كنت أتمنى من الله أن يخيب ظنى ، و تكون أحداث قصر العينى المريرة هى آخر أحزان مصر ، لكن للأسف صدق ظنى ، فقد توقعت أن نمر بكارثة جديدة عقب كل حدث ديمقراطى ، و توقعت أن يكون ذلك فى ميدان التحرير أو أمام مجلس الوزراء أو أمام مجلس الشعب أو أمام وزارتى الداخلية و الدفاع كما اعتدنا فى كل مرة ، لم أتوقع أبدا أن تكون الكارثة فى استاد كرة قدم ، لكن يبدو أن المجرم لا يعترف بمكان ، لكنه يختار التوقيت ، حيث نفذ جريمته فى ذكرى موقعة الجمل . فى كل مرة نشعر فيها بالهدؤ النسبى و الاستقرار ، لابد و أن يخيم علينا الحزن ، كأن ليس من حقنا الشعور بالأمن ، و كأننا سنظل ندفع ضريبة الديمقراطية من دمائنا و أمننا و أحلامنا ، كأننا رضينا بالفوضى بديلا للمخلوع كما قالها هو بنفسه ، فهل يعقل أن يقتل أكثر من سبعين شابا ، ويصاب المئات فى ساعة واحدة فى مبارا كرة قدم و كأنها حرب شرسة ، حتى الحروب لا توقع هذا الكم الهائل من الضحايا فى ساعة واحدة ، و الكل يبرىء نفسه من هذه المجزرة المروعة ، و يلقى بالاتهامات على غيره ، الحقيقة أننا كلنا مدينون ، وذنب هؤلاء الأبرياء فى رقبة الجميع . كلنا مشاركون فى تلك الجريمة الكاملة المنظمة من قبل الثورة المضادة التى يبدو أنها تمتلك كل مقومات النجاح التى لا تحظى بها ثورتنا الفاشلة التى ضاعت بعد اطاحة المخلوع و أعوانه فى الانقسامات و الاعتصامات و الاحتجاجات و التخوين و المصالح الشخصية . فالمجلس العسكرى مسئول عما حدث بصفته حاكم البلاد ، رئيس الوزراء مسئول مسئولية سياسية ، مجلس الشعب المنتخب مسئول ، وزير الداخلية و مدير أمن بورسعيد ومحافظ بورسعيد و اتحاد الكرة كلهم مسئولون عما حدث ، و المجتمع الذى أفرز لنا جيلا بهذا العنف مسئول . كيف تطورت الأحداث بهذه البشاعة ؟ لماذا لم يتم ادراك الموقف قبل تفاقمه خاصة أن كل الأجواء بالاستاد كانت تنذر بالخطر ؟ لماذا لم يلغى الحكم المباراة ؟من الذى أغلق باب الخروج لجماهير النادى الأهلى ؟ كيف دخل هذا الكم من المجرمين لأرض الملعب رغم وجود كردون أمنى ؟ لماذا وقف الأمن موقف المتفرج لما يحدث ؟ لماذا لم يقبض على شخص واحد من هؤلاء المجرمين ؟من أين جاؤا هؤلاء المجرمين بهذه الكمية من الصواريخ و الشماريخ الغالية الثمن ؟ لماذا حالات الوفاة أغلبها اختناقات رغم عدم استخدام الغازات بالملعب ؟ هل حقا كما قالوا شهود العيان أن هؤلاء المجرمين قاموا بخنق الجمهور حتى الوفاة ؟ من هم ؟ ومن ورائهم ؟ كل هذه التساؤلات يجب الاجابة عليها حتى نصل الى الحقيقة ، وكفانا حديثا عن الطرف الثالث و اللهو الخفى و الأيدى الخفية التى تذكرنا بنظرية الماس الكهربائى و المختل عقليا فى النظام البائد. هل هذا كان ليحدث فى نظام مبارك البائد ؟ بالطبع لا ، وهذا مايريده مبارك وفلوله و أعوانه وهو تأكيد الفوضى و الخراب بعد رحيله . انهم المتآمرون ، اللذين لا يريدون الخير لمصر ، و يسعون الى تدميرها من خلال ثورتهم المنظمة و المحكمة " الثورة المضادة " ، الحقيقة أننا شاركنا فى انجاح الثورة المضادة، فما حدث كان من تدبير الثورة المضادة وحدها ، لكننا للأسف مشاركون فى هذا بالتقصير و التخاذل و اللامبالاة ، المتآمرون وحدهم هم من لهم المصلحة فى ذلك ، ما حدث أكبر من مباراة كرة قدم ، انها ضربة قوية لمصر لاشعال الفتنة بين الشعب و الجيش و حكومة الانقاذ الوطنى و ضرب الأمن و الاستقرار و الاقتصاد و السياحة وادخالنا فى فوضى عارمة لا يحمد عقباها . لكن ما ذنب هؤلا الأبرياء ؟ بأى ذنب قتلوا ؟ لماذا ذهبوا مشجعين و عادوا جثامين ؟ لا القرارات و لا المحاسبة و لا تشكيل اللجان و لا التعويضات و لا أى شىء سيعيد هؤلاء للحياة مرة أخرى أو يبرد نار ذويهم ، فالمصيبة وقعت بالفعل و أبكت قلوب و عيون كل من له قلب . و السؤال الآن : الى متى ستظل حكومة طرة تمارس عملها فى ادارة البلاد و ارجاعنا للخلف كلما تقدمنا خطوة واحدة للأمام ؟