سقوط ضحايا ومصابين في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    ضغوط جديدة على بايدن، أدلة تثبت انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي في غزة    سيد عبد الحفيظ: أتمنى الزمالك يكسب الكونفدرالية عشان نأخذ ثأر سوبر 94    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    الخطيب يهنئ «سيدات سلة الأهلي» ببطولة الكأس    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشر والإنسان في اللسان العربي والقرآن
نشر في شباب مصر يوم 13 - 11 - 2017


دكتور / عبد العزيز أبو مندور
لم يكن – تأليفى لكتاب ( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) منذ أكثر من اثنى عشر ( 12 ) عاما قصدا الرد على كتاب الدكتور / عبد الصبور شاهين ( أبى آدم ) بسبب معارضته مع القرآن والسنة والعلم الصحيح فقط ؛ بل كان من خطتى أيضا أن أنقض بنيان التطورية والدارونية ، كما كانت رغبتى وخطتى أن أزلزل أركان النظريات المادية الملحدة بأشكالها المختلفة ؛ فضلا أنها اعتمدت الداورونية أصلا لها فى الفكر زعما أنها تدعيم مبادئ الإلحاد الخاوية .. !
تلك مقدمة ضرورية قبل ن أسمح لنفسى ولقارئي العزيز فى الضحك مما كتبه المستشار / أحمد عبده ماهر ونشر فى مجلة ( شباب مصر ) تحت عنوان ( البشرية والإنسانية ) .. فليس إلا تخريفات مراهق يزعم أنه مغكر إسلامي .. وفضائح لا يروجها التطوريون .. وأحمد عبده ماهر ومن على شاكلته أجمعين .. !
ذلك لأنه مازال يكرر كتابة أفكاره الفاسدة ويعتبرها علما .. فدائما ما يعاود هذه المغالطات الفارغة فقد سبق أن أفحمته بمقال سابق بعنوان : ( تحقير البشرية .. تطرف فكري خارق .. !)
ولكنه – وكما يبدو لم يرعوى .. فمازال يكرر تلك التخريفات .. ويسخر فيه من البشرية مرة أخرى .. فينظر لها باحتقار شديد ويصفها بأوصاف فجة لا تنسجم مع العلم الصحيح وتعارض القرآن الكريم والسنة المطهرة وكانها يتعمد ذلك مع أنه يستشهد بآيات بينات لا يعرف كيف ينزلها مواضعها العلمية المناسبة .. !ّ
وأنا لا أتجنى فقد زعم أحدهم أن البشرية تخالف الحضارة والعقل والإدراك وأنها بذلك ضد الإنسانية من حيث أن الإنسانية سلوك وحضارة .
وزعم انه كلما ارتقت إنسانيتك كلما كنت إنسانا سويا.
وبناء عليه كما ادعى هو : كلما ارتكست بها كلما كنت بشرا سويا لكنك بعيد عن الحضارة.( تلك عبارته ).
يقصد كلما نزلت عن طور الإنسانية تكون قد ارتكست وفشلت وانحدرت حتى صرت – حاشا وكلا – بشرا سويا .
وهو بذلك يضعن فى القرآن سواء بوعي أو بدون وعي ، وبطريق مباشر أو غير مباشر.
وعلة ردى هذه المرة أن أمثال هؤلاء ممن يجاهرون بتطرفهم الفكري بلا ضابط .. ولا رابط من عقل أو دين .. مازالوا يتابعون نظرية التطور الدارونية المادية فيريدون إحيائها – بوعى أو بدون وعي - مع أنها قد ماتت فى دولة المنشأ .. !
هذا ، وكان قد سبق لى أن أجهضها فى مهدها فى كتاب لى مدهش وعجيب بعنوان ( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) ؛ فمن ذلك نقض تلك المزاعم التى سقط غيها دكتور / عبد الصبور فى كتابه ( أبى آدم ) فى محاولته فاشلة للتفرقة بين البشر والإنسان من جهة المعنى والمفهوم ، فقدمت الدليل والبرهان على زيف تلك التفرقة ، ناهيك عن مخالفتها للعلم الصحيح والذوق الرفيع ظاهرا وباطنا فى الفكر والعقيدة والسلوك جميعا.
