رئيس مجلس النواب: قاضٍ على كل صندوق في انتخابات البرلمان    وزير الشئون النيابية: الإشراف القضائي على الانتخابات لا يزال قائمًا    تعرف على سعر الذهب المعلن بموقع البورصة المصرية 25 مايو 2025    بوتين في "يوم أفريقيا": عقد منتدى الشراكة الروسية الأفريقية المقبل في إحدى الدول الأفريقية    كرة سلة.. طاقم تحكيم أجنبي لنهائي دوري السوبر بين الأهلي والاتحاد السكندري    الزمالك يفاضل بين هذا الثنائي لضم أحدهما    بيسيرو يكشف عن لاعب لا ينصح إدارة الزمالك بتجديد عقده    ترتيب مجموعة الهبوط في الدوري المصري قبل مباريات اليوم    ننشر رابط الاستعلام على أرقام جلوس الثانوية العامة 2025    طلاب ثانية ثانوي بالدقهلية: الفيزياء صعبة والأحياء في مستوى الطالب الدحيح (فيديو وصور)    السجن 6 سنوات لربة منزل قتلت ابنها بعد وصلة تعذيب بالقليوبية    قرار جديد من القضاء بشأن تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    فريق فيلم "أسد" يحتفل بعيد ميلاد محمد رمضان.. (فيديو)    تفاصيل إطلاق المرحلة الجديدة من اختبار "الجين الرياضي" وتسليم عينات "جينوم الرياضيين"    محافظ دمياط يستقبل نائب وزير الصحة ووفد حقوق الإنسان لبحث الخدمات الصحية والاجتماعية    مصطفى يونس: محمد صلاح لم يحصل على الكرة الذهبية بسبب «العنصرية»    إصابة فالفيردي بعرق النسا.. وتقارير توضح موقفه من كأس العالم للأندية    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    كارثة إنسانية.. ارتفاع معدلات سوء التغذية في غزة    رئيس البرلمان العربى يهنئ قادة مجلس التعاون الخليجى بذكرى التأسيس    «التضامن» تؤسس معسكرا لتأهيل مدربين في تعزيز التواصل الأسري بين الآباء وأبنائهم    رسميًا.. السعودية تحدد موعد استطلاع هلال ذي الحجة لتحديد أول أيام عيد الأضحى 2025    موعد امتحانات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة القاهرة.. وجدول المواد    مجلس النواب يوافق على تقسيم الجمهورية إلى 4 دوائر لنظام القائمة الانتخابية    بالدموع تحرك جثمان سلطان القراء إلى المسجد استعدادا لتشيع جثمانه بالدقهلية.. صور    وزير الشؤون النيابية: الإشراف القضائي على الانتخابات مازال قائمًا ولم يلغى    توقيع عقد توريد جرارات بين الإنتاج الحربى والشركة المصرية للتنمية الزراعية    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد بحي شرق ويلتقي بعض المرضى    تمهيداً لانضمامه لمنظومة التأمين الصحي.. «جميعة» يتسلم شهادة الاعتماد الدولية لمركز «سعود» بالحسينية    عيد الأضحى 2025.. هل تصح الأضحية بخروف ليس له قرن أو شاه؟ «الإفتاء» تجيب    فور ظهورها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية بالاسم ورقم الجلوس 2025 الترم الثاني    صلاح يترقب لحظة تاريخية في حفل تتويج ليفربول بالدوري الإنجليزي    عاجل- مجلس الوزراء يوضح موقفه من جدل "شهادة الحلال": تعزيز المنافسة وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص    منافس الأهلي - ميسي يسجل هدفا رائعا في تعثر جديد ل إنتر ميامي بالدوري الأمريكي    خطوة بخطوة.. إزاي تختار الأضحية الصح؟