قال فيلسوف الصين كونفوشيوس ( 551 ق م – 479 ق م ) عندما سئل ماذا سوف تفعل أول ما تفعل لو توليت السلطة ، قال سوف احدد للعبارات معانيها ، ونحن اليوم نحتاج أول ما نحتاج إلى عبارة تجسد صلة حقيقية بين الكلمة ومعناها ، لأن القليل من المعنى يفسد المعني والكثير من المعنى يفسد المعنى ، والحرب مع العدو الصهيوني لم نعد حرب جبهات فحسب ولكنها أصبحت حرب جامعات ، حرب مصطلحات تهدف أول ما تهدف إلى اختراق الضمير ، والضمير هو المنطقة الحرجة في وعي الشعب الفلسطيني ، وقد تمكن العدو فعلا من استمالة حلفاء من بين النخب الفلسطينية ، ولكن هذه الشريحة لم تتسع يوما ولن تتسع يوما لتصبح أغلبية تكسر إرادة الشعب الفلسطيني ، لان صورة الأولويات الفلسطينية قد تتعرض أحيانا إلى الاختلال والاضطراب ولكنها غير قابلة للانقلاب ، لأن الطبيعة الإنسانية شأنها شأن العالم الطبيعي تعتمد في تكوينها على الحركة بين أجزائها , وعلى أساس هذه التسوية بين الحياة الإنسانية والحياة الطبيعية ، وما في الأولى من صراع بين الأفراد وما في الثانية من حركة بين الأجزاء نرى أن الصراع ضرورة طبيعية وإنسانية ، لأنه قائم في طبيعة الكون وفي طبيعة الإنسان ، وهو ليس شرا يجب التخلص منه بل هو خير لكل تقدم , ولكن شرط أن يكون تحت راية الحقوق الوطنية وان ينحصر داخل حدود معينه ، ولذلك نرى انه من الطبيعي أن يكون هناك صراع في الآراء وفي المواقف وفي الرؤية ، وفي هذه الحالة لا يجب كبت هذا الصراع ، ولكن يجب إظهاره لأن ذلك يعتبر الطريقة الوحيدة التي يمكن بها كشف نقاط هذا الصراع وتسويتها ، والصراع قد يكون صراع خلاف يتجاوز قوانين الصراع البدائية ، وينظر كل طرف من أطراف الصراع إلى الطرف الأخر ليس كعدو ولكن كأخ وشريك في الوطن والوطنية ، وصراع هذه طبيعته يمكن وضع الحلول له من خلال التعايش أو التسوية أو المساومة أو حل الخلافات ، ولكن التعايش قد يكون عديم الفائدة ، وقد كان في الحالة الفلسطينية عديم الفائدة ، لأن الصراع في هذه الحالة قد يختفي في لحظة من الزمن في جو من الهدوء السطحي ثم لا يلبث إن يطفوا احتمال الخطر من جديد على السطح كما حدث في الحالة الفلسطينية ، وكذلك الحال بالنسبة إلى التسوية لأن فلسفة التسوية تقوم على فكرة المساومة التي لا يفوز فيها ولا يخسر فيها أي طرف من الأطراف ، وهذا يعني أن تبقى الخلافات الحقيقية بلا حل ، والمساومة تعني أن يكون الطرفان مستعدان لأن يكسبا معا وأن يخسرا معا بعض النقاط في نفس الوقت من خلال حل يرضي الطرفين ويستخدم فيه كل طرف كل أنواع الحيل التكتيكية المضادة ، وفي هذه الحالة يكون الطرفان أكثر تلهفا على الوصول إلى تسويات أكثر من تلهفهم على الوصول إلى حل المشاكل ، ولكن الحل الحقيقي هو حل المشكلات موضوع الصراع عن طريق تحديد المشاكل وتحديد الأهداف ، ومواجهة المشاكل وجها لوجه وليس الالتفاف حولها لأن الالتفاف حول المشاكل لا يحل المشاكل ، وحل الخلافات بين الإفراد عن طريق السيطرة التي تقوم على منع كل أشكال التفاعل السلبي ، وبناء كل أشكال التفاعل الايجابي مع كل مرحلة من مراحل حل المشكلات ، والتحرر من الضغوط الخارجية ، والمواجهة البناءة التي تقوم على الإرادة القوية والصراحة غير الجارحة ، وحسن التصرف واللباقة في استخدام اللغة والرموز ، والمهارة في التواصل اللفظي وغير اللفظي ، والمعلومات المعرفية التي تتعلق بمضمون الحوار ، والمعلومات الوجدانية التي تتعلق بالمشاعر