بداية تاريخية للعام الدراسي الجديد والانضباط عنوان المرحلة.. المدارس تستقبل الطلاب بصورة مثالية.. ومتابعة دقيقة من الوزير محمد عبد اللطيف على أرض الواقع    مؤشر الدولار الأمريكي يسجل 97.65 نقطة للشراء خلال تداولات اليوم    رسميًا.. موعد صرف المرتبات 2025 للموظفين لأشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر    محافظة الجيزة: إزالة العوائق بمحيط مدرسة ترسا الجديدة بالطالبية    بشارة بحبح: تلقيت إشارات من حماس بشأن العودة إلى المفاوضات وإسرائيل لم ترد    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء أكثر من 550 ألفا من سكان مدينة غزة    "الفاشر تحت الحصار".. هجمات دامية وتفاقم إنساني في دارفور(فيديو)    الدوري الإسباني، تقارير تكشف سر استبعاد راشفور من تشكيل برشلونة أمام خيتافي    منتخب ناشئات اليد يتوج ببطولة أفريقيا على حساب تونس    العرب بلا ذهب للمرة الأولى منذ 10 سنوات في مونديال ألعاب القوى    تجديد حبس 4 أشخاص لترويجهم مواد مخدرة ببولاق الدكرور    "الشؤون الدينية" تُعلن التسجيل لرخصة التطويف بالمسجد الحرام    الصرصار الأمريكي!    دمهم خفيف.. 5 أبراج هتملى حياتك ضحك وسعادة    والدة هنا الزاهد تحتفل بخطوبة ابنتها الصغرى برسالة مليئة بالحب    بفستان مثير.. مي سليم تخطف الأنظار في أحدث ظهور    هل الكسوف والخسوف غضب من الله؟ الأزهر للفتوى يجيب    دار الإفتاء: زواج الأخ من زوجة أخيه جائز بشرط    في اليوم العالمي لمرض ألزهايمر، 7 عوامل خطورة تزيد من احتمالية الإصابة    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى المنزلة ويوجّه بحزمة إجراءات عاجلة    محافظ المنيا ورئيس هيئة الرعاية الصحية يبحثان تطبيق التأمين الصحي الشامل وتطوير الخدمات الطبية    «فادي فريد يقود الهجوم».. الظهور الأول لتامر مصطفى لقيادة الاتحاد السكندري في مواجهة زد بالدوري (صور)    عبير صبري زوجة خالد الصاوي في زمالك بولاق.. وجلسة تصوير تضعها فى صدارة التريندات    وزير العمل: جهود مكثفة لمواجهة شركات التوظيف الوهمية وحماية الشباب    ايتيدا تفتح باب التقدم للشركات الناشئة للمشاركة في Web Summit 2025 بمدينة لشبونة    عضو مركز الأزهر: ثلاثة أوقات تُكره فيها صلاة النفل بلا سبب    دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة يناير 2026    بالمستند.. اكاديمية المعلم تقرر مد فترة التدريبات وحجز اداء الاختبارات امام اامعلمين للحصول علي شهادة الصلاحية    رسميًا.. اللواء أشرف نصار رئيساً لنادى البنك الأهلي والسرسي نائبًا    ثلاثة عوامل خطرة تزيد من احتمال الإصابة بمرض الكبد الدهني القاتل    موعد صلاة العشاء ليوم الأحد .. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    العراق يشغل أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية جنوبي بغداد    شريهان أشرف تقدّم خطوات مكياج دافئ وهادئ لخريف 2025 في «ست ستات» على DMC    في واقعة الإسورة الأثرية.. النيابة توصي بمنع دخول حقائب مرممي الآثار وتفتيشهم عند الخروج وتركيب كاميرات مراقبة    تفاصيل انفجار خط غاز بحر مويس في بنها بسبب خطأ سائق حفار.. فيديو وصور    تنفيذ قرارات إغلاق لعدد من المحلات المخالفة جنوب الغردقة    تأجيل محاكمة 11 متهما بقضية "خلية حلوان" لجلسة 2 نوفمبر المقبل    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بالبحيرة    أدعية الصباح اليوم.. طاقة روحانية وسكينة في النفوس    السودان.. مقتل مسئول حكومي شمال دارفور ونزوح 7500 شخص بالفاشر    135 مخالفة زيادة أجرة وخطوط سير خلال حملة بمواقف الفيوم "صور"    إعلامي: كارلوس كيروش سيكون مديرا فنيا للأهلي ولكن بشرط    الرئيس السيسي يوجه برد مشروع قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب    البيت الأبيض يحدد صفقة «تيك توك» التي تمنح أمريكا السيطرة على الخوارزمية    سعر الذهب في مصر يقفز بنحو 8 أضعاف في 9 سنوات (انفوجرافيك)    محافظ المنوفية: 550 مليون جنيه استثمارات لتطوير التعليم بالمحافظة    احتفالا ب العام الدراسي الجديد.. مدرسة ب الوادي الجديد تستقبل طلابها بالحلويات    «الشوربجي»: خطة لتوسعات كبرى بأكاديمية أخبار اليوم وتجهيز 5 مبان جديدة لجامعة نيو إيجيبت    غياب لامين يامال.. قائمة برشلونة لمباراة خيتافي في الدوري الإسباني    فوز السكة الحديد وبروكسي.. نتائج مباريات الأحد في الدور التمهيدي لكأس مصر    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس.. هل تظهر في مصر؟    