ومن جهة أخرى ، وهو الأهم والأخطر أنه وأمثاله ممن يسمون أنفسهم زورا ( قرآنيون ) يأخذون ألفاظا قرآنية مثل " بشرا سويا " دون دراية ولا علم ولا حلم ولا بينة ولا دليل نقلي أو عقلي.. فيستخدمونها فى غير ما وضعت له .. !
ومن ثم ، لم يكن الآن أمامي بد من أن أنقل لكم فصلا مستلا من كتابى ( أبو البشر آدم بين الروح والجسد ) أقدم فيه الدليل الذى يدعم توجهاتنا الصحيحة التى تنفى التفرقة بين لفظ البشر ولفظ الإنسان من حيث طبيعة الخلقة فهما اسمان ووصفان لشيء واحد هو آدم أبو البشر وابن آدم الإنسان .
قلت فيه : لم يكن قبل آدم عليه السلام أحد من جنسه، فهو أبو البشر، وأصل البشرية والنوع الإنساني كله،
وبهذه تنهار حجة الآوادم كما انهارت حجة الجماجم والمزاعم الدارونية المادية.
جئت فى ( الفصل الخامس ) وهو بعنوان :
( البشر والإنسان في اللسان العربى والقرآن )
فقلت :
ليس بين لسان البشر لسان أوضح ولا أصدق من اللسان العربى، فقد تبين لنا أنه لسان صوفى خالص (1)، يكشف عن الصلة الروحية بين لسان المحب وقلبه، فالعربية وعاء المعانى الجليلة وسبائك النظم البديع، وسجل الكلام المقدس، ومظهر الكمال الأبهى، وظرف الجمال الأسنى.
وبهذا الاعتبار، فهى الأقدر على تصحيح المفاهيم والأخطاء، ومعالجة شطحات الوهم، ووساوس النفس، وإتباع الهوى، وسقم العقول والأفهام.
ولما كان لكل جواد كبوة، ولكل إنسان سقطة، كان من رحمة الجليل سبحانه وتعالى وحلمه بعباده، أن فتح باب التوبة للمسرفين، فهو الباب الذى لا يغلق، خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض من جهة المغرب، فلا يغلق حتى تطلع الشمس منه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها (2) "
وقد انزعج الكثير من المثقفين أصحاب الرأى لتلك التفرقة التى قدمها الدكتور / عبد الصبور شاهين بين مفهوم البشر ومفهوم الإنسان، فقد جاءت بشكل مبالغ فيه، والغلط في ذلك ليس فقط بنسبته إلى القرآن الكريم، بل لأنه حاول بتلك التفرقة أن يبرهن على صدق مزاعمه فى أن آدم عليه السلام كان قبلة أحقابا من البشر عاشوا قبله سنين طويلة دون تكليف، يعنى همج وبهائم لا عقل لهم، وهذا ما أكده بالحرف ( ففى إطار البشرية لا تفريق بين المستويات 0000لأنهم كانوا مجتمعا حيوانيا، كل فرد فيه ككل فرد- ص101)
لا شك عندى أن هذه الفكرة (الشاهينية) ذات نزعة (شحرورية) كما أن لها صلة ما بأفكار (دسوقية) وهى فى جملتها - كما قلنا- وإن اختلفت المقاصد والحجج، نزعه دارونية مادية يروج لها الفكر الصهيونى من أجل تحقيق أهداف عنصرية.
وقد أثبتنا تهافت ما تستند إليه هذه المزاعم من حجج سواء كانت معطيات العلم الحديث والجماجم أو كانت الأساطير الوثنية في الأوادم.
