محمد عبدالرازق محمود عطية جميع الناس يعرفون الكثير عن تاريخ مصر القديمة وعن المصريين القدماء ويعلمون أن عددًا كبيرًا من المؤرخين والباحثين المصريين والأجانب ألفوا العديد من الكتب التي تتحدث عن تاريخ المصريين القدماء في ضوء ما وصلنا من آثارهم. لكن هل هناك أحد من غير دارسي الحضارة المصرية القديمة دار بباله أنَّ المصريين القدماء أنفسهم ألفوا كتبًا تتحدث عن تاريخهم وحضارتهم؟ هذه هي الحقيقة. إنَّ المصريين القدماء لم يهملوا كتابة تاريخ أجدادهم لكي يأتي من بعدهم بآلاف السنين من ينقب عنهم وعن آثارهم لكي يعرف تاريخهم، بل كان منهم مَنْ يهتم بين الحين والآخر بكتابة تاريخ أجداده وتاريخ مصر في عصر الملوك السابقين، فقد عثر الآثاريون أثناء تنقيبهم عن الآثار منذ القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن على آثار مصنوعة من الحجر ومن ورق البردي مكتوب عليها تاريخ مصر في العصور التي سبقت زمن نحت هذه الأحجار أو كتابة هذه البرديات. وقد اصطلح العلماء على تسمية هذه الآثار بقوائم الملوك لماذا؟ لأن كل أثر كان مكتوبًا قائمة بأسماء ملوك مصر السابقين وترتيبهم وتسلسلهم الزمني على مدار تاريخ مصر في العصور السابقة لعصر كتابة القائمة وأحيانًا كانت القائمة تذكر بجوار كل ملك إنجازاته التي قام بها وما وقع في عهده من الأحداث الهامة في تاريخ مصر ولا أظن أنَّ أحدًا في العالم سبق المصريين القدماء في هذا الأمر. حقًا كان كل ملك في العالم يقوم بتسجيل إنجازاته وأعماله لكن أن يقوم أحد الملوك بتسجيل تاريخ بلاده وأعمال وإنجازات أسلافه طوال تاريخ بلاده كله فقد كانت مصر من أوائل الدول التي سبقت العالم في هذه الأمر. ومن قوائم الملوك المصرية – التي يعتبرها الباحث أقدم كتب تاريخ عرفها العالم – قائمة سقارة. قائمة سقارة هي لوحة ضخمة من الحجر تم العثور عليها في منطقة سقارة بالدلتا ( لذلك سميت قائمة سقارة )، في مقبرة شخص يُدْعَى ثُونوري تم العثور على اسمه مكتوبًا على هذه القائمة. هذه اللوحة معروضة الآن بالمتحف المصري بالقاهرة ويبدو من مظهرها الخارجي أنها كانت مهشمة وتم ترميمها. تحتوي قائمة سقارة على أسماء 58 ملكيًا يمثلون ملوك مصر طوال عصرها منذ الأسرة الأولى وحتى الأسرة التاسعة عشرة، حيث تبدأ القائمة باسم الملك "مر با بن" سادس ملوك الأسرة الأولى وتنتهي باسم الملك "وسر ماعت رع ستب إن رع" وهذا هو أحد أسماء الملك "رعمسيس الثاني" ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة مما يدل على أن هذه القائمة ربما تنتمي إلى عهد الملك رعمسيس الثاني. من مميزات هذه القائمة أنها تتكون من وجهين أحدهما منحوت عليه خراطيش مكتوب داخلها أسماء ملوك مصر القديمة والوجه الآخر منحوت عليه كلام يتحدث عن تاريخ مصر القديمة وحضارتها، كذلك نجد فوق كل خرطوش صورة نبات يُقْرَأُ في اللغة المصرية القديمة "سو" وبجوارها صورة رجل جالس له ذقن غير معقوفة ويرتدي التاج الأحمر – تاج الوجه البحري – أو التاج الأبيض – تاج الوجه القبلي – ونرى على هذه اللوحة أن الخرطوش الذي فوقه رجل يرتدي التاج الأحمر يكون الخرطوش المجاور له فوقه رجل يرتدي التاج الأبيض والعكس صحيح. ويرى الباحث أن صورة نبات السو والرجل الذي يرتدي التاج الأحمر أو الأبيض ربما تعبر عن اللقب النسوبيتي – الذي هو أحد الألقاب الملكية التي معناها ملك مصر العليا والسفلى – وذلك لسببين: أولهما أن اللقب النسوبيتي يُرْسَمُ على شكل نبات السو وبجواره نحلة – والتي تُقْرَاُ في اللغة المصرية القديمة بيت – فالنبات "سو" يرمو للصعيد والنحلة "بيت" ترمز للدلتا والاثنان "نسوبيت" يرمزان لملك الصعيد والدلتا، لكن البعض يرى أن هذا اللقب من الممكن كتابته على شكل صورة التاج الأحمر أو التاج الأبيض بدلا من النبات والنحلة، ونحن هنا نرى صورة النبات وبجواره رجل يرتدي التاج الأحمر أو رجل يرتدي التاج الأبيض. ثانيهما هو أن لقب رعمسيس الثاني "وسر ماعت رع" المذكور في قائمة سقارة نراه في بعض آثاره مسبوقًا بعلامة النسوبيتي "النبات والنحلة" مما يدل على أن العلامة المرسومة فوق الخراطيش هي علامة النسوبيتي. الأكثر أهمية هنا – وهو ما تتميز به قائمة سقارة عن بقية القوائم الملكية – أن كل القوائم الملكية تبدأ باسم الملك "مينا" أول ملوك الأسرة أما قائمة سقارة فتبدأ باسم الملك "مر با بن" سادس ملوك الأسرة الأولى وهنا السؤال يثير نفسه : لماذا تجاهلت قائم سقارة الملوك الخمسة الأوائل؟ هنا يعتقد البعض أنه لأن ملوك الأسرة الأولى كانوا من الصعيد وأخذوا الدلتا بالحرب والقتال – كما هو واضح من صلاية نعرمر – فربما كان لملك الدلتا المهزوم وأسرته أنصار في الدلتا لم يعترفوا بشرعية حكم هذه الأسرة إلا في عهد سادس ملوكها وبالتالي سادس ملوك هذه الأسرة يعتبر في نظر أهل الدلتا اول ملوكها، لكن هذا يظل مجرد تخمين لا أكثر. إنَّ قائمة سقارة هي بحق من أهم وأعظم كتب التاريخ التي ألفها المصريون القدماء عن تاريخ بلادهم وتوصل إليها الآثاريون في العصر الحالي. أحد آثار الملك "رعمسيس الثاني" ومذكور في أعلاه لقبه "وسر ماعت رع ستب إن رع" تحت علامة النسوبيتي "النبات والنحلة" مما يؤكد أنه قد يكون اللقب النسوبيتي للملك.