| شاهد    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    رئيس وزراء باكستان يتوجه إلى تركيا أولى محطات جولته الآسيوية    سعر الريال القطرى اليوم الأحد 25-5-2025 فى البنوك الرئيسية    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    ساهم فى إعادة «روزاليوسف» إلى بريقها الذهبى فى التسعينيات وداعًا التهامى مانح الفرص.. داعم الكفاءات الشابة    ارتفاع أسعار البيض في الأسواق اليوم 25-5-2025 (موقع رسمي)    "آل مكتوم العالمية": طلاب الأزهر يواصلون تقديم إسهامات مؤثرة في قصة نجاح تحدي القراءة العربي    ميلاد هلال ذو الحجة وهذا موعد وقفة عرفات 2025 الثلاثاء المقبل    خلال زيارته لسوهاج.. وزير الصناعة يفتتح عددا من المشروعات ضمن برنامج تنمية الصعيد    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    ضبط 11 قضية مواد مخدرة وتنفيذ 818 حكما قضائيا متنوعا    مصرع ربة منزل في سوهاج بعد تناولها صبغة شعر بالخطأ    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    اليوم.. نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    مسيرات استفزازية للمستعمرين في القدس المحتلة    إعلام: عطل في اتصالات مروحية عسكرية يعطل هبوط الطائرات في واشنطن    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الحكيم الفيتوري : صناعة المعجزة عند الرواة ( الجزء الخامس والأخير )
نشر في شباب مصر يوم 18 - 02 - 2015


د. عبد الحكيم الفيتوري
مازال الحديث موصول حول موضوع صناعة المعجزة عند الرواة ونقول الأتي السبب الثاني: قبول المتأخرين ما ورد فيه من معجزات وخوارق للعادات.
على الرغم من نفي القرآن القاطع لدعم رسول الله بالمعجزات الحسية، فإن القاضي عياض يورد في كتابه ( الشفا) من المعجزات التي لا تستقيم إلا لخالق السماوات والأرض كإحياء الأموات، وإنطاق الجمادات والنباتات والحيوانات،بل وعلم ما هو كائن وما سيكون، وما إلى ذلك من الخوارق والمعجزات التي بلغت مجلدات كما قال القاضي عياض: لقد آتينا في هذا الباب على نكت من معجزاته واضحة، وجمل من علامات نبوته مقنعة، في واحد منها الكفاية والغنية، وتركنا الكثير سوى ما ذكرنا.... طلبا للاختصار وبحسب هذا الباب لو تقصي أن يكون ديوانا جامعا يشتمل على مجلدات عدة.( الشفا المجلد الأول).
فقد جمع القاضي عياض في كتابه (الشفا ) ما تناقله من كان ينتمي إلى خلفية ثقافية مانوية وزرداشتية كأهل خراسان، وسمرقند، ونيسابور، ونسفي، وأصفهان، وبخار، وترمذ، حيث تخيلوا في نقولاتهم بأن رسول الله ليس من البشر وإنما هو مقدس في ذاته حتى فضلاته؛ من بزق وعرق وبول وما إلى ذلك. لينتقل كلام هؤلاء الشفهي بتلك الخلفيات الفكرية والثقافية إلى حزمة من أسانيد تعتبر فيما بعد جزء لا يتجزأ من الدين، وتتحول تلك الأسانيد إلى عقدية تستوطنها خرافات مرتحلة، وتجتازها بكل حرية هبات ذاكرة الثقافة المانوية والزرداشتية تلقحها ريح الأسطورة والخيال عبر التاريخ والجغرافيا، لتتحول إلى مكب هائل تلقى فيه نفايات تلك الثقافات، من خلال المسلمين الجدد المهووسين بتعظيم الأشخاص، وعبادة البشر، وتقديس الرموز الدينية. ولا يستقم هذا الكلام إلا بعرض بعض عينات تلك الأسطورة والخيال المترعة بثقافة تقديس الأشخاص والرموز الدينية.
نسرد بعض ما يسمى بمعجزات النبي صلي الله عليه وسلم الحسية كما ذكرها عياض في كتابه (الشفا في حقوق المصطفى)، منها:
معجزات أعضاء الرسول.
1- معجزة الأصابع: بوب القاضي عياض فصلا بعنوان: في نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره ببركته. قال فيه أما الأحاديث في هذا فكثيرة جدا روى حديث نبع الماء من أصابعه صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود. وهذا نص رواية ابن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله: اطلبوا من معه فضل ماء فأتى بماء فصبه في إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول الله.
2- معجزة المس باليد: عقد عياض فصلا كاملا بعنوان ( ومما يشبه هذا من معجزاته تفجير الماء ببركته وابتعاثه بمسه ودعوته) ذكر فيه معجزات تفجير الماء بمس اليد كما حدث ذلك في غزوة تبوك، وقصة الحديبية.وأردف هذا الفصل بفصل بعنوان ( ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه) سرد في هذا الفصل روايات كثيرة منها حديث أبي هريرة، قال أصاب الناس مخمصة فقال لي رسول الله: هل من شيء قلت نعم شيء من التمر في المزود. قال: فأتني به، فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ودعا بالبركة ، ثم قال ادع عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم عشرة كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا. قال خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض منه ولا تكبه فقبضت على أكثر مما جئت به، فأكلت منه وأطعمت حياة رسول الله، وأبي بكر، وعمر إلى أن قتل عثمان، فانتهب مني فذهب.
يبدو أن فكرة أسطرة الذوات والاشياء سارية معتملة في ثنايا كتابه عياض، فقد انتقل من اسطراة أعضاء النبي إلى قوة تأثيره في الأشياء الشجر والنخل وتحويلها إلى كائنات حية تنطق وتمشي وتشهد شهادة الإسلام والإيمان، فذكر في هذا السياق. إنطاق الشجر والنخل، حيث عقد فصلا كاملا بعنوان (كلام الشجر، وشهادتها له بالنبوة، وإجابتها دعوته). ذكر فيه حزمة من الروايات والأسانيد في أنسنة الأشجار والنباتات كالكلام والحركة وما شاكل ذلك، جاء فيه.
3- شجرة تعلن إسلامها: ذكر من رواية ابن عمر أنه قال: كنا مع رسول الله في سفر فدنا منه أعرابي فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: إلى أهلي. قال: هل لك إلى خير . قال: وما هو؟! قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. قال: من يشهد لك على ما تقول. قال: هذه الشجرة السمرة، وهي بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها.
4- شجرة تمشي وتلقى التحية: عن بريدة سأل أعرابي النبي آية، فقال له: قل لتلك الشجرة رسول الله يدعوك. قال: فقالت الشجرة عن يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها فتقطعت عروقها، ثم جاءت تخد الأرض تجر عروقها مغبرة، حتى وقفت بين يدي رسول الله فقالت: السلام عليك يا رسول الله. قال الأعرابي مرها فلترجع إلى منبتها فرجعت فدلت عروقها فاستوت...
5- النخل والحجارة يشيدن كنيفا: ذكر روايات كثيرة في هذا السياق الأسطوري منها رواية أسامة بن زيد قال: قال لي رسول الله في بعض مغازيه، هل يعني مكانا لحاجة رسول الله فقلت إن الوادي ما فيه موضع بالناس، فقال هل ترى من نخل أو حجارة، قلت أرى نخلات متقاربات. قال انطلق وقل لهن إن رسول الله يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله، وقل للحجارة مثل ذلك. فقلت ذلك لهن فو الذي بعثه بالحق لقد رأيت النخلات يتقاربن حتى اجتمعن والحجارة يتعاقدن حتى صرن ركاما خلقهن. فلما قضى حاجته قال لي قل لهن يفترقن فو الذي نفسي بيده لرايتهن والحجارة يفترقن حتى عدن إلى مواضعهن.
