النفس، ودورها في الإبداع الأدبي،ومفاهيم نفسية تحليلية،وعوامل مساهمة في تكوين الشاعر.
ومن بين التساؤلات التي أثارها لدى حديثه عن الإبداع والنقد:هل يمكن وضع عدد من الخطوط العريضة للنقد؟
ولعل أبرز الحقائق التي قررها الدكتور عصّار عندما عالج قضية الإبداع والنقد،اعتماداً على منظوره،ومنظور مجموعة من المفكرين،من بينهم لوكاس:
1- لا يوجد مقياس مطلق للحكم على إنتاج فني،فالحكم يعتمد دائماً على الشخص الذي يتذوقه،وعلى قدراته،وعلى التداعيات التي يثيرها العمل الفني في نفسه.
2-كل شخص هو الحكم لنفسه،وبنفسه،ومن السخرية والعبث،أن نخبره أنه على خطأ،فهذا الأمر يتصل بمجمل شخصيته،وخبراته الماضية،وميوله،ومستوى ذكائه.
3-إن وظيفة الناقد تتجلى في عرضه المغامرة التي قام بها في مجال الكتاب الذي قرأه،وأن يخبر الجمهور بذلك،بعبارات أخرى،ويُصبح الناقد أكثر فاعلية عندما يرافع عن قضية، كما يفعل المحامي،وليس عندما يُنصب نفسه قاضياً يصدر الأحكام،فوظيفة الناقد هي التفسير.
وقد تأسست رؤية الدكتور خير الله عصار، لقضية الإبداع والنقد،على ربطها بواقعنا العربي،فأشار إلى حالة الجزائر على سبيل المثال،فنلفيه يذكر في هذا الصدد، أن الذي يتتبع ما تنشره وسائل الإعلام في الجزائر،يصل إلى الأفكار الآتية:
1- ثمة محاولات كثيرة من الشباب،بغرض دخول حقل الشعر،والقصة القصيرة،ينشر بعضها،وبعضها لا ينشر،لكن يعلق عليه بهدف توجيه أصحاب المحاولات الأولية.
2-يوجد استعداد لنشر ما يُرسل إلى وسائل الإعلام،وقد تمكن عدد من الشباب من شق طريقهم في دروب الإبداع.
3-توجد شكوى مزمنة،مفادها أن النقد غير نزيه،وغير موضوعي،وهو ذاتي،وتخريبي،ويعتمد بشكل رئيس، على إثارة المهاترات،وإلصاق التهم.
4-توجد محاولات من قبل بعض المسؤولين عن الشؤون الثقافية،من أجل رسم سياسة ثقافية للبلاد تحدد الاختيارات الأساسية في حقل الثقافة،كما تحدد وسائل تشجيع الإبداع، مهما كان نوعه)3(.
ويذهب الدكتور خير الله عصار إلى أن الوضع يتميز برغبة في العطاء الإبداعي،واستعداد لإحباط محاولات العطاء من جهة أخرى،والكاتب الناشئ يذوق طعم الحلو والمر، لأوضاعه الثقافية،فهناك إمكانية للنشر والمكافأة المادية،وهناك إمكانية للمحاربة والتضييق،والكاتب الناشئ يعيش بين هاتين الإمكانيتين،وتصنف القوى الاجتماعية الموجودة إلى ثلاث قوى اجتماعية-ثقافية تتفاعل،أي يؤثر بعضها على البعض:تتصارع،وتتناقض،وتتهادن،وتشجع، وتحبط.
2-محاضرات في منهجية البحث الاجتماعي:
قدم الدكتور خير الله عصّار في هذا الكتاب القيم،الذي صدر سنة:1982م، مجموعة من الرؤى، والأفكار المتصلة بطرائق البحث المنهجي، في ميدان علم الاجتماع،وقد دعمه بملاحظات دقيقة تُقدم فوائد جمة للطلاب الذين يخوضون غمار البحث الاجتماعي، عن طرائق تدريس منهجية البحث،وأصل هذا الكتاب-كما يذكر في مقدمته- مجموعة من المحاضرات ألقيت على طلاب ما بعد التدرج(شهادة الماجستير في علم الاجتماع)في جامعة قسنطينة الجزائرية، في السداسي الثاني للعام الدراسي:1978-1979م.
يحدد الدكتور خير الله عصار الأهداف الواجب تحقيقها من تدريس منهجية البحث الاجتماعي،في:
1-تطوير الآلة الفكرية للطالب،من أجل أن نجعل منه أكثر دقة،وموضوعية،ونزاهة،لدى معالجته للبحث،وأدواته،ومقدماته،ونتائجه،في الجانبين اللغوي، والفكري.
2-ترميم وتوسيع،وتعميق المعارف النظرية العلمية للطالب،والتي تتعلق بكيفية القيام ببحث ميداني،وذلك عن طريق تمتين الصلة بين النظرية والتطبيق.
