سؤال رهيب قد يكون بدأ يراود البعض عقب الأحداث الغريبة المتعاقبة التي شهدتها مصر بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير وعقب تنحي مبارك عن الحكم .. فمن أحداث العنف الطائفي الغير مبررة على الإطلاق بين المسلمين والمسيحيين في أطفيح والعمرانية إلى أحداث سيناء والإمارة الإسلامية التي ظهرت كالنبت الشيطاني فجأة إلى أحداث مسرح البالون وأخيراً أحداث السفارة الإسرائيلية ووزارة الداخلية التي وقعت الجمعة الماضية ؟! كلها بلا إستثناء أحداث غريبة تشتم فيها رائحة التواطؤ والرغبة في التخريب العمدى ورغبة أقوي في إفشال الثورة .. وللأسف نحن شعب مولع بإفساد كل شيء جميل يفعله بيديه .. نتفنن في تصميم مبانينا ثم نبدأ في تشويهها باللافتات والإعلانات والأسهم والقلوب والذكريات .. ننشيء الحدائق ثم نملؤها بالمخلفات والقاذورات وقشور اللب وأوراق الكرنب .. نقوم بثورة مجيدة أبهرت العالم كله .. ثم نأخذ في الإقتتال فيما بيننا والتناحر حول من هو صاحب الفضل الأول في الثورة .. الأخوان أم العلمانيون أم السلفيون .. ومن هو الأقوي المسلمون أم المسيحيون .. ومن هو الأجدر بحكم مصر في المرحلة القادمة من يرتدي ثوب العلمانية أم من يرتدي ثوب رجال الدين .. علمانية أم دينية أم مدنية .. حكومة وحدة وطنية أم حكومة ثورية أم تكنوقراط ؟! ونظل نختصم ونقتتل ونتناحر من أجل لا شيء في الواقع .. ولكن أى نهاية ننتظرها لكل هذا ؟! ذات مرة قال الأديب البريطاني " جراهام جرين " في مذكراته ( كل ثورة ناجحة ؛ مهما كانت مثالية ؛ تخون نفسها في النهاية ) ! ويبدو أنه صدق في مقولته تلك .. فالثورة المصرية ؛ شئنا أم أبينا ؛ بدأت تخون نفسها بالفعل .. ولعل أبسط مثال على ذلك هو دعاوي التخوين والعمالة التي ما فتئت تنطلق من الجميع ضد الجميع .. فالكل أصبحوا أبطالاً أحراراً ثواراً شهداء ولولاهم لما نجحت الثورة ولولاهم لما تخلصنا من نظام مبارك ولولاهم لجلس " جمال مبارك " على كرسي أبيه من بعده وصرنا ميراثاً وعقاراً نورث ونستعبد بقية أيام حياتنا .. ولكن في المقابل فالكل صاروا خائنين وعملاء وموالين لمبارك ورجال دولته وكيت وكيت وكيت .. والناس البسطاء ؛ مثلي ومثلكم ؛ صاروا تائهين حائرين .. لا يعرفون حقاً من هو البطل ومن هو الخائن .. من هو الشهيد ومن هو القاتل ؟! إن الضباب الذي يخيم على رؤيتنا في مصر الآن لكل الأمور لهو شيء لم يحدث في تاريخ مصر من قبل أبداً .. ومنذ عصر الفراعنة لم يحدث أبداً للمصريين حيرة وتيه مثلما يحدث لهما اليوم .. هل هذا هو ثمن الحرية التي طالما سمعنا عنها ولم نعايشها من قبل ؟! ربما يكون ذلك صحيحاً .. ولكن الأصح أن هذا الوضع لو أستمر فستكون عواقبه بالغة السوء علينا .. ولا تتوقع أن ينزل المصريون بأجمعهم ليدلوا بأصواتهم في إنتخابات الرئاسة القادمة .. لأن المصرين ببساطة لم يعودا يعرفون من يختارون ومن يدعون .. من يمكن أن يرفعهم إلى عنان السماء ومن يمكن أن يهوي بهم في سابع أرض ؟! لا تدعوا هذا اليوم يأتي .. لا تدعوا يوماً يأتي يخرج علينا فيه بقايا نظام مبارك ليخرجوا لنا ألسنتهم ويقولوا لنا بتشف : " هل رأيتم ؟! أنتم شعب لا يستحق الحرية .. ألم يكن عهد مبارك أفضل ؟! " http://manal.forumegypt.net#