وانتقل عياض من ذكر معجزات الشجر والنخل إلى معجزات الفروع والجذوع غير آبه ولا مكترث بإتيان زمن العقل والنقد، فعقد فصلا بعنوان( فصل في قصة حنين الجذع)، أورد فيه حزمة من قصة حنين وبكاء جذوع وفروع الأشجار في أماكن متعددة وظروف متنوعة، كما قال عنها القاضي عياض: يعضد هذه الأخبار حديث أنين الجذع وهو في نفسه مشهور منتشر والخبر به متواتر.... قال الترمذي وحديث أنس صحيح قال جابر كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان النبي إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار
(= النوق الحوامل). وفي رواية أنس: حتى ارتج المسجد بخواره. وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوا به. وفي رواية: والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا على رسول الله، فأمر به رسول الله فدفن تحت المنبر.
6- جذع يريد الجنة: على الرغم من عدم تكليف الحيوانات والجمادات إلا أن ذوي ثقافة تقديس الذوات والأشياء أثبتوا في مسار المعجزات ما يدل على طلب النباتات الجنة بل ومرافقة النبي فيها؛ كما ورد في حديث بريدة حين فقال؛ يعني النبي للجذع: إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه، تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة، وإن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك، ثم أصغى له النبي يستمع ما يقول، فقال: بل تغرسني في الجنة فيأكل منى أولياء الله وأكون في مكان لا أبلى فيه، فسمعه من يليه. فقال النبي قد فعلت. ثم قال: اختار دار البقاء على دار الفناء.
وختم عياض أسطورة الجذع الذي اختار دار البقاء على دار الفناء بقوله: فهذا حديث كما تراه خرجه أهل الصحة من ذكرنا وغيرهم من التابعين ضعفهم إلى من لم نذكره وبدون هذا العدد يقع العلم لمن اعتنى بهذا الباب ، والله المثبت على الصواب.
ويبدو أن عياض لا يجد في قرارة نفسه منطق لقبول هكذا خرافات إلا أنه يتخندق داخل مفهوم حدده المذهب أو القبيلة الدينية التي ينتمي إليها ؛ كقوله هذا الحديث كما تراه خرجه أهل الصحة...، فيحتمي به ليضرب به منطق القرآن ونفيه القاطع (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون)، وممزقأ بذلك أوصال الرسالة الخالدة التي لا يستقم الإيمان بها إلا بمنطق العقل.
وعندما يتسلل منطق التخندق بمفاهيم عابرة لتمزيق منطق الرسالة الخالدة تصبح الكتابة الدينية مسكونة بتقديس الذوات ومترعة بالأسطورة والخيال، ففي مبحث كامل يتحدث القاضي عياض عن تسبيح الطعام، والحصى، وتسليم الحجر، وجبل يتكلم، وهلم جرا، فقد عقد فصلا بعنوان( فصل ومثل هذا في سائر الجمادات) ذكر فيها من الخرافات الكثيرة منها على سبيل المثال.
7- تسبيح الطعام: عن ابن مسعود قال: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وعن جعفر بن محمد: مرض النبي فأتاه جبريل بطبق من رمان وعنب فأكل منه النبي فسبح.
8- تسبيح الحصى:قال أنس أخذ النبي كفا من حصى فسبحن في يد رسول الله حتى سمعنا التسبيح، ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم في أيدينا فما سبحن. وفي رواية عن أبي ذر: أنهن سبحن في كف عمر وعثمان. قلت: يبدو أن عدم ذكر علي بن أبي طالب مع عمر وعثمان مما يشير إلى تأثر رواة الأسطورة بأجواء التدافع الطائفي والسلالي.
9- تسليم الحجر: عن علي قال: كنا بمكة مع رسول الله فخرج إلى بعض نواحيها فما استقبله شجرة ولا جبل إلا قال له السلام عليك يا رسول. وعن جابر : لم يكن النبي يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.
10- جبال تتكلم وتخشى العذاب: أنه حين طلبته قريش قال له ثبير(=جبل مزدلفة) اهبط يا رسول الله فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله، فقال جبل حراء: إلي يا رسول الله.