3-محاولة التأثير على مجمل شخصية الطالب،من أجل جعل هذه الشخصية بمجموعها،أقرب ما يمكن إلى الشخصية العلمية التي تتصف بسمات القدرة على طرح المشكلات طرحاً علمياً،يكتسب من خلاله الطالب الشك المنهجي،ويبدع في إطار تطوير مناهج البحث ذاتها)4( .
يشتمل كتاب:«محاضرات في منهجية البحث الاجتماعي» على عدة مباحث،حيث درس فيه مجموعة من القضايا العلمية،منها:تصميم البحث،والفصول الرئيسة للرسالة المخصصة للبحث الاجتماعي،و المعطيات النظرية للبحث العلمي،والبحث الاجتماعي:أنواعه،ومشكلاته،إضافة إلى مناقشة إشكالية المتغيرات في البحث الاجتماعي،التي تلعب دوراً مهماً في البحث الاجتماعي،حيث إن المتغيرات هي في أصلها مفاهيم رياضية،وفيزيائية،ومع بداية البحث الاجتماعي،ظلت فكرة المتغيرات التي يحاول الباحث أن يقتنصها في ذهنه، يكتنفها الغموض،وهي تتضح تدريجياً، شيئاً فشيئاً، في سياق المحاكمات العقلية الدقيقة التي يمر بها الباحث،وهو يسعى إلى تحديد مشكلته،وفروضها.
وقد تطرق الباحث الدكتور خير الله عصار في كتابه هذا إلى طريقة كتابة الرسالة لغوياً،وحدد في بحث مستقل الخلفية النظرية لبحث اجتماعي ميداني،كما تطرق إلى نموذجين بحثيين اجتماعيين عن استلاب الشباب،واستلاب العمال.
3-مبادئ علم النفس الاجتماعي:
درس الدكتور خير الله عصار في هذا الكتاب،بجدية وعمق، جملة من الإشكاليات المعرفية التي تتصل بمبادئ علم النفس الاجتماعي،ومن يطلع على فصول هذا الكتاب القيم،الذي صدر سنة:1984م،يُدرك أن المفكر الدكتور خير الله عصار يرمي من وراء تأليفه لهذا الكتاب،إلى تذليل الكثير من الصعوبات التي تواجه طلاب علم الاجتماع،فهو يقول في تمهيده للكتاب،الذي حدد فيه موضوع علم النفس الاجتماعي وفوائده:«يتكون موضوع علم النفس الاجتماعي من محاولة للربط بين دراسة النفس البشرية،ودراسة المجتمع البشري دراسة علمية،إن دراسة النفس البشرية عامة هي موضوع علم النفس،ودراسة المجتمع البشري، هي موضوع علم الاجتماع،وعليه فإن علم النفس الاجتماعي، هو عبارة عن دراسة النفس،وهي في داخل المجتمع،فالبشر لا يوجدون خارج المجتمع،فالدراسة النفسية للأفراد،وهم في خضم المجتمع،هي ما يركز عليه علم النفس الاجتماعي بصورة عامة»)5( .
وقد جعل الدكتور خير الله عصار الفصل الأول للحديث عن:فوائد علم النفس الاجتماعي، وأما الفصل الثاني:فتحدث فيه عن:عوامل السلوك النفسي الاجتماعي،وفي الفصل الثالث درس مجموعة من قضايا التحليل النفسي للسلوك،وفي الفصلين الرابع والخامس:تناول بالدراسة والتحليل آليات الدفاع النفسي،ونظريات السلوك الاجتماعي، وفي الفصلين الأخيرين،ركز على الاتجاهات الحديثة في معالجة المشكلات الاجتماعية،وتطرق إلى القيادة ونظرياتها،وعواملها،وقدم مجموعة من النماذج عن المشكلات النفسية-الاجتماعية المعاصرة.
4-تدريس اللغة العربية للكبار:
صدر هذا الكتاب عن منشورات دار طلاس للدراسات، والترجمة، والنشر بدمشق،سورية،سنة:1996م،ويُرجع الدكتور خير الله عصار المنطلق الأول لتأليفه لهذا الكتاب إلى التركيز على الجوانب العملية في تعليم اللغة العربية،أي تلك التي تُساهم في فهم أصول العربية،وطرائقها،وبعبارة أخرى، فمنطلق المؤلف كان منطلقاً براغماتياً(ذرائعياً) قبل كل شيء،ويحصر المنطلق الثاني في تجنب التوكيد على الجوانب النظرية،والخلافية في مضمار تعليم اللغة العربية،والإكثار من الشروح،ويذكر في هذا الشأن بأنه حاول أن يكثر من الأمثلة التطبيقية،ويربط بين المفاهيم النظرية،ومضمونها التطبيقي)6( .
