د. يسرا محمد سلامة فتح فوز مصر على الكونغو وصعودها إلى كأس العالم للمرة الثالثة في تاريخها العديد من الموضوعات التي أُثيرت بشكلٍ مُبالغ فيه نوعًا ما، فكرة القدم رياضة مثلها مثل أي رياضة أخرى لها عُشاق ومتابعين على مستوى العالم، أينعم قد تكون هي الرياضة الأبرز والقاسم المشترك لكثيرٍ من الدول في ممارستها – لأننا قد نجد رياضات غير معروفة سوى في دولٍ مُعينة ولها في هذه الدول شعبية كبيرة جدا، مثل الرجبي، والسومو، وكرة الريشة، والهوكي بنوعيه (الجليد، والعشبي) - إلا أنّها في نهاية المطاف لعبة، تصور البعض هنا في مصر، أنّ كرة القدم لها فلسفة خاصة "متخلفة قليلاً" في طريقة تشجيعها وتعامل المصريين معها، إلا أنها ليست كذلك نهائيًا. فقد قرأت تعليقًا على وسائل التواصل الاجتماعي مفاده أنّ الإنجليز قد صعدوا إلى كأس العالم وكفى، لم يتم تكريم الفريق ولم تقم الاحتفالات لذلك التأهل ولم يُصرف لهم المكافآت، ولم .. ولم .. ولم ........ نحن فقط من نأخذ كرة القدم على هذا المحمل من التعاطف، ولدينا معها رابط قوي مختلف عن الدول الأوروبية، وأقول لمن كتب / كتبت هذا التعليق ومن يتداوله، ألم تعلموا ماذا حدث لكرة القدم في إنجلترا ومُشجعيها موسم 1985 / 86، ألا تعرفوا جنون تشجيع جماهير الكرة الإنجليزية في أي مونديال، هل لم تتابعوا التحضيرات الأمنية التي تسبق وجود المشجعين الإنجليز في أي مدينة تُقام عليها مباريات فريقهم؟!!. مُشكلتنا الكُبرى كمصريين، أننا لدينا إفراط غير طبيعي في كل شئ، لا نأخذ أي شئ بمبدأ التوازن، نعم من حقنا أنْ نفرح بتأهل منتخبنا إلى كأس العالم، من حقنا أن نفخر بوصولنا إلى المونديال مثلنا مثل دول أخرى لها بيع طويل وشهرة ذائعة الصيت في هذه اللعبة، فهؤلاء اللاعبين لا يقل مستواهم عن المستوى العالمي، ومن حقهم تواجدهم مع كبار اللعبة في مونديال روسيا، مثلهم مثل البرازيل والبرتغال والأرچنتين، وغيرهم، لكن الإعلام المصري هو من يُضخم كل حدث وأي حدث، ويجعل من أي خبر حديث الساعة يتناقله القاصي والداني، رغم أنه خبر عادي، لو تم نشره في أي دولة أخرى، لن يأخذ هذه القيمة ولا هذا الحجم من التداول، بل من الممكن أنْ يَمر مرور الكرام. مثال على ذلك، صورة الشاب الذي ظلّ يبكي أثناء ركلة الجزاء قبل تسديد محمد صلاح لها، هذا من المفترض له اسم واحد فقط وهو "الشغف" بكرة القدم، ولو ركزت عدسة الكاميرا على أي شخص آخر في هذه اللحظة ستجد آلاف أخرى تبكي، فالبكاء بدأ مع تسجيل الكونغو لهدف التعادل أصلاً، وكان في البيوت قبل أنْ يكون في المدرجات، فلم هذا التهليل غير المبرر من وسائل الإعلام على بكاء هذا الشاب؟!، فالشغف أمرٌ عادي في عالم الساحرة المستديرة، وهو ليس بتلك الأهمية التي تناقلها إعلامنا، وفالخارج لا يُحسب له حساب إلى هذه الدرجة، أيضًا التعليق على خبر منح مكافآتٍ للمنتخب بعد الصعود، ومع كامل احترامي للخبر، لكن لا يليق بإعلامنا تداوله بهذه الطريقة، التي سمحت لانتشاره بأشكالٍ عديدة على صفحات الانترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، منها الذي سخر من الرقم المذكور، ومنها من طالب بعدم أحقية حصول اللاعبين على مثل هذا الرقم؛ فهم محترفون يتقاضون أجورًا خيالية، وصراحةً وجب على الإعلام الاكتفاء بالتكريم المعنوي في ذلك التوقيت الذي حصل عليه اللاعبون - لسبب بسيط - أنّ قيمة التكريم المعنوي أهم وأعظم من التكريم المادي، ولأنّ من البديهي أنْ يكون هناك تكريمٌ مادي، لكن ما شأن المواطن العادي به؟!. سخرية الكثيرين من الرقم الذي أثير تنم عن جهل شديد، ليس بسبب مصدر الأموال، ومن أين سيتم الحصول عليها – فهذا أمر قد حُسم وتمّ شرحه – بل بسبب رؤية هؤلاء بعدم أحقية اللاعبين في الحصول على أي مكافأة، مع العلم أنّ كل الدول ستكرم فرقها، كل اتحادات الكرة لدى مدربيها الذين تعاقدت معهم شرطًا يسمح لهم بالحصول على مكافأة كبرى في حالة الصعود لكأس العالم، إلا أنّ ذلك الأمر لا يكون مثارًا أبدًا للتداول من قِبل وسائل الإعلام؛ لأنه أمر عادي ومتوقع، ومن يتعب ويصل يجب أنْ يُكافأ، ولنا أنْ نتذكر الأزمة التي أثارها صامويل إيتو النجم الكاميروني الشهير هو ورفقائه مع اتحاد الكرة في بلادهم؛ بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم ومكافآت فوزهم في مباريات تصفيات كأس العالم، وهم نجوم كبار في فرقهم الأوروبية، يحصلون على ملايين عديدة، ومن المفترض أنهم لا يأبهون بمكافآتٍ من اتحادهم، إلا أنّ مسألة التقدير مهمة على الصعيدين المادي والمعنوي، وهي نقطة يجب أن نتفهمها جيدًا، ولا ننكر على هؤلاء اللاعبين ما يستحقونه، فقد بذلوا الجهد والعرق. يتصور المصريون أنّ كرة القدم لعبة لا يُعتد بها، إلا أنها في الدول الأخرى التي يستشهد شباب التواصل الاجتماعي بتحضرها، ليست لعبة، هي مهنة يحترفها اللاعبين لتصبح مصدر رزقهم الوحيد، ينتظمون في تدريباتها ويلتزمون بقوانينها التي يَسنها المدربين والأندية، مثلها في ذلك مثل أي عمل آخر يتم امتهانه، وإذا لم تستوعبوا هذه الفكرة فلتنظروا لمحمد صلاح ومحمد النني، وسترون بأنفسكم صدق ما أقوله. ارتقوا يرحمكم الله .. فالقاع ازدحم د. يسرا محمد سلامة عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية