الصحفيين تعلن تأجيل تشكيل هيئة المكتب واللجان ل 26 مايو    مشاجرة مسلحة بعين شمس بسبب خلاف بين أطفال    السيدة انتصار السيسى: سعدت اليوم بلقاء أبنائى من ذوى الهمم باحتفالية "أسرتى قوتى"    العروض غير الرسمية والتأشيرات.. تحذير بشأن الحج 2025    أحمد موسى يكشف عدد الشركات المشاركة في مشروع "مستقبل مصر"    بريطانيا تدعو للتحقيق في الهجوم الإسرائيلي على الدبلوماسيين بجنين    سفير أوكرانيا في القاهرة: اتفاق "المعادن النادرة" مع واشنطن إيجابي رغم اعتراض موسكو    بموافقة الشرع.. تفاصيل إعادة مقتنيات جاسوس إسرائيلي إلى تل أبيب    أحمد سالم يكشف آخر مستجدات الحالة الصحية لحسين لبيب.. وملف تجديد السعيد ومستحقات جوميز    الحماية المدنية بالشرقية تسيطر على حريق ضخم قرب برج ضغط عالي    الجمال المصري.. ياسمين صبري تخطف الأنظار بإطلالة جديدة في مهرجان كان    الجمعة.. قصور الثقافة تعرض "حيضان الدم" على مسرح طهطا    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    طريقة عمل كفتة اللحم بمكونات بسيطة ومذاق لا يقاوم    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    الكويت ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي القاضي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا    تذكرة ذهاب بلا عودة.. خطة إسرائيلية لإفراغ شمال غزة عبر مراكز توزيع المساعدات    الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    «لا تلبي متطلبات العصر ».. «السجيني»: القوانين الاستثنائية القديمة تعيق حل الأزمة بين المالك والمستأجر    "فسيولوجيا فيه مشكلة".. نجل شقيقه يكشف أسباب عدم زواج عبد الحليم حافظ    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    مصرع طفل غرقا في ترعة الصافيه بكفر الشيخ    أول تعليق من ريال مدريد على إدانة خمسة أشخاص بجرائم عنصرية ضد فينيسيوس    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    الزمالك يعلن في بيان رسمي توقيع اتفاقية لتسهيل تجديد العضويات    الشباب والتعليم تبحثان استراتيجية المدارس الرياضية الدولية    البورصة توافق على القيد المؤقت ل " فاليو "    مصر تدين إطلاق النار من قبل الجانب الإسرائيلي خلال زيارة لوفد دبلوماسي دولي إلى جنين    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025.. آخر تحديث    ضبط راكبين بأوتوبيس نقل جماعى تحت تاثير المخدرات.. فيديو    مصرع طفل غرقًا في مياه نهر النيل بكفر الشيخ    بعثة "الداخلية" تتوج خدماتها لحجاج القرعة بزيارة الروضة الشريفة.. فيديو    «غيّر اسمه 3 مرات».. حقيقة حساب أحمد السقا غير الموثق على «فيسبوك»    فيتسلار الألماني يعلن تعاقده مع نجم اليد أحمد هشام سيسا    طولان: إلغاء الهبوط لم يكن بسبب الإسماعيلي.. بل لمصلحة ناد آخر    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    استعداداً ل«الأضحى».. محافظ الفيوم يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى    ماركو بونيتا: أسعى لتحسين تصنيف فراعنة الطائرة ولا أسمح بالتدخل فى اختيارات القائمة الدولية    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الزامبى على هامش الاجتماع الأفريقى الأوروبى    صحة الدقهلية: ختام الدورة التدريبية النصف سنوية للعاملين بالمبادرات الرئاسية    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    قد يكون صيف عكس التوقعات.. جوارديولا يلمح بالرحيل عن مانشستر سيتي بسبب الصفقات    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 20 فلسطينيا على الأقل من الضّفة الغربية    فيديو يكشف طريقة سرقة 300 مليون جنيه و15 كيلو ذهب من فيلا نوال الدجوي    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    مصادر طبية في غزة: 8 قتلى وأكثر من 60 إصابة نتيجة قصف إسرائيلي على جباليا وسط مدينة غزة    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بالشرقية    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «التضامن الاجتماعي» تشارك في احتفالية «جهود الدولة في تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة» بالنيابة الإدارية    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    وزير الثقافة يستقبل ولي عهد الفجيرة لبحث آليات التعاون الثقافي وصون التراث ويصطحبه في جولة بدار الكتب بباب الخلق    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    تحت ال50 .. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأربعاء 21 مايو 2025    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بائعة الشاي بالأزهر


د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
لا أستطيع أن أحكي مشاعر الحنان والأمومة، لكني رأيت كما رأى غيري من الطلاب بالجامع الأزهر “أم أحمد” بائعة الشاي، وهذا المشهد اليومي ربما رآه غيري من الطلاب ممن سبقونا في الدراسة، فلا أستطيع تحديد بداية بيعها للشاي بالأزهر، وما قصة ذلك، لكن مشهد الشاي وجلوس الطلاب في حلقات للمذاكرة هو الغالب عليّ الآن.