ولعل خير ما يمثل الغاية من تأليف هذا الكتاب،قول المؤلف في المدخل، الذي خصصه للحديث عن إشكالية البحث: «تشكل مسألة تدريس اللغة العربية للكبار،مشكلة قائمة بنفسها،وبشكل يكاد ينفصل عن مشكلات تدريس اللغة العربية،وبمختلف مراحلها،يعود السبب لذلك إلى:
أولاً:إن برامج تعليم الكبار هي في الغالب مكثفة،ولفترة قصيرة،على النقيض من برامج تعليم الصغار، التي تمتد عبر مراحل التعليم الابتدائي،والمتوسط،والثانوي.
ثانياً:إن الكبار يجلبون معهم إلى الدروس خبرات وإمكانات،وقدرات، تختلف جذرياً تقريباً عن تلك التي عند الصغار،مثلاً،معرفتهم بلغة أجنبية،وثراء معارفهم بلهجاتهم المحلية،إذا كانوا أميين،فضلاً عن سيكولوجيتهم التي ما فتئ المربون، يؤكدون على أن سيكولوجية الصغير تختلف عنها.
إن هذين العاملين الرئيسين، يجعلان من تدريس الكبار إحدى المشكلات الصعبة،خصوصاً إذا علمنا أن أكثر كتب تعليم العربية،قد كتبت للتلاميذ في المدرسة،وأن اهتمام المربين ينصب أولاً ،وأخيراً على الصغار،هذا يعني أن معلم العربية للكبار يواجه عوائق وصعوبات جمة...»)7( .
يشتمل كتاب الدكتور خير الله عصار:«تدريس اللغة العربية للكبار»على بابين رئيسين:
الباب الأول:مادة تدريس اللغة،والباب الثاني:طريقة تدريس اللغة،وقد لخص الدكتور عصار أهم القضايا التي عالجها في خاتمة الكتاب،بالإشارة إلى أن ما سعى إليه هو محاولة بحث أصول تدريس اللغة العربية للكبار،وهذا التدريس له صعوباته،بسبب تغلغل اللغة الأم على شكل اللهجة في بنية الجهاز العصبي، والحركي-الصوتي، المتعلق بالقدرات اللغوية،وبناءً على هذا ،فالتحدي الذي يواجهه معلم اللغة العربية للكبار، ليس بالتحدي الهين،والصعوبات في تدريس الكبار،هي أكبر من تلك التي نواجهها في تدريس الأطفال،وفيما يتعلق بالمنحى الذي اتبعه في تأليف هذا الكتاب،فله جملة من الأبعاد،منها البعد البنيوي المتعلق بطبيعة اللغة،والآخر البعد النفسي-الاجتماعي المتعلق بسيكولوجية المتعلم، والعلاقات مع المعلم،والثالث البعد المتصل بالطريقة،وأسسها،وعناصرها المكونة،وتظل فكرة النمط هي الفكرة المركزية)8( .
ومن مؤلفات الدكتور خير الله عصار الأخرى،التي لا يتسع المقام لتقديم مضامينها،نذكر:
-محاضرات وتطبيقات في علم النفس اللغوي،صدر عن ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر،سنة:1980م.
-مدخل إلى قضايا التعليم في العلوم الاجتماعية،صدر هذا الكتاب عن ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر،سنة:1985م،وأعيد طبعه في دار طلاس للنشر،دمشق،سورية،سنة:1993م.
-مدخل إلى السيبرلظيقا الاجتماعية،محاولة التحكم بالسلوك الاجتماعي،صدر عن ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر،سنة:2002م.
كما ساهم الدكتور خير الله عصار بالدراسات،والمناقشات العلمية، في عشرات الملتقيات العالمية في الوطن العربي،وفي أوروبا،وأمريكا،وكان له نشاط واسع في الأوساط الثقافية في الجزائر،حيث كان يُشارك بفعالية في ملتقيات الفكر الإسلامي، التي كانت تنعقد أعمالها في الجزائر،فقد كان يثير انتباه العلماء والأدباء بنقاشاته العلمية الدقيقة،وملاحظاته الثاقبة،ويلفت النظر إلى الكثير من الأسئلة الفكرية،والفلسفية.
وأود الإشارة في هذه الورقة إلى بعض المقالات التي نشرها في مجلة:«الثقافة»الجزائرية العريقة، التي صدر العدد الأول منها في شهر محرم1391ه-مارس1971م:
1-استلاب الشباب،أحد مشكلات العصر الحاضر،نُشر هذا البحث في العدد:50،ربيع الثاني-جمادى الأولى1399ه-مارس-أبريل1979م.