إن كل شيء كتبه عياض يدعونا بطريقة ما إلى الاعتقاد بأن تحويل النبي من كونه بشر (قل إنما أنا بشر مثلكم) إلى مصاف المقدس، وإضفاء الخيال والأسطورة على ذاته وحركاته وسكناته يعد من ثوابت الإيمان به وتوقيره، فمن ذلك ما سطره تحت عنوان(فصل في الآيات في ضروب الحيوانات)، حيث سرد فيه احترام الداجن للنبي، وإيمان الضب، وكلامه باللغة العربية،وكلام الذئب واهتمامه بالدعوة إلى الله، وهاك بعض النماذج من ذلك.
11- احترام الداجن: عن عائشة قالت: كان عندنا داجن فإذا كان عندنا رسول الله قر وثبت مكانه فلم يجيء ولم يذهب، وإذا خرج رسول الله جاء وذهب.
- ضب مؤمن ويتكلم العربية الفصحى: عن عمر قال: إن رسول الله كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي قد صاد ضبا فقال: من هذا قالوا نبي الله، فقال: واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب، وطرحه بين يدي النبي، فقال النبي له: يا ضب، فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعا، لبيك وسعديك، يا زين من وافى القيامة، قال من تعبد؟ قال: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه، قال فمن أنا ؟ قال رسول رب العالمين، وخاتم النبين، وقد أفلح من صدقك ، وخاب من كذبك. فأسلم الأعرابي.
-ذئب يتكلم: قصة كلام الذئب مشهورة في مدونات الأحاديث عن أبي سعيد الخدري قال: بينا راع يرعى غنما له عرض الذئب لشاة منها فأخذها منه فأقعى الذئب، وقال للراعي ألا تتقي الله حلت بيني وبين رزقي. قال الراعي: العجب من ذئب يتكلم بكلام الإنس، فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟
12- ذئب يدعو راعى غنم إلى الإسلام: فقال الذئب الا أخبرك بأعجب من ذلك؟ رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبقن فأتى الراعي النبي فأخبره، فقال النبي له: قم فحدثهم؛ ثم قال صدق. وفي بعض الطرق عن أبي هريرة . فقال الذئب أنت أعجب واقفا على غنمك وتركت نبيا لم يبعث الله نبيا قط أعظم منه عنده قدرا قد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب(=ما يفرج بين الجبلين) فتصير في جنود الله؛ قال الراعي من لي بغنمي؟ قال الذئب أنا أرعاها حتى ترجع ، فاسلم الرجل إليه غنمه ومضى.... فقال له النبي: عد إلى غنمك تجدها بوفرها فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها.
حينما ننظر إلى عناوين كتاب الشفا عن كثب، فإننا نكاد لا نجد إلى منطق العقل والقرآن سبيلا وإنما الخيال والخرافة، ففي فصل عقده حول انقلاب الأعيان للنبي بالمس أو بالمباشرة، قال:( فصل في كراماته وبركاته وانقلاب الأعيان له فيما لمسه أو باشره )، ذكر فيه نخس جمل جابر وكان قد أعيا فنشط حتى كان ما يملك زمامه. وصنع مثل ذلك بفرس لجعيل الأشجعي، وركب حمارا قطوفا لسعد بن عبادة فرده هملاجا لا يساير. وكانت شعرات من شعره في قلنسوة خالد بن الوليد فلم يشهد بها قتالا إلا رزق النصر.
وللقصعة نصيب: فلم ينس في خضم ذكر مناقب الجمال والخيل والحمير، أن يذكر خاصية قصعة رسول الله، فذكر عن بن المأمون قال كانت عندنا قصعة من قصاع النبي فكنا نجعل فيها الماء للمرضى فيشتفون بها.
13- حتى البول، والبزق، والريق: أنه بزق في بئر كانت في دار أنس فلم يكن بالمدينة أعذب منها. وبال في بئر في داره قال : فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها. ذكره البيهقي في الدلائل ولم يذكره عياض.وأنه أعطى الحسن والحسين لسانه فمصاه وكانا يبكيان عطشا فسكتا. وكان يتفل في أفواه الصبيان المراضع فيجزئهم ريقه إلى الليل. ومج في دلو من بئر ثم صب فيها ففاح منها ريح المسك.
