مملكة زفتى كانت تعيش أياما (سمن على عسل) فى عهد الملك (كانى مانى الزلبانى) الذى تميز عهده بالرخاء وفى صباح أحد الأيام أمر بإحضار العرافة (أم قويق) التى تنبأت بأن مملكة زفتى تتعرض للخطرفأمر كبير وزرائه بأن يجمع له كبار العلماء والقضاة ويدعوهم لمجلسه فأخبروا جلالة الملك بما جعله مستاء من تصرفات كبار دواوين المملكة! ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كان الملك يستمع لمحدثيه فى مجلسه وهو فى شدة الإستياء البادى على قسمات وجهه لأن ما سمعه وحسب خبرته الطويلة فى إدارة شئون البلاد والعباد أن ما يحدث فى مملكته ما هو إلا مقدمة لانهيار المملكة فأشار جلالته إلى التالى فى الجلسة من اليمين: () أمن إضافة يا شيخنا؟! - بل إضافات لو سمح وقت سيدى ملك زفتى!! () إذن فهذا يوم عصيب! - عصيب على المسئ يامولاي.. أما السلام فعلى من اتبع الهدى.. () أحسنت يا شيخنا.. هات ما عندك.. - الذمم يا سيدى دخلت سوق الرقيق والنخاسة! () ألم أقل أنه يوم الطلاسم والألغاز!.. أفصح يا شيخنا.. - أصبح من السهل أن تشترى الذمة يا مولاي! () كيف؟! - بحسب حجم من تشتريه وحجم ما تشتريه! () هكذا إذن؟! - حتى عم الفساد البر والبحر يامولاي!! () يا ويح (الزلبانى).. يا ويح (الزلبانى)! أطرق الملك برأسه وبدى على سحنته الأسى والحزن لما يدور فى المملكة الزلبانية من أمور لا تؤدى إلا للتدهور والإنهيار ثم اتجه ببصره للتالى من العلماء وبصوت متهدج من شدة الأسى والإنفعال توجه جلالته بالسؤال: () كيف ترى الأمور أيها العالم الجليل؟ - تُعد المملكة يامولاي منذ سنوات طويلة من الممالك الفقيرة.. ولم يعد للدراهم قيمة يامولاي! إنتصب الملك بقامته وصاح بصوت ملأ صداه القاعة ففزع من فيها وهبوا وقوفا: () كيف تكون مملكة الزلبانى من الممالك الفقيرة؟!.. كيف لم تعد للدرهم قيمة وقد زين وجهه ملك الزلبانية؟!.. كيف؟! مرت لحظات خالها كل من فى القاعة أنها ساعات حتى استعاد الملك هدوء نفسه فجلس ثم أمرهم بالجلوس: () أريد كل الحقائق.. أكمل أيها العالم.. أكمل.. - لم تعد طرقات المملكة يفخر بها شعبك يامولاي.. والكتاتيب ودور العلم محل إهمال! () زدنى هما.. زدنى هما بماعندك... - الطرقات المحيطة بالقصر والمؤدية إليه لا تحاكيها كل الطرقات.. () ... ... ... ... - كبار المملكة يامولاي لهم كل شئ.. أفرزت الشوارع بشرا أفسدوا على الناس كل شئ! فاستحلوا حرمة الشارع فتم ذبح الحرية وأحالوا الشوارع إلى جحيم! () أهذا فى مملكة الزلبانى؟!! - الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقرا وأما الذين لايسألون الناس إلحافا فقد أعياهم حالهم! () كيف وكل ما أراه بخير؟!! - ما تراه يامولاي يمر من خلال مصفاة!! () ماذا تعنى؟! - ما تراه يامولاي يحدده بعض من حاشيتك فلا ترى غيره!! () أصبتنى فى مقتل أيها العالم الجليل!! - عفو مولاي! () لاعليك.. فأين إذن تذهب خزائن بيت المال؟! - خاوية يامولاي!! () كيف والنعم بادية على كل من يلجأ للقصر؟!! - السحت يامولاي!.. الكل يريد أن يعلو فوق الطوفان! () هكذا إذن.. هكذا إذن! - ... ... ... ... أشاح الملك بوجهه واتجه ببصره إلى يساره حيث يجلس القضاة فيسأل التالى منهم: () هل من إضافة توجعنى بها أيها القاضى؟! - عافاك الله مولاي.. () لا أظن ما سمعته يأتى بالعافية!.. هات ما عندك أيها القاضى.. - النفاق والدهاء ومعسول الكلام له الغلبة يامولاي! () ممن أيها القاضى؟! - من الذين وليتهم أمور العباد يا مولاي.. () ولم؟! - للحفاظ على مواقعهم ومكاسبهم يامولاي وتبقى المملكة قيد قبضتهم! () على حساب البلاد والعباد؟! - حتى تحجمت المملكة ولم يعد لها وزنا بين الممالك والأمم يامولاي! () بعد أن كانت منارة ومزارا!! - ولم يعد للقانون سطوة أو للدولة رهبة! () وماذا أيضا؟! - بيعت دواوين الدولة إلى من يدفع! () إذن فكيف حال العامة؟! - منهم من غُلب على أمره ومنهم من يسعى فى الأرض فسادا! () إذن فقد هلكت مملكة الزلبانية!! تحولت مظاهر الأسف والأسى البادية على وجه الملك حيث اتخذت قسماته شكلا يوحى بالغضب الشديد وبادر كبير الوزراء بسؤال هبط عليه كأنه صوت جلاد: () أين أنت من هذا يا كبير الوزراء؟! ارتجف جسد كبير الوزراء جزعا وهلعا حيث استشعر الخطر وقال بصوت يشوبه بحة: -- مولاي.. لقد كانت... قاطعه الملك: () لا أريد أن أسمع مبررات.. كفى.. كفى.. ثم اتجه الملك إلى كبير البصاصين وبصوت غاضب: () أين كنت يا كبير البصاصين والفساد يجرى فى المدائن والدروب؟! - مولاي.. إنى... وقف الملك فجأة فوقف كل من بالقاعة.. استل الملك سيفه من غمده وسط ذهول الجميع... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... للأسف تضاربت روايات التاريخ عن هذا الموقف المأساوى حيث انهارت فعلا مملكة زفتى تحت وطأة طوفان الفساد.. ولقد أعيانى البحث فى تاريخ مملكة زفتى وخاصة فترة حكم الزلبانية فبعض الروايات أكدت أن الملك اتجه فى ثورة غضبه وقتل كبير الوزراء وكبير البصاصين وأمر كبير القضاة بقيادة البلاد للخروج من محنتها.. لكن رواة آخرون أجزموا بأن الملك الزلبانى قد انتحر على الطريقة اليابانية وقد استدلوا على ذلك بقطعة من خشب الورد تم اكتشافها عند التنقيب عن آثار مملكة زفتى وقد نُقش عليها صورة تشبه الملك الزلبانى وبأسفلها عبارة بلغة أهل زفتى فلما تُرجمت كانت: "فلتحيا مملكة زفتى وإن مات الملك كانى مانى"