والانفعالات ، لأن حل الخلافات بين الأفراد قد يكون أكثر صعوبة من حل الخلافات بين الأحزاب والفصائل ، لأن الخلافات بين الأفراد قد تنطوي على أراء شخصية ومصالح شخصية ، ولأن حدة الخلافات بين الأفراد قد تزيد من حدة الخلافات بين الفصائل ، وقد تضاعف المشاكل بين الفصائل ، ولكن وكما يقال في الأمثال الفلسطينية أن شرط الرفاق هو الوفاق ، لا بد من الوفاق بين كل مكونات الشعب الفلسطيني المثقفين والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والعمال والطلاب والفلاحين والفصائل والأحزاب والنقابات المهنية والاتحادات الشعبية في كل فلسطين في المدن والقرى والمخيمات ، لأن فلسطين كل وكل ما هو كل يجب أن يكون للكل ، ولا بد لكل مكون من هذا الكل أن يقول كلمته من خلال مؤتمر وطني فلسطيني ، ولكن يجب على كل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني أن يقف وقفة موضوعية مع نفسه ، لأننا بين شقي رحى ، ولأن القادم قد يكون أسوأ ، ولأننا اليوم قد نملك بعض يومنا وغدا قد لا نملك بعض غدنا ، لذلك يجب أن يعود الشعب الفلسطيني ليكون المكون الأول في المعادلة السياسية ، لأنه لا يمكن لأي حوار وطني أن ينجح إلا تحت ضغط الشارع ، ويجب على المثقفين والأكاديميين والإعلاميين أن تكون لديهم ثقافة أخلاقية ، وان يتحرروا من المصلحة الشخصية عندما يتعاطون مع المصلحة الوطنية ، وأن لا يستمر بعضهم في حمل المباخر للسياسيين ، ويجب على السياسيين أن تكون لديهم سياسة أخلاقية ، وان تكون لديهم ثقافة إمكانية الاعتراف بالآخر الوطني ، وثقافة إمكانية التبادل المعرفي مع الأخر الوطني ، وثقافة إمكانية الاعتراف بخطأ الذات ، وثقافة إمكانية التعلم من الآخر الوطني ، ويجب على العمال والنقابات المهنية والاتحادات الشعبية توحيد الحركة النقابية العمالية والمهنية والشعبية ، والتحرر من سيطرة السلطة والفصائل على النقابات المهنية والاتحادات الشعبية ، ويجب على الفصائل ان تعيد هيكلتها بنائيا وتنظيميا ، لأن الوضع الفلسطيني الراهن لا يعدو عن كونه نتيجة طبيعية لتفاعل التحديات الإقليمية والدولية مع واقع الانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي ، وغياب البرنامج السياسي والديمقراطية والفعل الاستراتيجي ، وهو ما يعطي هذه التحديات قدرة اكبر في التأثير في الواقع الفلسطيني ، ولذلك يجب إعادة الاعتبار إلى البعد الأخلاقي ، وإعادة بناء الصف الوطني ، وترتيب بيت الحركة الوطنية ، وإعادة بناء علاقات التواصل والتفاعل بين الفصائل الفلسطينية ، وبين الفصائل الفلسطينية وجماهيرها ، وبين جماهير الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية على قاعدة أن نتفق كيف نتفق وان نتفق كيف نختلف ، وذلك من خلال تنظيم الهندسة الداخلية للفصائل الوطنية والإسلامية ، ولكن وفي عبارة جامعة لمحتواها ومانعة لما سواها نستطيع أن نقول وبدون الخوف في الوقوع في الخطأ أن مصطلح عبارة إسلامي لا يجسد صلة حقيقية بين الكلمة ومعناها لأن كل ما هو إسلامي وطني ، وأن مصطلح عبارة وطني لا يجسد صلة حقيقية بين الكلمة ومعناها لأن كل ما هو وطني إسلامي ، وان كان هناك استثناء ونحن يجب ان نعترف بوجود استثناء ، والاستثناء يحفظ ولا يقاس عليه ، لأن التطور الذي يمكن أن يبلغه أي فصيل وطني يتوقف على الحالة الذي يحقق فيها هذا الفصيل أفضل الظروف النفسية لأداء نشاطه المشترك ، ونحن في فلسطين نحتاج أول ما نحتاج إلى النشاط