14- عراجين مضيئة: وأعطى قتادة بن النعمان وصلى معه العشاء في ليلة مظلمة مطيرة عرجونا وقال انطلق به فإنه سيضيء لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا، فإذا دخلت بيتك فسترى سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان...
15- ومنه بركته في دور الشياء الحوائل باللبن الكثير كقصة شاة أم معبد، وأعنز معاوية بن ثور، وشاة أنس، وغنم حليمة مرضعته وشارفها، وشاة عبد الله بن مسعود وكانت لم ينز عليها فحل، وشاة المقداد.
16- ومسح على رأس قيس بن زيد ودعا له فهلك وهو ابن مائة سنة ورأسه أبيض وموضع كف النبي وما مرات يده عليه من شعره اسود فكان يدعى الأغر. ونضح في وجه زينب بنت أم سلمه نضحة من ماء فما يعرف كان في وجه امرأة من الجمال ما بها....
وفي سياق التأكيد على اطلاع النبي على الغيوب وما يكون ورسمه للمستقبل، أورد القاضي عياض جملة من الروايات قال فيها: والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره ، وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على التواتر، لكثرة رواتها، واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب. وذلك تحت عنوان( فصل ومن ذلك ما اطلع عليه من الغيوب وما يكون).
ولم يكتفي عياض بذلك وإنما انكب على تفصيل معجزات النبي في علومه ومعارفه وإتقانه للغات ومعرفته بالتاريخ البشري، وإحاطته بالقوانين وسياسة البشر، فقال:(فصل) ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه به من الاطلاع على جميع مصالح الدنيا والدين، ومعرفته بأمور شرائعه وقوانين دينه، وسياسة عباده، ومصالح أمته، وما كان في الأمم قبله، وقصص الأنبياء والرسل، والجبابرة والقرون الماضية من لدن آدم إلى زمنه، وحفظ شرائعهم، وكتبهم، ووعى سيرهم وسرد أنبائهم، وأيام الله فيهم، وصفات أعيانهم، واختلاف آرائهم، والمعرفة بمددهم وأعمارهم وحكم حكمائهم، ومحاجة كل أمة من الكفرة، ومعارضة كل فرقة من الكتابيين بما في كتبهم وإعلامهم بأسرارها ومخبآت علومها وإخبارهم بما كتموه من ذلك وغيروه، إلى الاحتواء على لغات العرب وغريب ألفاظ فرقها والإحاطة بضروب فصاحتها، والحفظ لأيامها وأمثالها وحكمها ومعاني أشعارها والتخصيص بجوامع كلمها إلى المعرفة بضرب الأمثال الصحيحة.... إلى أن قال: وأما علمه بلغات العرب وحفظه معاني أشعارها فأمر مشهور قد نبهنا على بعضه أول الكتاب وكذلك حفظه لكثير من لغات الأمم(بتصرف:كالحبشية، والفارسية). ثم ختم كلامه بقوله: ولا سبيل إلى جحد الملحد لشيء مما ذكرناه، ولا وجد الكفرة حيلة في دفع ما نصصناه إلا قولهم ( أساطير الأولين).
يبدو من خلال أساليب الرد والاحتجاج وسياق المدافعة في كلام القاضي عياض أن ثمة أناس ينتمون إلى دائرة الإيمان بالله جملة ينتقدون دلائل النبوة لدرجة تشكيكهم في صحة نبوة النبي أصلا، ومن ذلك قوله في سياق الرد: ثم ما قالوه مكابرة العيان فإن الذي نسبوا تعليمه إليه إما سلمان أو العبد الرومي. وكلام عياض بهذا الأسلوب مدعاة لفتح المجال أمام البحاث في التنقيب وإجراء الحفريات المعرفية في أرضية تلك الكتابات الثقافية والبيئية والاجتماعية والفكرية والسياسية.