2-الملتقى الثالث للمؤتمر العالمي للدين والسلام،نُشر هذا المقال في العدد:55،صفر-ربيع الأول:1400ه-يناير-فبراير1980م،وقد خصصه الدكتور عصار للحديث عن الملتقى الثالث للمؤتمر العالمي للدين والسلام،الذي انعقد في بلدة برنستون في ولاية(نيوجرسي)في الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة ما بين:28أوت، و7سبتمبر1979م،والذي شهد مشاركة الدكتور خير الله عصار في أشغال هذا المؤتمر العالمي بمحاضرة عن قضايا الحوار بين الديانات،وما يمكن فعله في مواقف الصراع،وقد أشار الدكتور عصّار في سياق مقاله،إلى أنه ينبغي على أتباع الديانات أن يبذلوا جهوداً كافية من أجل تطوير الاحترام والتقدير لكل الشعوب،ولكل الثقافات،وينبغي الالتزام الكافي بالقيم التي تنشر السلام.
3-من مشكلات الحضارة:استلاب العمال،نُشر في العدد:57،جمادى الثانية-رجب1400ه-مايو-يونيو1980م،وقد نبه الدكتور خير الله عصّار في مستهله إلى الدور الهام الذي تلعبه الصناعة في عالم اليوم،وأبرز تأثيرها العميق في مجال تحسين مستوى المعيشة،وأشار إلى وجود منافسة بين دول عالم اليوم في ثلاثة مجالات هامة،هي:
أ-إحراز تطور صناعي-تكنولوجي دائم يمكن بعض المجتمعات من التفوق على غيرها،ويمكنها أيضاً من السيطرة على مشكلات الفقر،والجهل،والمرض.
ب-مكافحة تلوث البيئة الذي يهدد الوجود الإنساني أصلاً،ويخلق أمراضاً تبدو مستعصية.
ج-معالجة المشكلات النفسية-الاجتماعية التي تتمخض عن الصناعة،وأبرزها الانحرافات المختلفة.
وقد ختم الدكتور خير الله عصّار دراسته هذه بالإشارة إلى أن نتائج هذه الدراسة لها مضامين واسعة،وعميقة بالنسبة إلى التصنيع والتكنولوجيا في البلدان النامية،فنمو قدرات هذه البلدان على التكيف مع متطلبات التكنولوجيا والتصنيع،هو أمر لا يحتاج إلى جدل،«فالمهارات والعقلية المتمرسة في المتطلبات الإدارية، والاجتماعية ،والمعرفية،تغدو أكثر رسوخاً في نفوس أبناء المجتمع،وعلى مر الزمن مما يمهد الطريق إلى ظهور القدرات اللازمة لحل المشكلات الصغيرة، والكبيرة الناتجة عن التكنولوجيا والتصنيع،بيد أن مشكلة استلاب العمال تبقى من أعوص المشكلات وأخطرها...،وقد يعاني العامل في البلدان النامية من مشكلات عديدة،نذكر منها:التكيف مع التكنولوجيا بمستوياتها الثلاثة(الحرفية،والميكانيكية،والآلية المتقدمة).لكن ثمة عوائق أخرى تمنع العامل من استخدام كامل قدراته العقلية، والنفسية للتغلب على صعوبات المواقف الجديدة التي تخلقها التكنولوجيا،وبعبارات أخرى ثمة عوامل تتدخل،فتعرقل انطلاقة العامل ،وتجعل برامج التنمية تتعثر بشكل أو بآخر...» )9( .
4-إشكالية الإشراف على الرسالة الجامعية،نُشر هذا المقال في العدد:59،شوال-ذو القعدة1400ه-سبتمبر-أكتوبر1980م،ومن بين ما ذكره المفكر الدكتور خير الله عصّار في مقاله،سمات الشخصية العلمية،التي نوه إلى أنها تتكون من سمات ثلاثة:الدقة،والنزاهة،والموضوعية،فالدقة يقصد بها القدرة على تطابق الفكر مع الواقع،والواقع هو ليس شيئاً جامداً، يمكن للعقل أن يقتنصه بطرائق سهلة،بل إن الواقع يدخل العقل،أو أن العقل يحوز عليه من خلال مجموعة من المؤشرات السمعية، والبصرية في الغالب،والتي تتبلور عن طريق اللغة،فاللغة هي الوسيلة التي تربطنا بالواقع الخارجي،وهي التي تنقله إلينا عن طريق المعنى الذي تتضمنه الكلمات،والجمل،والعبارات،والمقاطع،ويصبح التمكن من ناصية اللغة(العلمية على الخصوص)،أحد مميزات الفكر العلمي الدقيق.