4 أفلام في 2025.. مصطفى غريب يحصد جائزة أفضل ممثل كوميدي من «دير جيست»    مدينة الدواء "جيبتو فارما".. أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن| فيديو    أستراليا تعلن اعترافها رسميًا بدولة فلسطين    البورصة المصرية تخسر 11.3 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    تنورة وعروض فنية.. مدارس دمياط تستقبل العام الدراسي الجديد.. ولجنة وزارية تتفقد مدارس المحافظة (فيديو)    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    رغم العراقيل الإسرائيلية.. قوافل "زاد العزة" تواصل طريقها من مصر إلى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولو كان بهم خصاصة
نشر في شباب مصر يوم 21 - 01 - 2016


د / أحمد صبحي منصور

·عناية القرآن الكريم بحق الفقير والمسكين أوجبت الاحسان اليه والى غيره بحُسن المعاملة الانسانية شأن الاحسان للوالدين : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء )، هذا مع التذكير بأنه فى كل الأحوال فالفقير والمسكين واليتامى والجيران وسائر المستحقين لا يُشترط أن يكونوا مسلمين ، فالفقير مستحق لكونه فقيرا ، والمسكين مستحق لكونه مسكينا ، وهكذا الأقارب والجيران . لا يُقال أبدا ( فقير مؤمن أو مسكين مسلم ، أو جار تقى أو ابن سبيل من الابرار ) بل مجرد الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل .
· وأعطت العناية القرآنية لهم حقا فى الميراث إذا حضروا تقسيم التركة : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )، وأفردت لهم نصيبا مفروضا في الزكاة الرسمية : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ) والصدقة الفردية : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ) (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) وفى الغنائم الحلال:( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (41) الانفال ) وفى الفيء
·بل إن إيراد الفيء كان مقصورا على الفقراء بأصنافهم ، والفيء هي الموارد المالية التى تأتى لخزينة المسلمين بدون حرب يقول سبحانه وتعالى : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر ).
إن الهدف من تقسيم الفيء على الفقراء دون الأغنياء هو عدم تركيز الثروة وتكديسها في أيدي طبقة الأغنياء ليتحولوا الى
( مترفين ) يحتكرون الثروة ومن ثمّ السلطة . والتعبير القرآني هنا غاية فى الدلالة : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ). أى كى لا يتداوله الأغنياء بعيدا عن الفقراء . ذلك أن الفقير مستهلك بطبعه ، وما يأخذه ينفقه على معاشه ، وهذا الاستهلاك يعنى رواج أدوات الانتاج التى يملكها الأغنياء من مزارع ومصانع ومتاجر ، أى أن ما يتصدق به الأغنياء على الفقراء يعود الى جيوب الأغنياء فى دورة مالية يستفيد منها العامل وصاحب رأس المال . إما إذا بخل الأثرياء وعاش الفقراء على حافة الجوع قل الاستهلاك وتوقفت وسائل الانتاج وانتشرت البطالة وعمّ الفقر . لذا على الأقل فإن ما يفىء الى بيت المال أو خزينة الدولة من ايرادات ( كقناة السويس والجمارك ) يجب أن تتوزع فورا على المستحقين المحتاجين فتزداد عجلة الانتاج
·ونعود الى عصر النبى عليه السلام ، وفي ذلك العصر كان معظم الأغنياء في المدينة من المنافقين – وقد نهى الله النبى عن الاعجاب بأموالهم وأولادهم : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) ) التوبة )– وأولئك المنافقون كانوا مع ثرائهم يطمعون في أن يؤتيهم النبي من الفيء والغنائم ، بل كانوا يلمزون النبي إذا حرمهم من هذه الأموال لذا يقول تعالى عنهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ).