المهم أن توجه عياض لم يقف عند هذه الحد من سرد الخيالات والأساطير، بل طفق يضخم الخرافات كما وكيفا لدرجة ذكر معجزات النبي قبل ولادته وعندها وبعدها، ومن ذلك قوله: ما ظهر من الآيات عند مولده وما حكته أمه ومن حضره من العجائب وكونه رافعا رأسه عندما وضعته شاخصا ببصره إلى السماء. وما رائه من النور الذي خرج معه عند ولادته، وما رائه إذ ذاك أم عثمان بن أبي العاص من تدلي النجوم وظهور النور عند ولادته حتى ما تنظر إلا النور وقول الشفا أم عبد الرحمن بن عوف: لما سقط النبي علي يدي واستهل سمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى قصور الروم. وما جرى من العجائب ليلة مولده من ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته، وغيض بحيرة طبرية، وخمود نار فارس، وكان لها ألف عام لم تخمد...
ولم يفوت القاضي عياض استحضار ذلك البعد الخيال والأسطوري عند ذكر موت النبي من باب الموازنة بين مولده ومماته في سياق ذكر المعجزات، فقد سرد بدون مواربة ميثية قيام الخضر، والملائكة، بواجب العزاء لأهل بيت النبي بالمدينة المنورة، فقال: ....أنه كان لا ظل لشخصه من شمس ولا قمر، لأنه كان نورا. وأن الذباب كان لا يقع على جسده ولا ثيابه. وما روى من تعزية الخضر والملائكة أهل بيته عند موته. (وللمزيد يمكنك الاطلاع على نسخة كتاب الشفا، حققه وأشرف على طباعته، عبد السلام أمين، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى عام 2000م )
ويبدو أن السياق التاريخي لكتابة كتب دلائل النبوة في تلك النواحي الجغرافية في مرحلة التأسيس هو الذي ساهم في التنكر لحقيقة القطع والنفي القرآني لدعم رسوله بالآيات والمعجزات الحسية، عدا معجزة القرآن الكريم الخالدة، ودفع بفكرة الأسطورة من رحم المعتقدات الفارسية والمانوية والزرادشتية عبر المشافهة، والمرويات، والأسانيد إلى صناعة الاعتقاد وتشكيل التصورات الغيبية. مع العلم أن التكرار الطقوسي لهذه الخرافات والخيالات لا يمنحها معنى الحقيقة والاعتقاد عند ما يكون العقل والقرآن هما الميزان الذي توزن به الحقائق، ولأن تلك الأساطير لا تنمي للوحي ولا لمنطق العقل والعلم وإنما تنتمي للتاريخ كمحاولة بشرية لتقديس الرموز الدينية على ما هو جار في علم العصور الأولى البدائية، إذ إنها لا تعدو كونها حكايات للتسلية، على غرار تلك التي تروى خلال سهرة طويلة تحقق الأمن الأسري والاجتماعي والقبلي ولكنها في حقيقتها لا تمت للحقيقة بشيء فضلا عن اعتقادها وتقديسها!!
ختاما إن ما سطرناه أعلاه هو ما يمكننا باختصار قوله عن مدى سلطة كتابات الأسلاف فينا (= الأموات الأحياء فينا)، إنها سلطة ملتبسة بالنص المقدس تأويلا وتفسيرا، وبالتالي فنحن في حاجة ضرورية للتفكير في كيفية فك الاشتباك بين المقدس والبشري عبر المراجعات التقييمية الهادفة والوقفات النقدية الجذرية، والالتزام بمحاكمة تلك الكتابات والمدونات إلى ميزان العقل والوحي، وعدم الوثوق بصحة تلك الروايات الواردة في تلك المدونات خاصة وأننا نراها تشوه مقاصد الوحي ومناط تكليفه (=العقل)، لأن منح الثقة لهذه المدونات وتلك الروايات يعني تشويه الرسالة الخالدة ورسولها صلى الله عليه وسلم.
انتهت هذه السلسلة من موضوعة صناعة المعجزة عند الرواة وإالي مقالات أخري قادمة بإذن الله تعالي .
د. عبد الحكيم الفيتوري
مفكر إسلامي وباحث وكاتب من ليبيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.