أما النزاهة،فكثيراً ما يكون الخلط بينها،وبين الموضوعية،إن كل شخص موضوعي هو نزيه شرطاً،لكن ليس كل نزيه هو موضوعي بالضرورة،فالنزاهة هي سمة واعية في الشخصية تقود صاحبها إلى أن يبذل جهوداً كبيرة كي يكون منصفاً،وعادلاً،ومتوازناً،وفي البحث العلمي تظهر النزاهة،والضرورة للنزاهة في المجالات التالية-كما يحددها المفكر الدكتور خير الله عصار-:
أ-عدم التحيز:حيث يقول الدكتور خير الله عصار في هذا الصدد: «إن الباحث الاجتماعي النزيه الذي يبحث عن أبعاد وعوامل مشكلة اجتماعية ما في مصنع،يكون دائماً مستعداً، وبكل طاقته إلى أن يخصص وقتاً كافياً متكافئاً للاستماع إلى آراء إدارة المصنع، والعمال ،والمهندسين أيضاً.
إن منهجية البحث العلمي لا تتطلب أن يتنازل الماركسي عن اعتقاده بالماركسية مثلاً عند قيامه بالبحث،لكن تتطلب منه أن لا يتحيز إلى العمال،فيرجع فشل المصنع إلى الإدارة،ورب العمل،ويبرئ العمال،وللأسف،يلاحظ في هذا المضمار عدم نزاهة بعض الباحثين الذين يحاولون بصورة واعية،بشكل،أو بآخر،أن يطمسوا استجابات بعض أصحاب العلاقة،إذا كانت تلك الاستجابات لا تتفق مع وجهة النظر التي يريدون البرهان على أنها صحيحة...» )10( .
ب-في مجال المنهج:حيث إن التحيز قد يتسرب إلى شخصية الباحث،لدى انتقائه المنهج،فاستخدام بعض المناهج،قد يظهر صورة سوداء لوضع مشكلة ما،وبالعكس،فبعض المناهج الأخرى قد يظهر صورة براقة،ففي مجال الدراسات الاجتماعية،يتجلى التحيز بوضوح،عندما يرغب الباحث في بحث أوضاع معينة للمسلمين،فاستخدام المنهج التاريخي،«يظهر أوضاع المسلمين في عهود عزتهم،بأنها كانت أفضل،بيد أن استخدام منهج اختباري قد يظهر العكس،هكذا فمن يتحمس إلى الإسلام يهتم بدراسة المسلمين في الماضي،ومن يناهض الإسلام يفضل دراسته في الحاضر،ويمكن القول إن النزاهة العلمية تتضمن استعمال المنهجين.
ويظهر التحيز في المنهج،مثلاً عندما يريد أن يبرز باحث صورة للأوضاع التربوية،فقد يلجأ إلى المنهج الإحصائي(التاريخي)،ليبين تطور عدد الطلاب والمعلمين في بلده.إن الأعداد الكبيرة بلا شك تشير إلى صورة براقة لواقع التعليم،بيد أن استخدام منهج الملاحظة لمعرفة الكيفية،قد تظهر صورة لا تبعث على التفاؤل عن واقع التربية في بلده.
هكذا يلاحظ مثلاً أن بعض المسؤولين عن المصانع يبذلون قصارى جهدهم لتبيان التطور الهائل في عدد العمال في مؤسساتهم،وارتفاع الأجور،لكن تجد أنهم يتهربون من استخدام منهج آخر للحكم على تطور مصنعهم،مثلاً مقياس الربح والخسارة،وزيادة الإنتاج في سياق التطور،كذلك يظهر التحيز في دراسة الواقع من خلال القانون،فقد يقع الباحث في أخطاء فظيعة،إذا درس مثلاً وضع المرأة في العالم العربي من خلال القوانين التي تصدرها الدول العربية،ثم إذا استنتج أن وضع المرأة يعبر عن القانون قلباً وقالباً،إن وضع المرأة،إذا لم يدرس ميدانياً،أو إذا حاول الباحث أن يتهرب من الدراسة الميدانية،فهو عند ذلك متحيز مع،أو ضد حسب الوضع» )11( .
كما يظهر التحيز كذلك في مجال اختيار المصادر والمراجع،وقد قدم الدكتور خير الله عصار عدة أمثلة عن هذا النوع من التحيز.
وبالنسبة إلى الموضوعية،التي تشكل أساساً من أسس الشخصية العلمية،يذكر الدكتور خير الله عصار أن بعض الباحثين يخلطون بينها،وبين النزاهة،وفي الحقيقة،فهما سمتان متلازمتان،ووقوع المرء في اللا موضوعية يكون في الغالب عن غير قصد،ووعي،وقد قدم المفكر خير الهم عصّار مجموعة من الأمثلة التي تبرز هذا الأمر.
5-نزع السلاح بين دافعي الحرب والسلام،نُشر هذا المقال في العدد:72 من مجلة الثقافة،محرم-صفر1403ه-نوفمبر-ديسمبر1982م،وهو عبارة عن مناقشة فكرية لكتاب صدر عن هيئة الأمم المتحدة بالعنوان نفسه.
