تنظيم 6 ورش عمل على هامش مؤتمر الأوقاف الأول عن السنة النبوية (صور)    مشروعات تخرج «نوعية كفر الشيخ» تحول جدران المدينة للوحات فنية    تفاصيل المباحثات المصرية الإذربيجية بقصر الاتحادية (فيديو وصور)    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    تخفيف أحمال الكهرباء تحدي أمام زيادة صادرات مصر الرقمية    رجال الأعمال تناقش تعزيز مساهمة القطاع الخاص لتحقيق مستهدفات القطاع الزراعي    أمريكا تضغط على حماس ليقبل نتنياهو مقترح بايدن!    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    أبرز 7 غيابات عن منتخب إنجلترا فى يورو 2024    بلعيد يقترب وانفراجة في موقف كوناتيه.. يلا كورة يكشف تطورات ميركاتو الأهلي    بعد تألقه مع سلوت في فينورد.. تقارير: ليفربول يستهدف ضم جناح نيوكاسل    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية 2024 الترم الثاني على بوابة الأزهر    مرور القاهرة يعيد حركة السير بالأوتوستراد بعد انقلاب مقطورة رخام    سما الأولى على الشهادة الإعدادية بالجيزة: نفسى أكون دكتورة مخ وأعصاب    السكة الحديد تعلن جداول قطارات خط «القاهرة - طنطا - المنصورة – دمياط»    سر الراقصة صرصار.. شريكة سفاح التجمع تفجر مفاجآت جديدة: "كان بيتبسط مع بنتي"    هيئة الدواء في شهر: ضبط 21 مؤسسة غير مرخصة ومضبوطات بأكثر من 30 مليون جنيه    لجلسة 15 يوليو.. تأجيل محاكمة متهمي خلية المرج    ليست المرة الأولى.. قرارات اعتزال اتخذتها شيرين رضا على مدار 11 عاما    محمد رمضان ينشر فيديو من حفل زفاف ابنة المنتج محمد السعدي..وهكذا علق    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «علم».. وفلسطين حاضرة بقوة (صور وتفاصيل)    بجوائز قيمتها 30000 جنيها.. تعرف على شروط وطريقة التقديم لمسابقة فتحي غانم للقصة القصيرة 2024    لماذا الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؟.. مركز الأزهر العالمي يُجيب    «الصحة»: إجراء 392 جلسة ضمن منظومة ميكنة الغسيل الكلوي بمستشفيات مطروح    الكشف على 1237 مريضا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بالمنيا    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    ليفركوزن يدعم دفاعه بصفقة فرنسية    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    نقابة المهندسين تعلن سفر الفوج الثانى من الأعضاء لأداء فريضة الحج    الدفاع الروسية: قوات كييف تتكبد خسائر بأكثر من 1600 عسكري وعشرات الطائرات المسيرة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    تضم هذه التخصصات.. موعد مسابقة المعلمين الجديدة 2024    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    الإفتاء توضح حكم تجميع جلود الأضاحي ثم بيعها في مزاد علني بمعرفة جمعية خيرية    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    كاتب صحفي: حجم التبادل التجاري بين مصر وأذربيجان بلغ 26 مليار دولار    توجيهات من الصحة بشأن المدن الساحلية تزامنًا مع عيد الأضحى والعطلات الصيفية    بدء توفيق أوضاع المتعاملين مع الوادي الأخضر و6 أكتوبر الزراعية    وزيرة خارجية إندونيسيا تستقبل السفير المصري بجاكرتا    العمل: تشريع لحماية العمالة المنزلية.. ودورات تدريبية للتعريف بمبادئ «الحريات النقابية»    ساوثجيت يعلن قائمة انجلترا لخوض يورو 2024    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    خبيرة فلك تبشر برج السرطان بانفراجه كبيرة    معسكرات داخلية وخارجية.. اللجنة الأولمبية تتابع خطط الاتحادات استعدادا ل باريس    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    كريم محمود عبد العزيز يشارك الجمهور فرحته باطلاق اسم والده علي أحد محاور الساحل الشمالي    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    أزهري: العشر الأوائل من ذي الحجة خير أيام الدنيا ويستحب صيامها    إبراهيم حسن يكشف كواليس حديثه مع إمام عاشور بعد لقطته "المثيرة للجدل"    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام مستحيلة ..
