السعي في قضاء حوائج الناس من الأخلاق الإنسانية الحميدة والرفيعة التي أمر الله بها المسلمين وغير المسلمين وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى والرحمة فقال في كتابه الكريم ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) سورة المائدة الآية 2 وفي سورة الرحمن يقول الله تعالي في الآية رقم 60 ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) فقد قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في تفسير هذه الآية الآتي::- ( الإحسان نوعان نوع نبتغي به وجه الله تعالى ..ونوع نبتغي به وجه الإنسان... النوع الأول الله وعدك به الحسنه بعشر أمثالها..فأنت حين تقدم الإحسان للناس مبتغيا وجه الله سبحانه وتعالى فإنك ستحصل من الله على جزائك الحسنه بعشر أمثالها.. ولكن بعض الناس يقدم الإحسان مبتغيا رضاء البشر لا رضاء الله فهو يحسن إلى ذلك الإنسان لأنه مخلص له أو لأنه ينفعه أو لان له عنده خدمه يريد أن يؤديها له أو أو إلي أخره. وإذا كنت تفعل شيئا لترضي بشرا فيجب أن تنال جزائك من البشر والإنسان خلق ظلوما وجزائك من الناس يخضع لمقاييسهم وأخلاقهم ومن هنا فانك لا تستطيع وأنت تبتغي رضاء الإنسان أن تطلب الجزاء من الله) فيجب علي الإنسان المؤمن الصادق مساعدة الناس المحتاجة لوجه الله تعالي وليس مصلحة مقابل مصلحة أو لكي يقولوا عنك رجل البر والتقوى بين الناس. فالسعي علي قضاء حوائج الناس لوجه الله الكريم من أحب الأعمال وأزكاها منزلة عند الله تعالى في الدنيا والآخرة وفى ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الناس الآن كنتيجة مباشرة للعديد من إجراءات الإصلاح الاقتصادي في البلاد وهنا تبرز أهمية أن يبذل كل القادرين من الناس غاية جهدهم لقضاء حاجات غير القادرين من الناس ومساعدة أصحاب الرواتب الضعيفة من الموظفين والعمال الذين لا يسألون الناس ألحافا ولا يمدون يدهم للناس للتسول كما يفعل المتسولون في الشوارع والمدن ويجمعون الآلاف والملايين خلال سنوات ويعيش المواطنون الشرفاء بينهم ولأحد يعرف عنهم شئ لأنهم لا يمدون يدهم ويعيشون علي الديوان والهموم ولكن الأموال تخرج بسخاء للمتسولين والمتسولات الذين يعيشون بدون عمل ولا يريدون أن يعملوا في أي عمل في مصنع أو شركة أو أي عمل تجاري ويجمعون الأموال من الناس التي تغدق عليهم بسخاء ولا تفكر في البحث عن فقير لا يمد يده للناس سواء كان قريب او غريب وتبحث عن حالته دون إحراجه وتساعده بشئ ولكن هذا لا يحصل أبدا وإنما تخرج الأموال لجيوش المتسولين بكل سهولة أما من يستحقه بحق فليذهب للجحيم هكذا يفكر كثير من الأغنياء المتصدقين نحو الناس الشرفاء الفقراء الذين لا يسألون الناس ألحافا. يقول الشاعر المبدع أبو العتاهية في احد الأبيات عن الذين يساعدون الناس الشرفاء الفقراء والذين لا يتسولون في الطرقات الآتي: اقض الحوائج ما استطعت.. وكن لهم أخيك فارج فلخير أيام الفتى.. يوم قضى فيه الحوائج وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن رجلا جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، فسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يبين في هذا الحديث أن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومعنى ذلك أن الناس يتفاوتون في محبة الله عز وجل لهم، وأن أحبهم إليه سبحانه أنفعهم للناس، فكلما كثر نفع العبد للناس كلما ازدادت محبة الله تبارك وتعالى له، وكلما نقصت منفعة العبد للناس كلما نقصت محبة الله عز وجل له، والنفع المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام: ((أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس)) لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، ونحو ذلك، فكل ما استطعت أن تنفع به الناس دون تفرقة بينهم فنفعتهم به، فأنت داخل في الذين يحبهم الله تعالى(أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس) فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ) أخرجه الطبراني (12/358 ، رقم 13334) ، وابن عساكر (54/5) . قال الألباني حديث حسن لغيره كتاب الترغيب والترهيب 2/358. وقال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أيضا ::- (ما من عبد أنعم الله عليه نعمة، فأسبغها عليه ثم جعل حوائج الناس إليه، فتبرم فقد عرض تلك النعمة للزوال ) رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عباس قال الألباني حديث صحيح وقال أيضا رسول الله عليه السلام ( من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثاً وسبعين حسنة: واحدة منها يصلح بها آخرته ودنياه والباقي في الدرجات) وقال أيضا رسول الله عليه الصلاة والسلام ( إن لله خلقاً خلقهم لقضاء حوائج الناس، إلى على نفسه أن لا يعذبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور يحدثون الله تعالى والناس في الحساب ) وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخلق كلهم عيال الله، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله ) رواه البزار والطبراني في معجمه، ومعنى عيال الله فقراء الله تعالى، والخلق كلهم فقراء الله تعالى، وهو يعولهم. وقال رسول الله أيضا عليه السلام ( من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه ابن ماجة عن أبو هريرة قال الألباني حديث صحيح رقم : 1976 والحاجات لا تطلب إلا من أهل الإخلاص الذين يسعون لقضاء حوائج الناس طلباً لمرضاة الله تعالى وليس من أجل مصلحة أو وجاهة أو شهرة , عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَقِفُ الْمَوْقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللهِ، وَأُرِيدُ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَتْ: { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } سورة