وحتى لا يعترض أولئك الأغنياء من حرمانهم من الفيء فإن الله سبحانه وتعالى يقول لهم " : ( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر).أي عليكم أن ترضوا بما يعطيه لكم الرسول من الفيء إذا كنتم من المستحقين له وعليكم أن تنتهوا عن طمعكم فيما ليس حقا لكم . ثم توضح الآيتان التاليتان مستحقي الفيء من الفقراء من المهاجرين والأنصار: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر ).المهاجرون تركوا أرضهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله ، والأنصار الفقراء آثروا إخوانهم المهاجرين مع ما بهم من خصاصة وفقر . أما الأغنياء المنافقون فقد بخلوا بأموالهم وطمعوا فيما ليس حقا لهم ..
·لقد انتصر الإسلام للمستضعفين فكانوا في مقدمة أتباعه بينما وقف المترفون في مكة وفي المدينة يكيدون للإسلام حرصا منهم على امتيازاتهم الطبقية والاجتماعية أو بالتعبير القرآني عن تكذيبهم للقرآن الكريم : (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ). إلا أن الحال اختلف بعد أن انتصر المسلمون على الفرس والروم وورثوا كنوزهم ومستعمراتهم وأشرفوا على مباهج الدنيا في الشام والعراق ومصر وإيران ، فتنازعوا على النعيم بعد أن غرقوا فيه فى خلافة عثمان ، وانتهى الأمر بقتل عثمان ودخول الصحابة فى الفتنة الكبرى . و في الفتنة الكبرى نري من أعلامها من الصحابة : الزبير بن العوام وطلحة بن عبدالله وعمرو بن العاص .. ومن خلال كتب التراث نتعرف على ثرواتهم التي تفوق الخيال بمقياس عصرنا . يذكر ابن سعد في الطبقات عن الزبير بن العوام أنه ترك عند وفاته ما قيمته (52 مليون دينارا) بالإضافة إلى سيولة مالية قدرها(35) مليون دينار و(200 ألف دينار) وأنه ترك خططا – أي عمائر – بمصر والإسكندرية والكوفة والبصرة وإحدى عشر دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة .. أما طلحة بن عبيد الله – الذي كان يتحلى بخاتم من ذهب فيه ياقوتة حمراء – فقد ترك سيولة مالية قدرها(2ر2 مليون درهم) وقيمة ما تركه (30 مليون درهم) ومائة ( بهار) وفي كل بهار ( ثلاث قناطير من ذهب ) و ( البهار) مكيال يساوي أردبين أي (200أردب) من الذهب .!! ( طبقات ابن سعد 3، 1 ، 77، 157: 158) وعمرو بن العاص الذي افتتح مصر أكل خيرها ترك عند وفاته سبعين بهارا من الدنانير ،أي (140 أردبا) من الذهب .. !! خطط المقريزي( 1- 564 ). لذا لا نستغرب أن يكونوا زعماء للفتنة الكبرى ، ويصدق عليهم قول مسروق الزاهد : ( هذه الدنيا أكلوها فأفنوها ، لبسوها فأبلوها ، ركبوها فأنضوها ، سفكوا فيها دماءهم ، واستحلوا فيها محارمهم ، وقطعوا فيها أرحامهم . )!" وبسبب هؤلاء السادة وغيرهم قتل من المسلمين عشرات الألوف في حروب الجمل وصفين والنهروان
نسي أولئك أن للفقراء حقا ، ولو أعطوهم حقهم لما بقيت لديهم تلك الملايين المكنوزة والتي تركوها خلفهم . ونسوا أنهم لو أعطوا الفقراء حقهم كما قال القرآن ما أصبح المال دولة ببين الأغنياء، أو بتعبير عصرنا ما تكونت طبقة من الأثرياء المترفين التي تسيطر على معظم الثروة بينما تقاسي الأغلبية من الحرمان . لقد جاء الإسلام لينقذ الفقراء من ظلم الأغنياء في الشام والعراق ومصر وإيران ، ولكن الذي حدث أن الزعماء الجدد من الصحابة ورثوا كنوز الأكاسرة والقياصرة ولم يلتفتوا لإصلاح حال الشعوب ، بل عوملت الشعوب المفتوحة في عصر الأمويين بالتعسف والظلم حتي من أسلم منهم كان يدفع الجزية
والمفجع أن ذلك " السلف الصالح " عاش مع النبي تلك الفترة الذهبية التي كان الفقراء فيها يؤثرون إخوانهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ..