ويبقى أن نكشف عن ضحالة وضآلة ووهن حجة التفرقة بين لفظ البشر والإنسان، فلقد ظن الذين عولوا على هذه التفرقة أن لفظ البشر يناسب المرحلة التى عاش فيها الناس همج لا عقول لهم دون تكليف.
أما لفظ الإنسان فهو يناسب المرحلة المتحضرة، أى مرحلة الإنسان العاقل،.
***
وهو ما يبغبغ به اليوم المستشار / أحمد عبده ماهر فهو ينقل الفاسد من القول على أنه صحيح .
قال تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ " ( البقرة : 11 )
***
ولعلهم بذلك لم يدركوا أنهم يؤيدون المزاعم الدارونية المتهافتة - بوعى أو بدون وعى - وحجتهم في هذه التفرقة، أن القرآن الكريم احتفل بوصف الإنسان في الوقت الذى لم يذكر فيه صفة البشر.
وكذلك زعموا أنه لا توجد لغة أجنبية واحدة إلا وتطابق بين مفهوم البشر والإنسان إلا اللغة العربية فقد فرقت بين لفظ البشر ولفظ الإنسان،
وأرادوا بهذه التفرقة أن ينتصروا إلى نزعتهم الدارونية، مع تظاهرهم بالتبرى منها.
ويبدو لنا أن تلك الحجة كغيرها، بل هى أوهن من بيت العنكبوت.
1 - آدم - البشر - الإنسان:
سنحاول هنا التعرف على معانى بعض الألفاظ ذات الصلة بهذه التفرقة المزعومة، حتى ينجلى الغبار ويعلم أفرس من لا يعلم أغرس تحته ت أم حمار، ويسلم الفكر العربى من هذا الخلط الذى يشوش عليه فطرته وفهمه في أخص خصوصياته.
***
2 - آدم أبو البشر:
وهو كذلك كما قلنا في اللسان العربى وغيره من اللغات الأجنبية، وهو اسم وصفة، فالاسم آدم اسم علم على ذات أبو البشر 0
أما الصفة فهى تعبر عن إشتداد السمرة، والأصل (أَدِمَ، أدماً وأَدْمَةً) أى اشتدت سمرته، فهو (آدم) فطابق الاسم المسمى بهذا الاعتبار.
الأدمة: السمرة، وأيضا باطن الجلد (من جهة اللحم)، وتطلق الأدمة على تربة الأرض، فيقال لوجه الأرض (أديم الأرض) .. (الآدمى) الإنسان، نسبة إلى آدم.
وهكذا نجد أن آدم اسم لأبى البشر، وهو اسم على مسمى يطابقه من حيث الصفة وهى السمرة، ويناسبه أيضا من حيث طبيعة الخلقة، فآدم جمعت عناصر طينته من جميع تراب الأرض .. ، وكأنى بالاسم آدم قد وضع ليناسب الوظيفة التى أنيطت به فهو .. - خليفة الله في أرضه، فجاء الاسم مناسبا للون بشرته ولون الأرض التى خلق منها واستخلف في عمارتها هو وأبناؤه من الكمل وراثة نبوية على أساس من العلم والعدل والسلام.
فآدم أبو البشر هو آدم خليفة الله تعالى في أرضه، وكل إنسان لا يعرف هويته إلا بنسبته إلى آدم، فيقال (آدمى) أى إنسان.
