طيرا الحنفي كاتب مغربي ومحام ارتير رامبو شارع فرنسا الكبير ,فتح عينيه على دنيا الناس ,ذات يوم عشرين اكتوبرمن سنة الف وثمانمائة واربعة وخمسين ,بمدينة شارل فيل منطقة الاردين الفرنسية ,فزمنيته اذن كانت زمنية التمرد السياسي ,ومفعمة شعريا بالرومانطيكية وانتشار جمعيات نحن الاثنين ادبيا ,وهيمنة الطقوسية المسيحية الكاتوليكية دينيا ,الى جانب فرض الروح الكاتوليكية نفحاتها على الروح اللغوية, التي دمغت الحقل اللغوي بالطقوسية النحوية من شكل ونحو واعراب ,فهذا الجو العام منعكس على طبيعة التعليم بفرنسا ,وهو بالاجمال تعليم تلقيني توارثي سلطوي , يطبعه نوع من التسلسلية الجافة والصلبة,كما وصف ذلك رامبو وهو يصطف لحرفة الشعر وصياغة العبارات تاركا مهنة التدريس, رغم مهنيتها المعيشية ,وكاننا نعيشه معه النقاش الدائر بين ابراهيم طوقان واحمد شوقي بمصر ,حين قال شوقي قم للمعلم وفه التجيلا ,فرد عليه طوقان بان شوقي لو جرب التعليم ساعة لمله ,فرفقا ورفقا ببناة الاجيال الشجرة التي تتفتق عنها كل المهن ,مدرسينا المبجلين اطال الله عمرهم ارتير رامبو حينما داهمه سن البلوغ الطبيعي ستة عشر سنة ,سائل كل تلك المسلمات المجتمعية ,ووجد نفسه منتميا للجسم التعليمي يستخلص راتبه بمتع عا لم التربية ,بالاخص مجال الكتب ,لكنه مقتنع بان وضعه ليس هو تعليم تلقيني توارثي ,فاعلن بعدما التهم معظم كتب ادباء زمنه بالاخص معلمه الاول بودلير ,انه يرفض طبيعة التدريس التي تخلط انتاج انسان متعلم ,باخرى تنتج الانسان الشاعر ,فتفكيره هنا شبيه بتفكير ماركس في الانسان العامل ,وفرويد في الانسان الراغب ,وداروين في الانسان البيولوجي ,وريجيس دوبريه في الانسان السياسي ,وغير ذلك من فرزيات التخصص ارتير رامبو يقول ان مجيئه للشعر هو مباركة قدسية من الهة الضياء الشعري ,التي كتبت له على جبينها عبارة انه سيصبح شاعرا ,فالشعر بالنسبة له هو اذن خواطر تنتمي لعالم نوراني قدسي ,ومن ثم حمل هم الكلمة الشعرية, موثقا انه غير معروف في ميدان الشعر كمراهق لم يداهم بعد سن العشرين ,لكنه امن بان الشعراء اخوة ,منشدا اياهم برفع بعضهم قيمة البعض, ومد يد العون لبعضهم البعض ,لانه يرى ان فئة الشعراء بلا كتب جديدة سيعيشون عطش بلا ارتواء معرفي ,فباريز حسبه بلا كتب جديدة هي استهزاء لبق بالشعراء, الذين يحيون على الادب,وهذه الدعوة الرمبوية وجدت في التربة العربية خلال القرن التاسع عشر تربتها الخصبة ,من خلال البعث الثقافي ,الذي يوجد على راسه عباس محمود العقاد بمعاركه الادبية واعاصير الغروب التي نذر نفسه لها ,مرددا كلمته المشهورة ليس كل الناس متفرغين لانتاج النوع البشري ,والى جانب العقاد هناك حركة المعلمين العرب الشعراء بالعراق وعلى راسهم معلم الانجليزية بالرمادي ,بدر شاكر السياب الذي فكط الارتباط مع البعث السياسي منذ قصة لصوصية الزمن القاسمي ,فالتعليم والشعر والصحافة والجامعة والمحاماة كلها مجالات تجذبها الكلمة الابدية ,اعمالا لمقولة ابو ريشة ,*السماء تقدس فينا صياحنا * على غرار ما راينا عند الشاعر محمود درويش ,بشان التجلي والعض على الانتماء للغة سديم لغته الابدية ,نفس الامر ينسحب على الشاعر ارتير رامبو ,فهو يرى ان لحظة التجلي بالنسبة للشاعر هي حق طبيعي ,شبيه بلمعان النحاس, او خشب الكمان, الذي اختاره القدر لميدان العزف ارتير رامبو في رحلة بحثه عن بناء علم الانسان الشاعر ,او علم الشعر ,يعتبر تلك المهنة روحانية