6-آفاق المستقبل المتوسط المدى في الجزائر،نُشر هذا البحث في العدد:80،جمادى الثانية-رجب1404ه-مارس-أفريل1984م،وقد استهله الدكتور خير الله عصار،بالإشارة إلى أن علم المستقبل هو أحد الفروع التي تدرس في بعض جامعات العالم،فقد أصبح من الضروري أن تدرس الاتجاهات التي تسير بموجبها الثورة ما بعد الصناعية في المجتمع،وذلك في محاولة للكشف عما سيصير عليه الإنسان،لعلنا نستطيع إعداد الأجيال القادمة للتكيف مع الأوضاع الجديدة ،والمستجدة.
إن الهدف الذي سعى الدكتور خير الله عصّار إلى تحقيقه في دراسته، هو إعطاء لمحة شبه مفصلة عن التحولات الاجتماعية،والإنجازات التي ستتم في الجزائر في العشرين سنة القادمة،ولعل أبرز ما نبه إليه في سياق دراسته أن العشرين سنة القادمة من عمر الثورة الجزائرية،سوف يواجهها تحد واضح في إطار تكوين الشخصية العلمية الباحثة،وفي مجال البحوث العلمية الطبيعية،والطبية،والهندسية،فإن أبرز مشكلة تواجه المجتمع هي مشكلة الآلات والأدوات،فالباحث الاجتماعي سلاحه عقله،وقلمه،أما الباحث الآخر فيحتاج إلى عالم المادة والآلة،وقد بدا له أن الباحثين يعانون من صعوبة وجود مواد البحث العلمي والمختبرات،وقد ذكر الدكتور خير الله عصّار في دراسته مجموعة من الملاحظات من بينها ملاحظة تتعلق بضرورة الحفاظ على الأدمغة العلمية الباحثة مهما كان الثمن،حيث يُنبه في هذا الصدد إلى أن ثمة حاجة إلى قرار ثوري،ولاستثناء خاص للعباقرة،والأذكياء من أبناء البلاد في المعاملة، والمرتب، والامتيازات الاجتماعية،يجب وضع خطة واضحة مهما كلفت من ثمن لإغراء واستجلاب كل باحث جزائري، أو عربي مرموق إلى البلاد،تماماً كما تفعل دول عربية عديدة،والولايات المتحدة الأمريكية على الخصوص.
أما الملاحظة الثانية،فهي تتعلق بضرورة بناء مدينة للبحوث في العالم العربي،فالثورة البترولية التي يتمتع بها العالم العربي-كما يرى المفكر عصّار-تجعل هذه الفكرة ممكنة أصلاً وفصلاً،فيعيش في هذه المدينة عدد من الباحثين قرب مخابرهم، وحقول تجاربهم،وتقدم الدول العربية ملخصاً كل عام للمشكلات والتساؤلات التي تواجهها، إلى مختلف الباحثين في هذه المدينة، ثم توضع خطة لتنفذ ثم تقيم،وتقدم النتائج إلى هذه الدول.
7-المؤتمر العالمي حول الدين والسلام(نيروبي23-31أوت1984م)،نُشر هذا المقال في العدد:84،صفر-ربيع الأول1405ه-نوفمبر-ديسمبر1984م.
8-مؤتمر التكنولوجيا والمسؤولية في أنسكدة(هولندا)،نُشر هذا المقال في العدد:92،جمادى الثانية-رجب1406ه-مارس-أفريل1986م،وقد تطرق فيه إلى فعاليات المؤتمر الدولي الذي انعقد في مدينة أنسكدة بتاريخ:12-17أغسطس1985م،وقد شارك الدكتور عصّار بالنقاش، في فعاليات هذا المؤتمر الذي وصفه بأنه«يمثل مسألة فريدة بحد ذاتها،فالجمع بين التكنولوجيا التي هي نتاج مادي لأنشطة الفكر العلمي النظري،والمسؤولية التي هي قضية تشتق من موضوع الفلسفة الخلقية،هذا الجمع هو تجربة جديدة غير مألوفة لسببين:
أولاً:إن منهج الفلسفة هو التأمل في الكل،وفي العلاقات التي تربط أجزاءه.
ثانياً:إن منهج التكنولوجيا هو التجربة الحسية،على عناصر عينة ترتبط ببعضها من جهة،وترتبط بالذات البشرية الراغبة في السيطرة عليها،لأهدافها الخاصة من جهة أخرى»)12( .
9-ملتقى دولي حول التحليل اللساني للنصوص،نُشر هذا المقال في العدد:94،ذو القعدة-ذو الحجى1406ه-يوليو-أغسطس1986م.