هذا بالإضافة إلى أن اسم آدم يدل على معانى لطيفة كثيرة أيضا منها ... (أدَمَ) فعل بمعنى أصلح وألف فيقال (أدم الله بينهما) كما يقال (آدم الله بينهما)
وبهذا الاعتبار يكون آدم عليه السلام قد جمع هاتيك المعانى النفسية النبيلة فناسب بذلك أيضا ما بينه وبين أهله وذريته، كما ناسب بينه وبين الأرض من علاقة الألفة والاتفاق 0
***
3 – الألفة علاقة فطرية بين الإنسان والأرض:
لعل الراحة التى يشعر بها الإنسان كلما اقترب من أهله وذوى رحمه، وكذلك كلما لامس الأرض بجسده تفيدنا في هذه المعانى، فالاقتراب من الأرض راحة وأمان يشعر بها الأطفال وكبار السن أكثر من غيرهم، فيلجأ الطفل إلى الاستكانة إلى الأرض - عندما يغيب عنه صدر أمه - كلما حزن أو غضب، ويلجأ الكهل إلى الأرض ليرُم عظامه كلما أحس بالتعب، فلا شئ يتحمله غيرها، لا الأولاد ولا دور المسنين 0 ولا أشك أن أعظم الراحة، تلك التى يجدها المصلى في سجوده لله تعالى، عبودية، وتذللا وخضوعاً.
ولا نشك لحظة أن علاقة الألفة بين الإنسان والأرض علاقة فطرية، فقد قرأت مؤخرا أن الأستاذ (فارض رحمة الله) وهو مخرج وصاحب ستديو سينمائي بنيويورك، وقد أسلم بعد معاناته من الأمراض النفسية التى لزمته مدة طويلة وسبب إسلامه كما يقول " كنت أسجد على الأرض دون أن أعرف شيئا عن الإسلام في ذلك الوقت ورآنى صديق أمريكى مسلم فقال لى إن هذا جزءا من صلاة المسلمين" ومن هذه اللحظة بدأ خطوات نحو الإسلام وأعلن إسلامه.
ومن ثم يكون آدم أبو البشر والإنسان قد جمع في ذاته بين الاسم والصفة، ولعل صفة البشر هى أعظم الصفات المناسبة لاسمه ، وهو أمر يدعو إلى الدهشة، ويعظم اللسان العربى على كل لسان.
***
4 - البشر:
لفظ يطلق على الإنسان وليس على شئ آخر غير الإنسان، سواء كان رجلا أو امرأة، وسواء كان للمفرد أو الجمع، أما المثنى فيقال " بشران " و (بشرين) بحسب الموقع من الإعراب.
وذلك في مثل قوله تعالى" فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدين " (المؤمنون: 7)
هنا جاء لفظ المثنى (بشرين) صفه لرسولي رب العالمين موسى وهارون عليهما السلام.
وهكذا، ومنذ البداية تطابق لفظ البشر والإنسان، فلا داعى لهذا اللجاج السوفسطائي بأن كل إنسان بشر وليس كل بشر إنسان.
هذا ما لم تصرح به فصاحة العرب، وما لم يخطر في ذهن أحد إلا من استهوته الفذلكة الفكرية الفاسدة والجدل العقيم وخلف وراءه كنوز الثقافة العربية وعناصر حضارتها ورقيها وعناصر تقدمها في العلم والمعرفة والأخلاق جميعاً.
بل إننى أتصور أن لفظ البشر يناسب آدم أبو البشر، فهو يناسبه كمناسبة الظاهر للباطن0
وذلك من وجوه أهما :
1- البشر: الخلق.
2- والبشر: ظاهر الجلد، يعنى ظاهر الأدمة
3- والتباشير في كل شئ أوائله ، فهو بهذا صفة لآدم ، فهو أول موجود بشرى خلقة الله تعالى، وسماه بشرا، فقد امتن الله تعالى عليه دون سواه بأن خلقه بيديه، فكانت هذه المباشرة سر التسمية (بشراً) وهو بعض ما فهمناه من أقوال العارفين بالله.
يقول عز من قائل" قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين "
(صّ: 75)
وجاء في أحاديث الشفاعة " وتدنوا الشمس، فيقول بعض الناس " ألا ترون ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم، ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس " أبوكم آدم " فيأتونه فيقولون " يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك " الحديث (1)
وفى رواية أخرى جاء قوله صلى الله عليه وسلم " أنت أبو الناس "
وجاء أيضا زيادة على ما سبق من خصائص " وعلمك أسماء كل شئ "
انظر أيها المحب الصادق وتأمل، وأقرأ ما جاء في الحديث النبوى الشريف مرة ومرة، يستبين لك أن آدم عليه السلام هو أبو البشر دون سواه، فلم يكن قبله أحد من جنسه. هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية، فآدم أبو البشر هو نفسه آدم أبو الناس، فالبشر والناس في الحديث الشريف بمعنى واحد.