نشر في شباب مصر يوم 27 - 07 - 2018

الحياةُ سلسلةٌ مُتتابعة من الآمال والأحلام .. جمالها في أحلامها .. لذتُها في آمالها .. هكذا كانت ترى الحياة ، وظلت ترسم لنفسها أحلاماً ورديةً وآمالاً عطريةً لا حدود لها حتى أنهت دراستها في كلية الطب بتفوقٍ ملحوظ واستلمت وظيفتها كطبيبة لتمارس هذه المهنة الإنسانية العظيمة بحبٍّ وإخلاص ، إلى جانب مشاركاتها المتعددة في أعمال الخير والأنشطة التطوعيِّة. لم تكُن تعلم أنَّ ما تُحقِّقه في حياتها العملية ونشاطاتها التطوعية من نجاحات ، وأنَّ ما تُنجِزه نقابةُ الأطباء من أعمالٍ تخدم أعضاءها وأسرهم ، لم تكن تعلم أنَّ كُلَّ ذلك يتم بخطواتٍ مرسومةٍ وبرامجَ مُحكَّمةٍ تُصمِّمها وتُنفذها تلك المجموعة الدعوية المُنظمة تنظيماً دقيقاً ، إلى أن صارحتها صديقتها المُقرَّبةُ ( دكتورة سوزان ) فسألتها :
- وما هدف هذه الجماعة يا سوزان ؟
فاقتربت منها بمودة واهتمام وأجابت:
- نحمِلُ الخيرَ لِمِصْر.
ومِن خلال الجماعة كانت دكتورة سوزان سبباً في تعرُّفِها على ( الدكتور أحمد ) وإتمام خطوبتهما والبدء في الترتيب والاستعداد للزواج.
ويستيقظ العالم على صوت انتفاضة الشعب المصري يهزُّ الشوارع والميادين .. ويمتلىء قلبُها فرحاً وسعادةً وأحلاماً .. وتشعر بالعزَّةِ والكبرياءِ والنصرِ وهي تعقد قرانها بين المتظاهرين المحتفلين في ميدان التحرير ليلة تنحي الرئيس المصري مبارك .. لن ينسى التَّاريخُ هذه الليلة ، ولن تُمحى من ذاكرتها ؛ لأنَّ هذه الليلة الأسطورية شهدت بدايةً جديدة لحياتها ولوطنها ؛ وأحلاماً جديدة .. لها .. ولجماعتها.
وتتابعت الأحداث بشكلٍ متسارعٍ وجنوني ، لتجد ( الدكتورة أيتين ) نفسها وزوجها وجماعتها في مواجهة عنيفة مع الواقع ، بعد التغيرات الحادة في الثلاثين من يونيو ، وبعد حالة التصادمية والانقسام التي شطرت المجتمع.
تجلس بجوار زوجها أمام شاشة التلفاز يتابعان في توجسٍ وقلق .. يتلقى زوجها مكالمة عبر الهاتف المحمول تزيده حزنا وهمَّا :
- أيتين ، الوضعُ في مصر لم يعُد آمنا ، يجب أن نُغادر.
- ما هذا الكلام! مصر بلدُ الأمان! ثم كيف نُغادر ! وعملُنا ! وأحلامُنا ! والجنين النابض في أحشائي ! والجماعة ؟!
- الجماعة !! الجماعة صارت ( محظورة ) .. مُطاردة.
- لا ، لا أغادر بلدي مصر ، لا أستطيع !
تُسرِعُ نحو الشُّرفة .. تنظر إلى الشارع الفسيح .. تدير وجهها نحو زوجها ثانية في دهشةٍ واستنكار :
- مصر ! القاهرة ! النيل ! التَّاريخ ! الأزهر ! الحضارة ! الأمن ! الأسرة ! .. لا .. لا .. مستحيل .. وأحلامي ! .. مستحيلٌ ما تقول.
- صدقيني يا عزيزتي ، من الحُمقِ أن نبقى هنا ، على الأقل هذه الأيام ، فلن تمرَّ الشهور القادمة بسلام.
يُغمِضُ عينيه في ألم .. تتسربُ الدموعُ من بين جفونه .. يُطرِقُ رأسه في استسلام :
- لقد قام ( الأخوة ) بترتيب كل شيء ، وسوف نسافرُ الأسبوعَ القادمَ إلى .... إلى الصومال.