10-محاولة تحليل عوامل الأزمة الاقتصادية وآثارها في العالم الثالث،نُشر هذا البحث في العدد:96،ربيع الأول-ربيع الثاني1407ه-نوفمبر-ديسمبر1986م،ناقش فيه المفكر الدكتور خير الله عصار مجموعة من القضايا المرتبطة بعوامل الأزمة الاقتصادية،وانعكاساتها على العالم الثالث،وقد عمد في تحليله للأزمة إلى اتباع منهجين:
أولاً:المنهج ما بين الفرعي،أي دراسة عوامل وآثار الأزمة من زوايا اقتصادية،واجتماعية،ونفسية،وسياسية...إلخ.
ثانياً:المنهج الاشتقاقي،وهو محاولة لاستخدام نماذج منطقية مبنية على فكرة الاشتقاق في اللغة العربية.
11-المؤتمر العالمي للدين والسلام توضيح حول تساؤلات،نُشر هذا المقال في العدد:97،جمادى الأولى-جمادى الثانية1407ه-يناير-فبراير1987م.
12-نحو إطار حضاري للمجتمع العربي،نُشر هذا البحث في العدد:114،سنة:1997م،ومن بين الأفكار التي قدمها الدكتور خير الله عصّار في هذا البحث،دعوته إلى أن تتركز البحوث الاجتماعية في الوطن العربي على مجالات أربعة:
أولاً:دراسة الواقع الاجتماعي،وتحليله،وتنظيره حسبما تتضمنه متطلبات البحث العلمي.
ثانياً:دراسة معالم وحدود الصورة المثالية للمجتمع العربي.
ثالثاً:محاولات لتحديد الخلل بأنواعه في تلك العلاقة القائمة بين الواقع من جهة،والصورة المثالية للمجتمع العربي من جهة ثانية.
رابعاً:دراسة الكيفيات بمختلف متضمناتها(وسائل،سبل،إستراتيجيات،أدوات)،التي يمكن بوساطتها إحداث النقلة(التغيير والتطور)،من الواقع المؤلم إلى المستقبل المشرق.
ومن بين المواضيع التي يقترحها الدكتور خير الله عصّار للدراسة،ويذهب إلى أنها تشكل منطلقاً لتحديد إطار البحوث الاجتماعية، والفكرية الجادة في الوطن العربي:
-دراسات التنمية في المجتمعات العربية،وتحليل ظواهرها،وبنياتها،والعوامل والمتغيرات التي تساهم في تحقيق،أو عدم تحقيق الأهداف التي حددت التنمية،إضافة إلى تبيين ما يمكن القيام به لتحسين المسار التنموي خاصة في مضمار ترقية الإنسان العربي ثقافياً واجتماعياً.
-بحث المشكلات الاجتماعية في المجتمعات العربية في محاولة لتحديد خصائصها البنيوية،وعواملها،ولاسيما منها تلك المستمدة من أوضاع التخلف المجتمعي العربي،ومن تلك المستمدة من التحولات الكبرى التي تهز المجتمعات البشرية،ودراسة الوسائل والسبل الوقائية،والعلاجية التي يمكن للمجتمعات العربية توظيفها لمواجهة هذه المشكلات،وللتخفيف من حدتها،وتواتر حدوثها.
-قضايا الشخصية والذات العربية ،ومدى تأثرها بالتخلف في المجتمعات العربية،وعلاقة ذلك بإشكال الهوية الثقافية العربية الإسلامية،والأزمات التي تواجهها في تفاعلاتها مع المجتمعات الغربية،وما تبثه وسائل إعلامها من معلومات ودعاية،تجعل من تطور الهوية على مستوى الأطفال، والشباب أكثر تعقيداً وصعوبة.
-سبر الإمكانات الموجودة،والمتوفرة من أجل تطوير الفكر العلمي في المجتمعات العربية على مستويات المدرسة والجامعة،وتحليل ما يمكن فعله لتحقيق هذا التطور بصورة فعالة،وبحث كيفية العناية بالعلماء،وأصحاب المواهب.
-دراسة قضايا الدين الإسلامي الحنيف،والمستلزمات المترتبة على الحركات، والأنشطة المعاصرة المشتقة من محاولات إحياء الالتزام بتعاليم الإسلام،وتوجهاته الأخلاقية، والاجتماعية،وما يرتبط بها من مشكلات،وعلاقة ذلك بأوضاع الأنظمة التربوية،والاقتصادية،والاجتماعية السائدة في البلاد العربية.
-تركيز الاهتمام على دراسة مشكلات نقل التكنولوجيا،والتفاعلات بين عمليات هذا النقل،والجوانب التربوية والعلمية القائمة في البرامج الدراسية، والجامعية من جهة،وأساليب النقل ،وخصائصه من جهة أخرى،والانطلاق من هذا كله لبحث ما يمكن فعله لتطوير المعارف،والقدرات التكنولوجية،ومحاولة تكييفها مع واقع المجتمعات العربية،وآفاق تطويرها المستقبلي.