إذن ، فلا فرق بين لفظ البشر ولفظ الإنسان، فالناس جمع والإنسان مفرد ولا جمع لها من لفظها كلفظ المرء والمرأة.
فالإنسان من الأنس أى البشر.
ويقال للرجل إنسان وكذلك يقال للمرأة إنسان ولا يقال لها إنسانة ويقال للرجل إنسي ويقال للمرأة إنسية والجمع أناس.
وتصغير إنسان (أنيْسيان) وكلها تفيد معنى البشر. وإنما سمى إنسانا من كثرة النسيان كما يقول ابن عباس رضى الله عنهما.
والنسيان صفة نقص.
والحق أن لفظ الإنسان ما ذكر في القرآن الكريم إلا ليدل على صفة نقص في بنى آدم باستثناء أصل الخلقة.
يقول عز من قائل " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " (التين: 3)
وقد تكرر ذكر لفظ (إنسان) ما يقرب من (65) مرة، فالإنسان كفور وكفار وظلوم وجهول، وضعيفا، وأكثر شئ جدلا، وقتورا وعجولا.
وجاء لفظ الجمع (أناسى) مرة واحدة، وذلك في قولة تعالى " ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسى كثيراً " (الفرقان:49)
كما تكرر لفظ الجمع (أًناَسْ) عدد خمس (5) مرات في مثل قوله تعالى " قد علم كل أناس مشربهم " (البقرة: 60)
و (أناس) لغة في (الناس) التى تكررت بلفظها بما يقرب من (241) مرة.
ويجمع الإنسان أيضا على (إنس) بمعنى البشر، وقد تكرر لفظ الإنس (18) مرة مقترنا بلفظ الجن في معاني متقاربة معظمها مذمومة، فمنهم شياطين الإنس والجن أعداء الأنبياء عليهم السلام، وهم يستمتعون ببعض، وهم محل التوبيخ والكفر، وكثير منهم مصيره إلى النار مخلدا فيها.
ولم يمدح الإنس والجن مقترنين إلا من حيث الغاية التى خلقهم الله سبحانه وتعالى لها وهى توحيده و عبادته وحدة لا شريك له ومحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذكره بذكره سبحانه.
يقول عز من قائل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات: 56)
فهم محلا للمدح إذا أوفوا بهذه الغاية العليا، وإلا فهم محل الذم وإلى النار يسحبون.
ومن ثم فإن القرآن الكريم لا يذكر (الإنس) إلا بالذم والنقص والعجز والتقصير لمخالطتهم شياطينهم من الجن والعصاة والميل مع حزب الغفلة والنسيان والعمى.
إذن لفظ (إنسان) لفظ مفرد ليس له جمع من لفظة، فيجمع على (أناسي) و (أناس) وهى لغة في (الناس) كما يجمع على (إنس) ومفردها وواحدها (الإنسي) .
وبهذا يكون لفظ (الإنسان) مرادفا للفظ (الإنسي) وقد جاء لفظ (إنسيا) مرة واحدة فقط في آية واحدة فقط.
ولكن - ما لفت نظرى بشدة، أن هذا اللفظ (إنسيا) يطابق لفظ (البشر) الذى جاء في ذات الآية مطابقة تامة.
يقول عز من قائل في حق مريم البتول أم عيسى عليه السلام " فكلى وإشربى وقرى عينا فأما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " (مريم: 26)
آية واحدة فريدة جمعت اللفظين (بشرا) و(إنسيا) في تعانق تام وتناسق مدهش وتتطابق كامل 0
وبذلك تكون البشرية والإنسانية قد اجتمعت في شخص واحد.