المادة ,فهي تحتاج للبحث والتمحيص ,وضبطها شرط لازم لحصد عطيتها ,وخصوصية الانسان الشاعر حسبه هو فيض اناني في تكوينه الدماغي ,وهو الذي يعطيه الملكة الشعرية ,فالشاعر بهذا المغزى وفق ارتير رامبو هو مجموعة تراكمات اشكال الحب والمعاناة, وحتى الحماقات ,لان وظيفة الشاعر وظيفة اساسية هي اعطاء الشكل للاشكل, واصباغ الاشكل على الشكل ,لعبة قلب ادوار,وحينما سنكون مع ابن عبدربه في الاندلسيات من خلال العقد الفريد ,سنتوقف كثيرا عند فن المعارضات في الشعر الاندلسي ,حيث بلغت حرفية اللعب بالكلمات, حد لعب النجار الباحث عن الثحفة, بصنعته الخشبية ارتير رامبو لكي يصل لعلم شعر مستقل ,عن التبعية العقدية او البحثية الاخرى ,يؤكد ان لسانه عالمي ,أي لغة شعر ذات طبيعة خاصة, سمتها مخاطبة الروح للروح ,ومن هنا اعتبر الشاعر شارل بودلير اكبر شاعر للتجلي وفقه ,والمجتمع الليزباني لايزال يشكر بودلير على ازهار صوفيا التي راها دون غيره من الشعراء ,فهو ملك الشعراي بودلير وفق رامبو , بل وصل به الامر حد التيه فيه ,لانه رمز للمعاناة الشعورية ,في وسط طقوسي جاف,وسبق ان راينا ابان مناقشة موضوع احمد شوقي بك ومقارنة امارة الشعر عنده بامارة النثر عند الامير ارسلان شكيب ,قلنا وقتها ان شوقي تاملي وارسلان طقوسي ارتير رامبو الراشد نفى عن نفسه انتمائه لمجالس التعبد الكاتوليكي ,فهو حامل هم لغة مختلفة ,لغة تنتمي لعالم اليوم,فكاننا به اسس لنظرية ستظهر بعد وفاته بفرنسا في سنة 1905 حينما جاء قانون فصل الدين عن المدرسة أي قانون علمنة الحياة المدنية الفرنسية لا داعي امام خصوصية كل حقل معرفي, الى خوض معارك واسعة ,فهنا ارتير رامبو خاض معركة فلسفة الشعر والاستقلال به كعلم قائم الذات, عن عالم الكنيسة بطقوسياته المعقدة ,لان ارتير رامبو اختار من خلال ايثار عالم الشعر الانتماء للعرق الاقوى ,للخروج من فانتازيا العصبوتات الانتمائية ,مؤكدا ان تلك الثنائيات علوي وسفلي لاجدوى منها, طالما الشعب جوهر يجسد كما هو معروف العقل والامة والعلم ,والوصول للحظة العلمية حسبه تستوجب, الخروج من الماضي الديني والانحشار راسا في الحاضر الراهن,فهنا كانه يجدف باحثا عن المرحلة الوضعية الاوغست كونتية وتجاوز المرحلة السحرية الطفولية ومعها الاهوتية ,لكن الواقع شيئ ففرنسا استطاعت بالكاد رغم مستواها التنويري ان تقوم بمقارنة الاديان وتدريس الاهوت بالسربون ,وراينا محمد اركون نموذجا لذلك المجال ارتير رامبو كما اسلفت تزامن مع عهد الرومانسية ,ولكي يعزل مدرسته عن المروق الرومانتيكي ,اسس لحياة بوهيمية جسدها في لحظة احساسية , تشعره فيه الطبيعة انها بنت الزهراء التي كان يبحث عنه الرجل المريخي قائلا= -لاانطق ولاافكر في أي شيئ -لكن الحب الانهائي يغمر روحي -ساذهب بعيدا جدا بعيدا مثل بوهيمية -الى الطبيعة سعيدا, كانني صحبة امراة فهو اذن يؤسس لمدرسة شعرية علمية ,تضع الايكولوجيا فضائها المعشوق ,وتعشق المشي فيها لمسافات طوال كانه صحبة امراة ,فالبوهيمية الطبيعانية ,ليست هي التشرد الحضري الذي تسعفه جمعيات في الشارع على الطريقة الكندية ,بل هو انتماء حقيقي للفضاء الايكولوجي الذي تنعكس عليه اصالة النور السرمدية ,غير الشبيه وفق رامبو بعالمنا الموبوء بشبهة الظلال ,بقدرما هو بحث وسط الشمس عن نهايات النور ,لذلك تجد عالم مدرسته الشعرية, فيه الشجيرات والقمر والشمس وفضاء الطبيعة البوهيمي ,بل ان سا لته عن حد المدى, يجسده في تماهي