حين يعتقد البعض ان صمتك هو ملاذك الأخير للاحتماء او الاختباء والتواري فهم حتما مخطئون. وحين يعتقدون أيضا أن صمتك ضعفا واستسلاما أو خنوعا وانهزاما فهم أكثر خطأ وجهلا وغباء. فللصمت فلسفة وثقافة ولغة لا يفهمها إلا ذو إحساس وعقل وبصيرة، وهم قليل للأسف. تتخذ الصمت خيارا حين تنهكك الخطوب عن الكلام والبيان فتصمت وما أروع ذلك بيانا فقط لمن يفهمك. تنأى بنفسك عن الانغماس في ثرثرة ولغط يضيعان حقك يستنزفان طاقتك ويدمران ما بقي لديك من قدرة على التحمل أو رغبة العيش. وتصمت في لحظة بهاء وروعة تاركا المجال للجمال يعبر عن نفسه فتنصت لموسيقى ناعمة بصمت وتسمع شدو أم كلثوم في سكون تحلق معها في فضاء النشوة والسعادة. لكنك تبقى فاتحا ذراعيك للكون تخرج كل ما لديك من هم ووهن في كلمة الله. قديما وحتى اليوم أفاضوا في مدح الصمت واحصاء فوائده ولكن... هل سألت نفسك يوما ما هي آثاره السلبية وندوبه التي يتركها وراءه في كل علاقة يدخلها باختيار أبطالها وربما رغما عنهم؟؟ إننا حين نصمت عن العتاب الذي من شأنه أن يصحح الوضع ويزيل الالتباس وسوء الفهم نكون قد وصلنا لمرحلة من الصدمة وشدة الألم التي يصعب معها الكلام... وربما نكون قد اعترتنا لا مبالاة ويأس. وكذا حين نصمت عن الصراخ والتكسير والذين يعملان عمل النار بالجرح تكويه لكنها في نفس الوقت تطهره. إن لجوء حبيبك أو صديقك للصمت وبعده عنك لذو مغزى خطير ودلالات عدة أصعبها عليكما معا أن يكون صمته بسبب فقدان الامل فيك والإيمان بك. إنك حين تصمت مبتعدا عنه تلوذ بدفاعك الخطير وردك الأقوى على الإطلاق فتقيم بينكما جدرانا من الصمت وفضاء من البعد ممرسا روحك أن تحيا بدونه ومعودا قلبك أن يغلق في وجهه أو على الأقل يكتفي بما منحه ويوقف نزيف عطاءه الغبي الضائع. لا شيء يعود كما كان أبدا حتما تظل هناك ندوب ويبقى هناك أثر في أعماق النفس تعرف أنت فقط أنه موجود ويتعبك وخزه لك من حين لآخر ... تعود تمارس حياتك تستأنف علاقاتك وتسترسل في لغوك، هزلك، هذيانك، تعتقد أنك قد دمرت جدران الصمت وهدمت أسوارك التي علت وارتفعت بداخلك تجاه من أحببتهم يوما وخذلوك مرارا...تعتقد ذلك لكن لا شيء يعود كما كان....أبدا