وبعض المسلمين كان يتذكر تلك الفترة الذهبية وينظر حوله حيث المتاع والمال فيبكي .. كان خباب بن الأرت يقول في آخر حياته: ( هاجرنا مع رسول الله في سبيل الله نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه.. ! )" وكان خباب يقول : ( لقد رأيتني مع رسول الله لا أملك دينارا ولا درهما وإن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف..ولقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا.! ).(الطبقات الكبرى 3 ،1 ،85 ،117)
·إن صمام الأمن في أي مجتمع هو إعطاء الفقراء حقهم، وإذا أكل الأغنياء حقوق الفقراء فإنما يحفرون قبورهم بأيديهم كما حدث مع أؤلئك الأغنياء من:
( السلف الصالح ).!"وكثيرون من أعيان عصرنا في حاجة لفهم هذا الدرس من تاريخنا الإسلامي .) إنتهى المقال .
·أخيرا
·مضى على نشر هذا المقال نحو ربع قرن ، تعاظمت فيها الفجوة بين الأغنياء والفقراء . إزداد الأغنياء تُخمة وتحول الميلونير الى بليونير، وتحول الأثرياء الى مترفين ، بينما تساقط ملايين من ( المستورين ) من الطبقة الوسطى الى مستنقع الفقر ، وتحول ملايين من الفقراء الى مساكين ( أفقر الفقراء ) ، وفى التعاظم المضطرد للفجوة بين المحرومين والمترفين تزداد الأسعار إشتعالا والبطالة إنتشارا ، والذى يعلو سعره لا يتراجع بل يظل فى إزدياد . ويبدو المستقبل لمصر مرعبا ، فأصبح الكثيرون يتوجسون من ثورة جياع قادمة تدمر وتخرّب .
·هنا نتذكر الارهاصات القرآنية عن تدمير القرية الظالمة أهلها بسبب المترفين الفاسقين ، ونتذكر قول رب العزة جل وعلا ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ) ، فالانفاق فى سبيل الله والاحسان فى كفة ، و التهلكة فى الكفة الأخرى . وعلى المترفين المصريين الاتعاظ من القرآن الكريم ، فإن لم يؤمنوا به فليتعظوا بتجارب التاريخ الماضى والمعاصر الذى يجرى الآن على قدم وساق ، حيث سقوط أنظمة الحكم الفاسدة وما يليها من حروب أهلية .
·ونقول للمترفين أنه مهما بلغت الأموال المهربة للخارج فلن تستعيد وطنا عاش فيه الانسان صباه وشبابه مع أهله وأصدقائه . وفنادق أوربا وأمريكا ومنتزهاتها لا يمكن أن تعوض جلسة مع الأصدقاء على النيل أو فى مقهى فى القاهرة . هناك أشياء لا تُقدر بمال ، ولا يعرف قيمتها إلا من هاجر بعد منتصف العمر تاركا خلفه تاريخا من الذكريات المحفورة فى النخاع . وما أسوأ ان تقضى شيخوختك بعيدا عن وطن اسهمت فى تدميره .
المصلحون المسالمون الفقراء من أمثالنا أُجبروا على الهروب من وطنهم وأنكرهم وطنهم .!! ، ولكن ما هو عُذر الذين أتخموا بطونهم من نهب وطنهم ؟
--------
بقلم الدكتور/ أحمد صبحي منصور
من علماء الأزهر سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.