صلاة التراويح أو صلاة القيام في رمضان أيها الأحباب في كل مكان هي صلاة سنة للرجال والنساء تؤدى في كل ليلة من ليالي شهر رمضان بعد أداء صلاة العشاء ويستمر وقتها إلى قبيل الفجر وقد حث سيدنا النبي على قيام رمضان فقال: [ من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] وقد صلاها رسول الله في جماعة ثم ترك الاجتماع عليها؛ مخافة أن تفرض على أمته، كما ذكرت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة وقد قال ابن القيم الفوائد: فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق فان العزيمة والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق إلى الله سبحانه إنما هو بالهمم وصدق الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل. أ ه وقد قال بعض السلف [ رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية ] وقال يحيى بن كثير أيضا : تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل وقال بعض العلماء أيضا الأكياس عاداتهم عبادات الحمقى والحمقى عباداتهم عادات وقال بعض السلف أيضا حبذا نوم الأكياس وفطرهم يغبنون به سهر الحمقى وصومهم فالمحب الصادقان إن نطق نطق لله وبالله ,وان سكت سكت لله وان تحرك فبأمر الله وان سكن فسكونه استعانة على مرضات الله فهو لله وبالله ومع الله هيا لنتعرف على النيات المباركات في القيام بين يدي رب الأرض والسماوات [[ أولا]] أقُومُ الليل بنِيَّة شكر النعم والتأسي بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ::- ---------------- واعلم أخي المؤمن أن من أعظم النعم عليك أن بلغك الله تعالى شهر رمضان لتكون من الصائمين الذين اختصهم الله تعالى بالهبات وبالدرجات و مغفر الذنوب و السيئات، و لقد كان النبي يقوم حتى تتورم قدماه كما في الحديث الْمُغِيرَةِ رضي الله عنه، قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ، أَوْ سَاقَاهُ فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا وقد روى عن التابعي سفيان الثوري رحمه الله أنه شبع ليلة فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح. [[ ثانيا ]] أقوم الليل بنِيَّة التأسي بالصالحين والتشبُّه بهمفي أعمالهم الصالحة و حتى أكون في زمرتهم ::- -------- فعَنْ الصحابي الجليل ِبلَالِ بْنِ رَبَاحٍ رضي الله عنه قال قال رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ ] رواه الإمام الترمذي والطبراني. وكانت السيدة عمره زوجة حبيب العجمي التابعي رحمها الله تعالى توقظه في جوف الليل وهو نائم تقول له يا حبيب قوافل الصالحين مضت وزادنا قليل لا يبلغنا والنوم الذي ينتظرنا في القبور طويل قم يا حبيب نصلي لله سويا فيقوم ويصلي بها واذا أراد أن يذهب إلى العمل كانت تقول له يا حبيب اتقي الله في معاشنا أطعمنا الحلال وجنبنا الحرام إنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار [[ ثالثا]] أقوم الليل حتى أصل إلى مرتبة أو قريب من الصديقين والشهداء والصالحين بأمر الله تعالي::: ----- أيها الصائم وأختي الصائمة هل تريدون أن تصلوا إلى درجة الصديقية والشهادة؟ عليك بصيام رمضان وقيامه فقد أخرج البزار وابن خزيمة وابن حبان عن عمرو بن مُرَّة الجُهني رضي الله عنه قال [ جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصلَّيت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته، وأتيت الزكاة؟ فقال رسول الله مَن مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشهداء] [[ رابعا ]] أقوم رمضان حتى يغفر لي الرحيم الرحمن سبحانه وتعالي::- -------------- يا أرباب الخطايا يا كثير السيئات ها هي محطات المغفرة والرحمة لا تحرم نفسك من حط الذنوب والمعاصي صف قدميك مع المصلين وتضرع تضرع التائبين وقل يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاه فأوف لنا الكيل وتصدق علينا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [[ خامسا ]] أقوم الليل حتى يحبني الله تعالي في الدنيا والاخرة ::- --------------- أيها الأحبة عليكم بقيام الليل فإنه مفتاح القرب من الفتاح سبحانه وتعالي فعَنْ الصحابي الجليل أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه قال قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ العزة قَالَ في الحديث القدسي [ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مثِلْ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَكْرَهُ مَمَاتَهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي الْمُؤْمِنُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعًا، وَبَصَرًا وَمُؤَيِّدًا، إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانُهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ إِلَّا بِالْفَقْرِ وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يَصْلُحُ إِيمَانُهُ , لا بِالسَّقَمِ وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِيَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يَصِحُّ إِيمَانُهُ , إلا بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ أَسْقَمْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ] وعن التابعي ذي النون المصري رحمه الله أنه قال: كنت في الطواف فسمعت صوتاً حزيناً وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول:::- أنت تدري يا حبيبي ... من حبيبي أنت تدري ونحول الجسم والدمع ... يبوحان بسري يا عزيزي قد كتمت الحب ... حتى ضاق صدري فقال ذو النون: فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت. ثم قالت: إلهي وسيدي ومولاي، بحبك لي إلا ما غفرت لي. قال: فتعاظمني ذلك وقلت: يا جارية أما يكفيك أن تقولي: بحبي لك، حتى تقولي بحبك لي؟ فقالت: إليك عني يا ذا النون، أما علمت أن لله عز وجل قوماً يحبهم قبل أن يحبوه؟ أما سمعت الله عز وجل يقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: 54. فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له؟ فقلت: من أين علمت أني ذو النون؟ فقالت: يا بطال جالت القلوب في ميدان الأسرار فعرفتك. ثم قالت: انظر من خلفك. فأدرت وجهي، فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها. وما زالت النفحات والرحمات تحملها أجنحة النيات المباركات في شهر تنزل الخيرات ورفعة الدرجات [[ سادسا ]] أقُومُ الليل حتى أفوز بالجنان::- -------- قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{15} آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ{16} كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17} وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {18} وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 15- 19] وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16 – 17] جاء في "مستدرك الحاكم" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-قال: "مكتوب في التوراة لقد أعدَّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ولا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، قال: ونحن نقرؤها {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن سلام t قال: "أول ما قَدِمَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- المدينة اِنْجَفَلَ الناسُ إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأملت وجهه واسْتَثْبَتُّهُ عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس؛ نيام تدخلوا الجَنَّة بسلام". [[ سابعا ]] أقُومُ الليل حتى ترفع لي الدرجات في غرف الجَنَّة بإذن الله تعالي:::- -------------------- يقول الله تعالى في كتابه الكريم [ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64}إلى قوله...{أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً{75} خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً] سورة الفرقان الايات من 63- 76] ومعني جملة يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ يعني الدرجة العليا في الجَنَّة. وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرُهَا ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ. ( ) [[ ثامنا ]] أقوم الليل حتى أكون من الأشراف ::- ------- فقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي عن سهل بن سعد أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [ أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزَّه استغناؤه عن الناس] فاللهم وفقنا لطاعتك وحسن عبادتك وتقبل منا صالح أعمالنا يا ارحم الراحمين. ----- بقلم/ محمود طلبه كاتب وباحث وداعية مصري