لم تصدِق ما سمعت .. أصابها ذهولٌ .. تملكها الصمتُ الذي أخرس كل شيءٍ حولها .. وضعت رأسها بين كفيها .. ظلت تبكي .. لا تجد مقدرة على الصراخ وإن كانت تحتاج إليه.
وسافرت الدكتورة أيتين _ بل هربت _ مع زوجها إلى الصومال ليعملا كطبيبينِ في إحدى لِجان الإغاثة الإنسانية التَّابعة لنقابة أطباء مصر.
وهناك لم تجد ( آيتين ) غير قسوة الحياة ، ومرارة الغربة ، وضراوة الانقطاع عن الأهل والوطن. ولم يخفف عنها وطئة ما تُعانيه إلا أن ترى أجمل وأهم أحلامها يتحقق أمام عينيها ، تراه ، تلمسه ، تسمع صوته ، تضمه في صدرها ، وذلك بعد أن وضعت وليدها الأول .. وضعته غريبا عن وطنه .. يبكي ليل نهار وكأنه يتألم لغربةِ أمهِ وأبيه.
وتنطوي صفحة ( الجماعة ) أو هكذا تخيل البعض .. وتستقرُّ الأمورُ في مصر أو هكذا زعمَ البعض .. ويبشرها زوجها باقتراب العودة :
- صحيح ، لا أصدق ، بشَّرك الله بكل خير.
- لكن لن نرجع ثلاثتنا إلى مصر.
- ماذا ! لم أفهم.
- ستعودين أنتِ و ( يوسف ) فقط ، وسأبقى أنا هنا بعض الوقت .. لقد أكَّد لي ( الأخوة ) في مصر ضرورة أن أظلَّ هنا ؛ لخدمة نشاط الجماعة بالصومال ؛ ولأن رجوعي الآن غير آمن.
آهِ يا مصر .. ما أجملك .. ما أروعك .. ما أعظمك .. ما أحنَّ قلبك على أبنائك .. لا تصدِق أنها في وطنها مرةً أخرى .. لا تريد أن تذهب إلى بيت أبيها .. ظلت تتجول في شوارع القاهرة وميادينها ساعاتٍ طوال ، والطفل على ذراعها يضحكُ ملء فيهِ يُشاركها فرحة الرجوع للوطن.
عادت أيتين الى وظيفتها ، وتنقضي بضعة أسابيع ، لتجد دكتورة سوزان في وجهها :
- آيتين ، الدكتور أحمد رُبَّما ، رُبَّما لا يعود ثانية إلى مصر .
- لماذا ؟ ما الخطب ؟ هل أصابه مكروه !؟
- لا اطمئني ، إنه بخير ، لكن ( الجماعة ) وجهته إلى ميدانٍ آخر للجهاد ، إنه الآن في ساحة أخرى من ساحات الدعوة والجهاد من أجل إقامة شرع الله.
شعرت أن الأرض تدور بها ، تحاول لملمة كيانها المتهاوي ، نظَّمت أنفاسها المضطربة .. نظرت إليها بتعجبٍ واستنكار :
- وأنت ؟ وزوجكِ ؟ لماذا لم تُرسلكما (الجماعة) إلى إحدى ساحات الدعوة والجهاد خارج مصر ؟ لماذا أنتِ وزوجكِ دائما هنا ! وغيركما فقط مَنْ تحكُم عليه الجماعة بالاغتراب والنفي والموت !
نظرت إليها صديقتها د/ سوزان _ بعيون يملؤها شرٌّ تراه منها لأولِ مرة _ وقالت :
- الأمر مجرد توزيع أدوار ومهام لا غير.
- صحيح. لقد فهمت. الآن فقط فهمت !
وليتها لم تفهم أي شيء .. إن بعض البشر إذا فهموا الحقيقة ماتوا كمداً وحزنا.
ومع أول خروجٍ لها من بيتها ارتدت أيتين _ بلا وعي أو تفكير _ النقاب ؛ ربما لتخفي وراءه حزنها وألمها وحسرتها ، وربما لتستر به مشاعر البغض والحنق التي ملأت صدرها ، أو ربما لتُخفي به صفحات عمرها التي اصْفَرَّتْ وتلاشت .. وأحلامها التي ذبُلت وتساقطت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.