أصبح الحديث في وسائل الإعلام الجزائرية وحتىَّ العربية ولدى الخبراء والمحللين السِّياسيين ورؤساء الأحزاب السِّياسية وغيرها منصباً ربما في بعض جوانبه عن الحديث حول إمكانية أحداث تغيير جذري في البنية الهيكلية السّياسية والاجتماعية في البلاد وعن مدى جدية الحكومة الجزائرية والسُّلطات العليا في الجزائر في تغيير الأوضاع الحالية وإعطاء ضمانات كافية لكل الفواعل الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني والنخب الوطنية في إجراء حزمة من الإصلاحات القانونية والسّياسية والاجتماعية وترشيد النفقات الاقتصادية بما يضمن الانتقال تدريجياً من دولة ريعية بترولية تعتمد على المواد الطاقية في تمويل خزينتها العمومية إلى دولة اقتصادية حرة تعتمد على الاقتصاد المفتوح والمعتمد على الشركات الخاصة والاستثمارات الوطنية والأجنبية وتنويع مصادر الدخل وبناء قاعدة صناعية وإنتاجية صلبة يكون عمودها الأساس اقتصاد يزاوج بين التكنولوجيا الحديثة والصناعات والخفيفة والمتوسطة والصناعات الثقيلة التي يجب أن تكون ضمن الأولويات المسطَّرة في برنامج الحكومة الاقتصادي. فرغم كل الإجراءات التحفيزية التي قدمتها الحكومة الجزائرية في السنوات الفارطة ولكن نسبة المشاريع الاقتصادية الاستثمارية المحلية لم تجاوز رقم 59563 مشروعاً استثمارياً حتىَّ بداية السنة الحالية أي ما يمثل نسبة 99 بالمائة من قطاع الاستثمار الوطني والتي توفر حوالي 904762 منصب شغل و تدر أكثر من9100521 مليون دينار سنوياً فيما لم يتجاوز عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية 676 مشروعاً أي ما يمثل نسبة1بالمائة من المشاريع الاستثمارية الإجمالية في الجزائر وهي ما أدى إلى خلق 129254 منصب شغل و توفر حوالي2471691 مليون دينار لتسيير العجلة الاقتصادية المالية لجزائر وهي أرقام لا تعكس إطلاقاً الإمكانيات الكبيرة التي تزخر بها البلاد اقتصادياً ويؤكد الخبراء الاقتصاديون في الجزائر بأنَّ البلاد يجب أن تتخطى حاجز2 مليون مؤسسة اقتصادية صغيرة ومتوسطة حتىَّ تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المجالات الاقتصادية، وهذا ما تطمح إليه الجزائر رغم كل الصعوبات الاقتصادية وحالة الفساد التي تعصف بالمؤسسات الوطنية وفي جميع القطاعات وهو ما يضع هذه الإصلاحات الاقتصادية أمام المحك قبل نهاية العهدة الرئاسية الرابعة لرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 2019 . أماَّ على المستوى السِّياسي والاجتماعي فإنَّ التغييرات التي طالت الكثير من المؤسسات السِّياسية وتغيير الكثير من الإطارات السامية في الدولة وإجبار رئيس الحكومة الحالي السيِّد عبد المجيد تبون لكبار المسئولين والوزراء والسفراء بضرورة الحديث بالغة العربية بدل الفرنسية في وسائل الإعلام المحلية وقيام وزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام الاتصال السيِّدة هدى فرعون بإصدار تعليمة وزارية تقضي بأن تكون فواتير الهواتف والانترنت باللغة العربية بدل الفرنسية كذلك وتخصيص الحكومة الحالية لفرق مراقبة فجائية تكون تحت سلطة الوزير الأول لمراقبة عمل الولاة ورؤساء الدوائر ..الخ من الإصلاحات التي تحاول الحكومة من خلالها تغيير الوضع السِّياسي للبلاد، أما اجتماعياً فإنَّ الحكومة تدرس تعزيز الجبهة الاجتماعية بميزانية تقدر بأكثر من 160.8 مليار دينار جزائري أي ما يمثل نسبة 23.7 بالمائة من الميزانية الحالية مع التفكير في رفع الدعم تدريجياً عن الكثير من السِّلع الاستهلاكية الضرورية، وجعل الدعم موجهاً وذلك لكي تستفيد منه العائلات المعوزة والفقيرة فقط في ظلِّ تراجع حاد في مداخيل الخزينة العمومية بالنظر إلى التراجع الكبير في إيرادات النفط في حدود 23 مليار دولار لهذه السنة. فالجزائر والتي تمر بفترة صعبة جداً اقتصادياً عليها أن تؤخذ بالحسبان بأنَّ الأزمة الاقتصادية العالمية والتي أصابت اقتصاديات معظم دول العالم ستستمر بالضغط على الاقتصاد الوطني وعلى القائمين على تسيير شؤونها أن يبذلوا مجهودات أكبر من أجل تحقيق التغيير المنشود منذ زمن والانتقال إلى الجمهورية الثانية التي تجعل من الإصلاح والتغيير أحد الدَّعائم الأساسية التي تقوم عليها الدولة الحديثة. لأنَّ الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام والاعتماد على شراء السِّلم الاجتماعي والتغاضي على الفساد وما ينجر عنه من كوارث اقتصادية واجتماعية أدت إلى فشل تنموي والعجز عن استغلال الموارد المالية الاستغلال الأمثل وهو ما انعكس سلباً على تطوير الحياة المجتمعية وانغلاق وجمود سياسي كبير، وعزوف عن المشاركة في الحياة السِّياسية التي تعتبر أحد المنافذ الرئيسية في صناعة العملية التغييرية الفعالة في البلاد. وإذا كانت السلطات السِّياسية تؤكد بأنها جادة في مسعاها لإحداث إصلاحات عميقة في كافة المجالات والميادين ولكن التجارب الفاشلة السَّابقة وعدم الإيفاء بالكثير من وعودها يطرح الكثير من علامات الاستفهام؟ عند المواطن البسيط قبل غيره من النخب المثقفة عند مدى جديتها في ذلك خصوصاً إذ أخذنا بعين الاعتبار التحديات الأمنية التي تعصف بالبلاد، والتي أصبحت تستهلك الجزء الأكبر ربما من الميزانية العامة لحكومة والاستمرار في فرض المزيد من الضرائب برسم قوانين المالية لسنة 2016-2017 والتي أصبحت تثقل كاهل الكثيرين وأدى ارتفاعها إلى غلق الكثير من المؤسسات التجارية والاقتصادية التي عجزت عن تسديدها فتحقيق التغيير المنشود يتطلب إرادة سياسية وعملاً مستمراً ومضنياً و تضافر جهود الجميع وهذا يضر بمصالح الكثير من المتنفذين المستفيدين من استمرار الوضع الحالي بالتأكيد. عميرة أيسر-كاتب جزائري