وبهذا أيضا لا يكون ثم فرق بين لفظ (البشر) ولفظ (الإنسان) في المعنى العام في اللسان العربى والقرآن.
ويكون اللسان العربى كغيره من ألسنة البشر لم يفرق بين اللفظين من حيث المعنى العام، وهو ما ( تناولناه ) بعد الفراغ من هذا البيان 0
واقرأ الآية الكريمة مرة أخرى، ولا تعبأ بفذلكة الكلاميين المعاصرين وزعمهم أن كل إنسان بشر وليس كل بشر إنسان، فهو لجاج عقلى حائر.
يقول عز من قائل في توبيخه لليهود والنصارى " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" ( المائدة: 18)
انظر أيها اللبيب الفطن وتأمل قوله تعالى " بل أنتم بشر ممن خلق "
وتأمل جيدا ودقق فى قوله سبحانه " ممن خلق "
***
بل إننى أحيل المشاغب إلى سورتى الحجر والرحمن، ففى كل منها اليل القاطع على تتطابق اللفظين على ذات الآدمى، فهما كالأسماء المتكثرة والمسمى واحد، ولا شك عندى أن اللفظين مترادفين من حيث الذات، وليستا مترادفتين من حيث الصفات، فلكل من اللفظين خصوص وصف ليس فى الآخر، وإلا فالعين واحدة 0
يقول عز من قائل " ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون " (الحجر: 26)
جاء بلفظ الإنسان ومادة خلقة، صلصال من حمأ مسنون، وذلك فى مقابلة خلق الجان وبيان مادة خلقه، من نار السموم 0
ومادة خلق كلا منهما لا تخلوا من صقات الذم، فالذم فى مادة خلق الإنسان واقع على الحمأ المسنون دون حالة الصلصال0
وكذلك وقع فى مادة الجان على نارالسموم دون النار0
وهذا يعنى أن مادة خلق الإنسان قابلة منذ البداية للذم والحمد، وكذلك مادة خلق الجان، فحتى الآن لم يتميز خلق عن خلق، إلا من حيث المادة0
ورغم أن الصورة قد اتضحت بجلاء لا لبس فيه ولا غموض، إلا أنه كان علينا أن نأتى إلى الآيات فى سورة الرحمن لتكتمل الصورة، ويخرص الباطل0
يقول عز من قائل " خلق الإنسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار " (الرحمن: 14 - 15)
ذكر مادة خلق الإنسان فى مقابلة مادة خلق الجان، وإن كانت مادة كل منهما جاءت هنا على حالة نقية خالصة من الشوائب، لعل ذلك بسبب تمام القابل وتهيئه لنفخ الروح فيه0
وتأتى آيات ربنا سبحانه وتعالى بعد بيان االتقابل بين مادة الخلق فى كلا من الإنسان والجان، إلى بيان التمايز بينهما، فليسا سواء فى الفضل، فقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بأن نوه بذكره قبل خلقه، وهو ما لم نجده لأحد من خلقه لا فى كتاب ولا سنة، إلا أن يكون مدحا للملائكة على طاعتهم لله سبحانه وتعالى، فهم من عالم الأمر 0
يقول سبحانه " وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعين * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " (الحجر: 28 - 31)
جاء بلفظ البشر فى موطن الفضل و التكريم، فتأمل!
وما ذكر الجان فى هذه الحضرة إلا بالذم بسبب حسد إبليس لآدم عليه السلام وتكبره و تمرده وعصيانه للأمر 0
" قال يا إبليس ما لك ألا تكون من الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون " (الحجر: 32 - 33)
تخابث المطرود، وعاب مادة خلق البشر، وجعل ذلك حجة العصيان و عدم السجود0
***
لقد بان لك الآن وهن وتهافت تلك المحاوله الغريبة على لسان العرب بخاصة و الفكر الإسلامي السليم بعامه؟!