المشترك الذي يغير صفة الإنسان من كونه فردا إلى كونه شخصا ، وذلك بتغيير صفاته البدائية التي تربطه بالنوع إلى صفات اجتماعية تربطه بالمجتمع ، ويجب على منظمة التحرير الفلسطينية ، وبداية يجب أن نعترف أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت الدوحة الذي يستظل تحت ظلالها كل الشعب الفلسطيني ، ولكن ماذا بقي من هذه الدوحة بعد أوسلو والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على 78% من مساحة فلسطين غير جذعها الذي يذبل يوما بعد يوم ، ولكن ورغم ذلك ورغم ان الشعب الفلسطيني لم يكن هو الأب الحقيقي للمنظمة ، ولكنه كان القابلة التي ولدت على يديها هذه المنظمة التي ولدت بقرار رسمي عربي من مؤتمر القمة العربي الأول ، ورغم شطب 12 بندا من أصل 30 بند وتغيير جزئي في 16 بندا في تصويت المجلس الوطني الفلسطيني الحادي والعشرين الذي عقد في مركز رشاد الشوا في مدينة غزة في الفترة من 22 – 25 نيسان 1996 بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وزوجته وابنته ، ورغم تصريح الرئيس كلينتون الذي قال فيه بأن مشاركته لا تعني ولا بحال من الأحوال اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بالدولة الفلسطينية ، ورغم أن البنت لا تلد أمها ولكن إلام هي التي تلد ابنتها ، وان المنظمة لم تلد فلسطين ولكن فلسطين هي التي ولدت المنظمة وولدت الفصائل ، ورغم أن الميثاق الوطني هو بمثابة الخارطة الجينية ( الكروموزومات ) التي تحدد سلوك المنظمة ، وأن ما يجري على المثقفين المستنسخين من استنساخ كرومزومات من خلايا من ثقافات أخرى وسياسات أخرى ووضعها في خلايا أخرى خالية من الكروموزومات ، وتركها تتطور لتكون مشابهة للكرموزومات المنقولة يجرى على الثقافة والسياسة ، وهذا ما جرى لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما شطب المجلس الوطني الميثاق الوطني حتى تكون منظمة التحرير الفلسطينية خلية خالية من الكروموزومات الوطنية ، وتوضع في هذه الخلية كروموزومات من ثقافة غير وطنية وتركها تتطور حتى تكون مشابهة لهذه الثقافة غير الوطنية ، ولكن أيضا ورغم ذلك ومن اجل الحفاظ على هذه المنظمة يجب أعادة تجديد وبناء الهياكل التنظيمية للمنظمة حتى لا تظل حركة الجماهير أوسع وأكثر تأثيرا من حركة هذه المنظمة ، وهو ما قد يؤدي إلى كسر إطار هذه المنظمة وخروج الجماهير خارج هذا الإطار ، وحتى يستطيع الشعب تكوين إطار ضاغط والخروج من الهامش التي تحدده له القيادة المتنفذة في هذه المنظمة في ممارسة معارضته ، وحتى يستطيع الشعب تكوين معارضة حقيقية تساهم في تنوير المجتمع ، ومراقبة وتوجيه وتقديم التوصيات لصانع القرار ، ومساعدة الكاتب والباحث في البحث والدراسة ، ولأننا لا نستطيع أن نراهن على أي تحول في العلاقات الدولية ، ولأنه ليس من عقد الممكن على هذا الذي يجري وعلى ما سوف يخرج إلا بإعادة تجديد وبناء الهياكل التنظيمية للحركة السياسية الفلسطينية ، وفي هذا المناخ الوطني الفلسطيني والقومي العربي والإسلامي المطبوع بالدم ، ومن اجل تصحيح المسار يجب عقد مؤتمر وطني فلسطيني على قاعدة لا فرق بين فلسطيني وفلسطيني إلا قي الخوف على فلسطين ، والخروج من الثنائية الضيقة ثنائية فتح وحماس ، رغم أن تلك الحركتين تنطلقان من موقعين مختلفين ، موقع المقاومة وموقع المساومة ، لأن فلسطين اكبر من فتح واكبر من حماس ، ولأن فلسطين أصغر من أن تقسم واكبر من أن تبتلع ، وعلى