الأم الفاضلة والعاملة المجدة “أم أحمد” كانت امرأة عجوزاً، بعض شعيراتها الأبيض يتهدل حول رأسها، تربط منديلاً أسود دائماً، لا تمل من المرور على الطلاب ولا الحديث معهم، تشعر منها بطمأنينة وراحة بالٍ، ولسانُ مقالها وحالها عزوفٌ عن الدنيا وزينتها، تحدثك حديث الأم والقلب، وتتابع سير مذاكرتك وأوقات اختباراتك رغم أميتها، فهي لا تقرأ ولا تكتب، لكنها تقوم مقام الأم المتعلمة -وقت غيابها- في السؤال عن أولادها.
“أم أحمد” عيناها غائرتان، تتفرسان فينا ونحن جالسون في حلقات، وحولنا أكواب الشاي من صنع يدها، وتسأل الواحد منا تلو الواحد من أي المدن أنت؟، ونتبادل الحديث معها لمدة طويلة، فتنقل لنا وعياً مباشراً، وربما أحياناً بعض المعلومات الدينية، وحكايات مليئة بالأحداث العجيبة، ننتظر قيامها من مكانها بنفاد صبر، بانتظار أن تأتي لنا بأكواب الشاي، وليس مللاً منها، فهي لا تمل.
كل الطلاب الجالسين معها أولادها، ومنهم من هو وافد من خارج البلاد للدراسة في الأزهر الشريف، تنقل إليهم خبرات متعددة، وتدخل عليهم بكلماتها الطيبة، منذ عرفوها وهي ترتدي السواد، أمية تنقل إليهم بكلماتها الطيبة وعباراتها الرقيقة سلوكيات راقية.
لم أسأل نفسي قط في ذلك الحين لماذا يحب الجميع “أم أحمد” بائعة الشاي، ولماذا يحرص جميع الطلاب على السلام عليها بمجرد رؤيتها وحصولهم على دعوات صالحة منها خصوصاً وقت الاختبارات، والشعور بحنان نحوها، وهل هذا الشعور سيستمر معنا لسنوات، أم أنه مجرد شعور مؤقت سرعان ما يزول مع مرور الوقت أو على الأقل بعد الانتهاء من الدراسة، وراودتني هذه الأسئلة وهذا الشعور لسنوات فلم أستطع الإجابة لانقطاعي عن المكان لسنوات لطبيعة عملي خارج البلاد، وجاء الجواب بعد أول زيارة للجامع الأزهر، فتجدد نفس الشعور بعد رؤية “أم أحمد”، فرأيتها على حالتها وعملها، تغير شكلها، وكبر سنها، وأما عملها وجدها واجتهادها وأخلاقها فلم يتغير شيء، رأيتها من بعيد وشعرت نحوها بالشعور الأول شعور الأمومة والحنان، ويا له من شعور وقتها، ويا لها من فرحة غمرتني، كأن طفلاً صغيراً وجد أمه بعد طول انقطاع وغياب، وهنا حاولت مع نفسي التحدي هل ستعرفني “أم أحمد” بعد هذه السنوات، وقد تغير الشكل والملبس، فجئت إليها بلهف أخطو الخطوة بعد الخطوة، ومشاعر الحنان والفرح تغمرني، وطلبت منها بصوت خافض كأساً من الشاي، فسألت كعادتها عن مكان الجلوس فأشرت لها، وذهبت لمكاني حزيناً إذ لم تتمكن هذه المرأة العجوز من معرفتي، وكيف لها أن تعرف وقد تخرج على يديها الكثير من الطلاب والجيل تلو الجيل، ومن أنا حتى تسعفها ذاكرتها بي، وما هي إلا دقائق وقد أتت إلي بالشاي، ونظرتْ إليّ نظرات تلو نظرات حتى عرفتني، بل عرفت لقبي الذي كان يلقبني به الطلاب.
“أم أحمد” امرأة بسيطة استطاعت أن تضع لها في قلوبنا مكاناً، وتمكنت من ترك آثار وسلوكيات راقية عند الطلاب، فكانت أحاديثها مليئة بالخبرة، وقد امتلكت رصيداً من المحبة في قلوب أولادها الطلاب، وتعد نموذجاً فريداً في الحرص على العمل بجد واجتهاد لطلب الرزق، فرغم صغر عملها إلا أنها واظبت عليه طيلة هذه السنين، وارتبط اسمها بالأزهر وطلابه، ومع أميتها إلا أن لها على الطلاب يداً من خير، وأحسب أننا في حاجة ماسة لترك مثل هذا الذكر الحسن على مْن حولنا، ولو كانت أعمالنا بسيطة، أو أهدافنا عادية، فالإنسان مجرد ذكرى.
استطاعت أخلاق وبساطة “أم أحمد” في هذا الوقت ترك أثر في نفسي وغيري من الطلاب استمر معنا رغم مرور السنين، وربما كانت أحاديثها لي لا تزال تعمل في وعيي العميق حتى اليوم.
بقلم:
الشريف د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري
وعضو نقابة السادة الأشراف بمصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.