ويحسن هنا أن نلفت أنظار محبى الحقيقة، أن القرآن الكريم لم يذكر لفظ (البشر) بصفة نقص إلا فيما ندر.
***
5 - الصفات البهيمية فى الإنسان بين المدح والذم:
أخطأ البعض إذ تصور أن البشرية في آدم جاءت لتناسب الصفات البهيمية التى يشاركهم فيها الحيوان كالمأكل والمشرب والمنكح كما اخطأ إذ ظن أن هذه الأحوال مذمومة 0
ولا نجد ما نقوله لمن يزعمون الاجتهاد، فلو كان هذا فهما للعامة لصححناه لهم، أما أن يكون فهما لمن تخرج فى المعاهد العربية، فتلك هى الكارثة.
يقول عز من قائل " كلوا واشربوا من رزق الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين " (البقرة: 60)
ويقول سبحانه " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " (البقرة: 187)
ويقول سبحانه للصديقة مريم عليها السلام : " فكلى واشربى وقرى عينا " ( مريم: 26)
***
ترى هل تكون تلك الصفات من الأكل والشرب وغيرها من صفات البشرية صفات مذمومة كما يبغبغ المستشار والمفكر افسلامي المزعوم / أحمد عبده ماهر ؟
كيف يقل ذلك غاقل وهى صفات قد وصف بها الأنبياء و المصطفين الأخيار الكمل من بنى آدم من الصديقين والشهداء والصالحين .
***
ولو كان الطعام صفة ذم والشراب، ما كان من أفعال الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين.
ولكن - المشركين ظنوا أن تلك الأفعال من الرسل صفه ذم ونقص فقالوا كما يحكى عنهم القرآن الكريم " مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق " (الفرقان: 7)
وما كان اعتراضهم إلا جدلا وتشكيكا، في الدعوة، فلا يعقل أن يكون الرسول بشراً مثلهم.
وذلك في قولهم كما يحكى القرآن الكريم " ما هذا إلا بشر مثلكم ، يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون" (المؤمنون: 33)
فقد ظنوا أنهم بهذه الحجة السخيفة، قد نقضوا التفاضل بينه وبينهم0 ولم يفهموا أن التفاضل بصفة أخرى تفوق البشرية ، هى صفة النبوة والرسالة .
يقول عز من قائل لحبيبة صلى الله عليه وسلم " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى " (الكهف: 110)
ومن ثم فالذم في الآيات ليس لصفة البشر من المأكل والمشرب والمنكح.
ولا تذم هذه الأفعال لأنها مشتركة بينهم وبين الحيوانات ، فهى ليست صفة ذم في البهائم والحيوانات ، ولا في البشر، وإنما الذم يعود على الإسراف والإفساد في الأرض.
ويبدو أن لفظ (البشر) إذا جاء في القرآن الكريم لا يأتى إلا بصفة مدح في الغالب، فقد تكرر ما يقرب (26) مرة بذات اللفظ بخلاف ألفاظ الإسناد والاشتقاق.
ومرة واحدة بصيغة المثنى (بشرين) كما سبق بيانه. وعشر مرات أفرد فيها لفظ (بشراً) فيكون المجموع (37) مرة تقريبا.
إذن البشر لفظ يستخدم للمفرد والجمع والمذكر والمؤنث جمعياً، والمثنى منه (بشران) و (بشرين) بحسب الموقع من الأعراب.
هذا بالإضافة إلى أن البشرية صفة مدح في أصلها ، فما سمى آدم عليه السلام بشراً إلا لأن الله سبحانه وتعالى باشر خلقه بيديه. وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.
( وعلى الله قصد السبيل )
دكتور / عبد العزيز أبو مندور
كاتب وباحث وأديب
ومحاضر فى الفلسفة والتصوف وعلم الخلاق بكلية الآداب والتربية جامعة الزاوية بليبيا السابع من إبريل سابقا .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.