-الاهتمام برصد التحولات الكبرى،وموقع العالم العربي،والمجتمعات العربية من آثار هذه التحولات،وخاصة ما يتعلق بما يطلق عليه:النظام الدولي الجديد،ومشكلاته،وتفاعل المجتمعات العربية مع القوى، والجماعات التي تعمل على استتبابه،ونشره بمختلف الوسائل...
-قضايا التعلم العام للكبار،وإمكانات استخدام الوسائل السمعية،والبصرية،والوسائل المكتوبة في نشر،وتثقيف المواطن العربي،وتوجيهه،وتفتيح قدراته، وميوله من خلال توظيف أوقات الفراغ.
-الثورة المعلوماتية،وما تتضمنه من ثراء في المعلومات من جهة،وإشكالات طرح الحداثة،وغيرها)13( .
فذلكة:
لقد كان الأديب المفكر الدكتور خير الله عصار ،واحداً من الأساتذة المتميزين علمياً،ويعد من المفكرين النابهين،ظل طوال حياته ينتج،ويبدع في مختلف ميادين المعرفة،ويتجاوب مع مختلف الأنشطة الثقافية التي تقام في مختلف أقطار الوطن العربي،وقد كانت له صلة وثيقة،ومناقشات فكرية عميقة، مع عدد من كبار الأدباء،والمفكرين في الوطن العربي،نذكر من بينهم على سبيل المثال،لا الحصر:الأديب الروائي الطاهر وطار،والمفكر محمد أركون،والمفكر الباحث مولود قاسم نايت بلقاسم،والمستشرقة الألمانية زيغريد هونكة،وغيرهم.
أنتج الدكتور خير الله عصار مجموعة من الكتب القيمة،والبحوث الثمينة التي أفادت،وستظل تفيد أجيالاً من الطلاب،والباحثين،والأساتذة،لقد كانت للدكتور خير الله عصّار عناية خاصة بقضايا علم الاجتماع، والتربية،فأنتج مجموعة من الدراسات الأكاديمية في التخصصين المذكورين،وألقى محاضرات متنوعة ناقش فيها قضايا علم الاجتماع الفكرية، والمعرفية،وبين خصوصياته،ودوره،ودعا إلى اعتماد نظرياته، وتطبيقها، وإنه لمن الصعب أن نلم بنشاطاته الكثيرة إلمامة وافية،وسيتذكر كل من عرفه إنجازاته الأدبية القيمة ،وسيذكرون ذلك الأديب المبدع،والأستاذ الجامعي الأكاديمي المنفتح الذهن على الثقافات، والأفكار العالمية، والذي تميز بإخلاصه لمهنته، وطلابه، فقدم عصارة فكره، وجهده، وعلمه، بكل أمانة، وصدق، وأسهم بفعالية كبيرة في إثراء المسيرة العلمية، والأدبية، والفكرية.
الهوامش:
(1) د.خير الله عصار:مقدمة لعلم النفس الأدبي،منشورات بونة للبحوث والدراسات،الجزائر،1429 ه-2008م،ص:12.
(2) د.خير الله عصار:مقدمة لعلم النفس الأدبي،ص:13.
(3) د.خير الله عصار:المرجع نفسه،ص:174.
(4) د.خير الله عصار:محاضرات في منهجية البحث الاجتماعي،منشورات ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر،1982م،ص:6.
(5) د.خير الله عصار:مبادئ علم النفس الاجتماعي،منشورات ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر،1984م،ص:12.
(6) د.خير الله عصار:تدريس اللغة العربية للكبار،منشورات دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر،ط:1،دمشق،سوريا،1996م،ص:9.
(7) د.خير الله عصار:تدريس اللغة العربية للكبار،ص:11-12.
(8) د.خير الله عصار:المرجع نفسه،ص:157.
(9)د.خير الله عصار: من مشكلات الحضارة:استلاب العمال،مجلة الثقافة،العدد:57،جمادى الثانية-رجب1400ه-مايو-يونيو1980م،ص:60.
(10)د.خير الله عصار:إشكالية الإشراف على الرسالة الجامعية،مجلة الثقافة، العدد:59،شوال-ذو القعدة1400ه-سبتمبر-أكتوبر1980م،ص:57.
(11)د.خير الله عصار:إشكالية الإشراف على الرسالة الجامعية،ص:58.
(12)د.خير الله عصار: مؤتمر التكنولوجيا والمسؤولية في أنسكدة(هولندا)،مجلة الثقافة، العدد:92،جمادى الثانية-رجب1406ه-مارس-أفريل1986م،ص:169.
(13)د.خير الله عصار:نحو إطار حضاري للمجتمع العربي،مجلة الثقافة، العدد:114،سنة:1997م،ص:16 وما بعدها.
بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة
قسم اللغة العربية-جامعة عنابة-الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.