قاعدة المقاومة لأن من يشكك في المقاومة يشكك في حقه في وطنه ، والخروج من دائرة الدوغماتية المطلقة والجمود الفكري والاستبدادية والمعصومية واللاشكية واعتبار الايدولوجيا الفصائلية موضوع غير مفتوح للنقاش ، والفصل بين الرئاسات الثلاثة المنظمة والسلطة والفصيل ، لأنه ليس من الممكن لشخص واحد أن يركب على فرسين في وقت واحد فكيف يركب على ثلاثة ، والحوار الايجابي وليس الحوار القمعي الذي عشناه ونعيشه ، حوار لا يعني موت الخاسر على طريقة حوار فرسان العصور الوسطى ، حوار ليس من أجل الحوار ولكن حوار من اجل هدف ، حوار لا يكون مجرد وسيلة من اجل تطبيق علاقات ومصالح اجتماعية ، ولكن وسيلة إلى الوصول إلى تطبيق علاقات أخلاقية وعلاقات سياسية ، والسياسة هي علم التجربة والنجاح في تنفيذ الأهداف الوطنية ، والشعوب تتعلم من تجاربها ، حوار تكون فيه مادة الحوار معلومة الهدف والنتيجة ، حوار بلغة مفهومة وفي الموضوع المناسب وفي الوقت المناسب والمكان المناسب ، حوار يقوم على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخر الوطني من أجل تبادل الخبرات والمفاهيم ، والحوار هو الكلام في المجال الفاصل بين المتحاورين ، حوار لا يقوم على فرض إرادة طرف على إرادة طرف ، ولكنه يقوم على أساس تطويع كل الإرادات لصالح الإرادة الوطنية ، حوار يجب أن ترتفع فيه كل الإطراف فوق الجزئيات الصغيرة ، حوار يكون أداة من أدوات التواصل الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي ، حوار يتنازل فيه الجميع للوطن كل الوطن من الماء إلى الماء ، حوار لا يشترط فيه طرف على طرف أن يتنازل عن ثوابته الوطنية وهي ثوابت وطنية وفي نفس الوقت يرفض هو أن يتنازل عن ثوابته وهي في الحقيقة والواقع غير وطنية ، حوار لا يجب أن تقف فيه الفصائل والنقابات المهنية والاتحادات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والمستقلين والوجهاء والمثقفين والأكاديميين موقفا سلبيا آو موقفا وسطيا بين موقفين على طرفي نقيض في حال فشل الحوار، لأن الموقف الوسط في هذه الحالة لا يكون ولن يكون هو الموقف الصحيح بين موقفين على طرفي نقيض ، ولكن عليهم جميعا أن يقولوا كلمتهم وان يخرجوا إلى الشوارع والساحات ويعقدوا مؤتمرا شعبيا يقررون فيه ما يجب على كل الأطراف الالتزام بما يخرج عنه من مخرجات ، ويقررون باسم الشعب أن على كل الفصائل أن تسير حسب رغبة الشعب ، والشعب هو صاحب الكلمة العليا في تقرير مصيره ، وأن المشروعية القانونية والشرعية السياسية لأي فصيل أو أي سلطة يتوقف على مدى توافق هذا الفصيل أو هذه السلطة مع إرادة الشعب ، مؤتمرا شعبيا يعلن فيه الشعب انه لا يستطيع أن يكون سلبيا أكثر من ذلك ، مؤتمرا يعلن فيه الشعب أن هذه الفصائل لم تعد تمتلك منسوب وعي كامل في مفهوم الوطنية والمقاومة ، مؤتمرا يعلن فيه الشعب أن الانقسام لا يعني الاختلاف في الرأي ولكنه يعني فرض الإجماع على رأي ، ولأن كل فصيل يريد أن يفرض الإجماع على برنامجه ، لذلك كل الفصائل مسئولة عن الانقسام ، ولكن بدرجات مختلفة ، مؤتمرا يعلن فيه الشعب أن الانقسام خطرا يتهدد الجغرافية والتاريخ والمقاومة والمشروع الوطني والثقافة والوحدة الوطنية وقيم المواطنة والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والأخلاقي ، مؤتمرا يعلن فيه الشعب انه لم يعد قادرا على الاستمرار في الانقسام في الوقت الذي يوجد فيه قيادات تعيش على هذا الانقسام . . .