الكهف الآية 110 رواه الإمام الحاكم في المستدرك 2/112 وقال : هذا حديث صحيح فالحوائج تطلب من الناس الكرماء وليس من اللئام والبخلاء ولذلك وقد قال الإمام الحسن البصري رحمه الله: ( لأن أقضي لأخ لي حاجةً أحب إليّ من أن أعتكف شهرين) (قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا، ص 48، رقم 38). وقال علي بن الحسن بن شقيق رحمه الله: سمعت عبد الله بن المبارك رحمه الله وسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن، قرحة خرجت في رُكبَتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج، وسألت الأطباء فلم أنتفع به، قال: اذهب فانظر موضعًا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرًا، فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبَرِئ؛ (أي: شفاه الله تعالى)؛ (شعب الإيمان للإمام للبيهقي رحمه الله ج5، ص69، رقم 3109 وأنشد العالم النحوي أبو الأسود الدؤلي بهذه الأبيات من الشعر عن قضاء الحوائج للناس فقال الآتي:::- وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةً * * * فلقاؤه يكفيك والتسليم وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً* * * فألح في رفقٍ وأنت مديم ولقد ضرب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام المثل والنموذج الأعلى في الحرص على الخير والبر والإحسان , وفي سعيه لقضاء حوائج الناس وبخاصة للضعفاء والأيتام ,والأرامل , فلقد أمره الله تعالى بذلك في كتابه الكريم فقال : ( عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَقَالَ : يَا أُمَّ فُلاَنٍ ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ ، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ). أخرجه أحمد 3/285(14092) ومسلم 7/79(6114) وأبو داود 4819. وليعلم الناس أن قضاء حوائج الناس من إطعام الجائع وكساء العاري ومداواة المريض وسداد ديون المديونين ومساعدة الشباب العاطل في عمل مشروع شريف يأكل منه لقمة حلال فهذا وغيره من أعمال أخري لا تحصي أولى من حج النافلة أو تكرار الحج والعمرة. فالساعي لقضاء حوائج للناس موعود بالإعانة ، ومؤيد بالتوفيق من الله في الدنيا وله الثواب الكامل في الآخرة. فنفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والمرسلين فسيدنا يوسف عليه السلام جهز إخوته بجهازهم ولم يبخسهم شيئاً منه رغم ما صدر منهم تجاهه، وسيدنا موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان فسقى لهما. وأشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل عن حاجة لم يرد السائل عن حاجته وتبين السيدة خديجة رضي الله عنها كيف كان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في قضاء حوائج الناس فتقول: “إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”، (رواه البخاري) ولذلك يقول أحد الشعراء والحكماء الآتي::- أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ من كان للخير منّاعًا فليس له * * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ هكذا نخلص إلى أنه بالمسارعة لقضاء حوائج الناس ابتغاء وجه الله تعالى يسود المجتمع روح الإخاء والتعاون، ويشيع فيه السلام والأمن والأمان، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وروى الإمام الطبراني رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يَألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخيرُ الناس أنفعهم للناس))؛ حديث حسن؛ (صحيح الجامع للألباني، حديث رقم 6662). ومعني قوله عليه الصلاة والسلام (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف): لأن التآلف سبب الاعتصام بالله وبحبله، وبه يحصل الخير بين الجميع وعكسه يحصل التفرقة بينهم (مرقاة المفاتيح؛ لعلي الهروي، ج 8، ص 3129). ومعني قوله عليه السلام (أنفعهم للناس): أي: بالإحسان إليهم بماله وجاهه وعلمه ووقته لأن الخلق كلهم عيالُ الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله؛ (التيسير بشرح الجامع الصغير؛ لعبد الرءوف المناوي، ج1، ص 528). وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطُوبَى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه))؛ حديث حسن(صحيح ابن ماجه للألباني، حديث رقم 194). قوله: (إن من الناس مفاتيح للخير)؛ أي: إن الله تعالى أجرى على أيديهم فتح أبواب الخير؛ كالعلم والصلاح على الناس، حتى كأنه ملَّكهم مفاتيح الخير ووضعها في أيديهم؛ (حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ص 104). وقال تعالي في كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ سورة الحج الآية 77 فقوله تعالي (وافعلوا الخير)، يعني علي الإنسان أن يقوم بصلة الرحم بين الناس وأن يقوم بكل مكارم الأخلاق. وقوله تعالي (لعلكم تفلحون) والمعني أي لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة ايها الناس فعليكم فعل الخيرات وقضاء حوائج الناس في الدنيا (تفسير البغوي مجلد 5 ص 401). فقضاء حوائج الناس المشروعة من أفضل وسائل فعل الخير. وفي النهاية ندعو الله نعالي ونقول اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ بِنُوْرِ وَجْهِك الكَرِيم الذِي أشْرَقَتْ لَهُ السَّمَواتُ والأرْضِ وبِاسْمِك العَظِيْمِ أنْ تَقْبَلَنَا وتَرْضَى عَنَّا رِضًا لا سَخَطَ بَعْدَهُ أبَدًا , اللَّهُمَّ يَا عَظِيمَ الْعَفْو ، يَا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ يَا قَرٍيبُ الرَّحْمَةِ ، يَا ذا الجلالِ والإكرامِ هَبْ لَنَا العَافِيةَ وارزقنا فعل الخيرات والعمل الصالح ومساعدة الناس في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. -------------- بقلم/عبد العزيز فرج عزو كاتب وباحث مصري