البحر مع الشمس ارتير رامبو الهمته مدرسته الشعرية البوهيمية ,الى ان رسالة الماضي للمستقبل تقول شعريا ما يلي = -انتهى الانسان بعدما لعب كل الادوار -الحب الانهائي كامن في ابتسامة لانهائية – يرتجف الكون كمزهر لاحد له -في عمق قبلة مرجفة الشاعر عند رامبو هو مسافر دائم ,يصطف للعمل الذي به تزهر الحياة ,لذلك كان رحالة بحريني كبير عرفته قارات اوروبا واسيا كما افريقيا ,وعلمه البحر في مركبه المنقذ في لحظات غضبه العاصفة , التحول لراقص فوق خشبة النجاة , اخف من مغلاق القوارير ,وان يرى مياه الاخشاب ايضا ضائعة في الرمال العذراء ,فهذه هي البوهيمية الشعرية ان يشعر كل والج للصحراء والبحر, انه اول من هبطها كجنة الشقاء والعري ,ملايير الناس مضوا هناك ,لكن رامبو لم ير احدا فشهد لها بالعذرائية ,فتحولاته القارية اعتبرها لحظات تحول انسانية بكل بساطة وبلا تعقيد اذا كانت الغابة مجال رامبو المفضل ,حيث يهتم بطيورها من حمائم لاخر الفراشات العطشى ,فهو يصور تيهها الارضي, على انه شبيه بتيه السحاب بلا مرشد في السماء ,فهنا ينتهي رامبو بخلاصة اساسية مؤداها, ان الارض والسماء يلتقيان في بوهيمية موحدة ,لايقرئها الا الشعراء بقا نونهم الخاص ,فتيه الطيور في الغابة شبيه بتيه السحاب بلا مرشد في السماء ,فبوهيمية الرقص والنطق محض تمظهرات, لعالم الجوهر الفكري حيث صراع الحق والقوة ,وهنا تحظر بقوة استاذيته في الاطلاع على مغازي الفكر الاغريقي ورواده الاول ,ارسطو وافلاطون ارتير رامبو لايهزا بشيئ ,فهو يرى ان اعمال الارض موصولة بالسماء ,فدينا مية الهوية الفضائية التي تجسدها حفلات النشاط الارضي تترك لهيبا ورديا في السحب,راها محمود عباس العقاد حين قال بان الليل ليس كله ظلام بل حينما يتوسطه البدر تعطى لهوية الارض ماهية اخرى تفوق كل جمال متصور الشاعر بطبعه متجاهل لالقوانين البشرية, كما انه لا يعيرها أي مغزى اعتباري ,بمعايير التقاليد المرعية طقوسياومجتمعيا ارتير رامبو الشاعر حينما اعتد بلمعان النحاس ,وربط محلول الذهب بالعرق ,فقد قلب المعايير المعتمدة عند الكيميائيين الذين طالموا اعتدوا بطقوسية تراتبية كمالية المعادن الكاملة ,وفق ترتيب, نحاس /فضة/ ذهب ,فعلى رتبة الشعراء, وكانه يهزا بافلاطون ,فهنا يتجلى رامبو كمتمرس خبير بالطبيعة بنوعيها الطبيعاني كما البشري على حد سواء ,,فهو حياتي توغلي بامتياز ,ودليله في ذلك ,استنتاجه ان حرقة الحروب الروحية لاتقل شانا عن المعارك الادمية ,فكلاهما محكوم برضى الله ونظر العدالة حسبه ارتير رامبو اهتدى بعد صراعات الحروب الروحية والمعارك الادمية ,الى ان قوته من عطاء الله ,فهو يريد الحرية في سلام ,فقد اهتدى لعقله فراى العالم جميلا والحياة ممتعة ,انها حقيقته التي لم تعد مجرد اماني طفولية, او امل الهروب من الشيخوخة والموت ارتير رامبو من خلال ما سلف اعلاه ,ليس مجرد مدرس عابر ,ولامغامر مغمور ,بقدرما هو مغزى معنوي عصي على الهضم عند الكثيرين ,لكن المهتمين بنظريات الادب ,مدركين تماما انه مؤسس علم الشعرالروحاني الحديث,وسحره الخاص, لايوازيه الا استئثار الشاعر كعب ابن زهير ,ببردة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فالشعر قداسة من نوع خاص ,والشعراء هم نبراس تلك العطية الربانية ,عند كل الاقوام والاعراق ,فهم فعلا وكما قال رامبو ارتير, سراق النار,وهو العنوان الذي اختاره فيلبان رئيس حكومة وديبلوماسية فرنسا سابقا ,عنوانا لديوانه الشعري