قال أحدهم - و هو من الذين ينتسبون الى العلم الشرعي - : ( أهم شيء لدينا التغيير و ان كان التغيير الى الأسوأ و أدى هذا التغيير الى نتائج سلبية , فنحن نريد أن نثبت للعالم أننا موجودون و نسمع و نرى ) . هكذا رد عندما سئل عن المظاهرات و أنها أدت الى نتائج سلبية و خسائر ضخمة أكثر من جلب المصالح (إن وجدت). و هذا الكلام قد لا يحتاج أن يرد عليه في البداية لأنني ظننت انه أصدر من شخص واحد و قلت في نفسي لعله لا يدري ما يقول لأنه كان في حال حماس و غضب و حسبته انه لم يركز بما قال , و لكن الصدمة عندما رأينا الآخرين ممن يرددون هذا الكلام و بعضهم ينتسب الى العلم الشرعي و آخرين متعلمين و من حملة شهادات عليا و درسوا في جامعات فاخرة و معاهد معروفة فعجبت كل العجب كيف يقول هذا الكلام متعلم ! و هذا الفكر تروج إلى عوام الناس من رجال و نساء , صغار و كبار , و لهذا السبب وجب أن يطرح هذه المسألة و بيان خطورة هذا القول حتى ندرك حقيقة الأمر. أما قول ( أهم شيء لدينا التغيير ) فهذا أمر طيب و مطلوب و أمرنا به الله تعالى فقال (انَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فإن تريد التغيير و انت لا تسعى إلى تغيير نفسك فكيف ستغير ؟ و إن سعيت في التغيير على غير كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهل تعتقد إنك ستغير كما ينبغي ؟ و كيف هذا التغيير سيحقق العدل بين الناس ؟ و معنى الآية أي استعن بالله و اسعى إلى التغيير و الله سييسره لك و اصبر على هذا و اعلم ان الله سيثبتك بإذنه عز و جل , كما قال عليه الصلاة والسلام (و من يتصبر يصبره الله)صحيح البخاري. و التغيير تغييران , إما تغيير الى الأحسن , و إما تغيير إلى الأسوأ. و نحن مأمورون بالطبع التغيير الى الأحسن , فالشريعة قائمة على هذا الأمر, أي بجلب المصالح و درء المفاسد , و الله لا يأمر بشيء أو ينهى عن شيء إلا لمصلحة علمها من علمها و جهلها من جهلها , و حث الله على التغيير و الإستقامة في مواضع كثيرة منها (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) و (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). أما ازالة المنكر بما هو أشد منكرا منه فهذا محرم بالإتفاق , و هذا نوع من أنواع التغيير الى الأسوأ , أما النوع الآخر هو إزالة أمر واجب أو مستحب أو مباح و إستبداله بمنكر و هذا تحريمه أشد و أغلظ من النوع الأول. و أما تغيير منكر بمنكر مثله فهذا محل اجتهاد , و أذكر اخواني إن الإجتهاد لا يقوم به كل أحد بل يقوم به خواص العلماء الذين يملكون أدوات الإجتهاد. و قد شاع عند عوام الناس ان اذا شخصا اجتهد و أصاب له أجران و ان اجتهد و أخطأ فله أجر , هذه العبارة صحيحة ان كان المجتهد لديه آلات الاجتهاد و إلا يكون آثما. و لنضرب مثالا واقعيا حول مسألة إستبدال منكر بمنكر : (تغيير حاكم تونس). فلا يشك أحد من المسلمين ان أفعاله شنيعة ضد الاسلام و كفره ظاهر و واضح و لكن هل أحد من أهل العلم أمر بالخروج عليه ؟ قالوا يجب أن يتوفر الاستطاعة و البديل ! و لكن البعض اتبع هواه و فعل ما فعل و أزال الحاكم و لم ينظروا الى شروط الخروج و كانت النتيجة : ( من البديل الآن يا ترى ؟! ). و لا يخفى عليكم الخسارة التي أحصلت في أرواح الناس التي ماتوا و منهم من جرحوا و هتك الأعراض و ترويع الصغار و كبار السن و الى آخر هذه الأمور المنكرة القبيحة التي حدثت. فمن يتحمل مسؤولية كل الذي حصل ؟ و مع الأسف البعض يصر على هذا و يقول ( على الأقل فعلنا شيئا و أثبتنا للعالم أننا مستيقظون , نسمع و نرى ! ). و هذا يعتبر نفاق عملي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن خصال النفاق و ذكر منها (اذا حدث لكذب) , و هذا الرجل يكذب على الناس و يأمرهم بالمنكر و الرذيلة. و أيضا من خصال النفاق ( اذا اؤتمن خان ) فالله أعطاه علما شرعيا لكن يستعمله في غير محله و يخالف القرآن و السنة و الاجماع و الناس مؤتمنينه على نشر الدين و كلمة الحق لأن ظاهره الصلاح و الخير و مع الأسف يخون هذه الأمانة. و أيضا من خصال النفاق ( اذا وعد أخلف ) فيوعد الناس الى التغيير و (التغيير) يتبادر الى أذهان الناس ان المقصود التغيير الى الأحسن و الأفضل - لا ريب - لكن مع الأسف يخلف وعده و لاحقا عند بيان نتيجة ما يوعد يتبين للناس حقيقته و قد علمه العالم و المتعلم من قبل. و لقد تعجبت في زمن ان لم يكن الكل فالأغلب متعلمين و تخرجوا من المدارس و المعاهد كيف يتكلمون بمثل هذا الكلام ؟ و ألم ينظروا إلى العواقب ؟ هذا لا يقوله عاقل فضلا عن عاقل متعلم ! فالإفساد في الأرض أصبح أمرا عاديا اعتاد عليه البعض , مع العلم عندما خلق الله آدم و جعله خليفة في الأرض تعجبت الملائكة فقالوا (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) ! مسائل حول مقولة (نحن مطالبون بالتغيير و ان كان إلى الأسوأ) : 1) التشبه بالكفار : الله يفضلنا بالأمن و الأمان و البعض يأبى إلا أن يفسد في الأرض و هذا هو عين التشبه بالكفار كما أخبر سبحانه فقال (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) , و قال عليه الصلاة والسلام ( من تشبه بقوم فهو منهم).صححه الألباني و عندما يفسد بني آدم في الأرض بفعله هذا يفرح الشيطان و بالمقابل الباري الملك المتكبر الجبار يغضب جل جلاله , فكيف ترضي الشيطان و تغضب الله ؟ 2) التشبه بالمنافقين : قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قال العلامة السعدي – رحمه الله - : (نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض, وهو العمل بالكفر والمعاصي, ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين ( قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض, وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح, قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية, مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة, وأرجى لرجوعه). انتهى كلامه رحمه الله.. 3) كفران النعم : قال الله (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) , فالله أعطانا الأمن و الأمان حتى ندعو الناس الى البر و التقوى و بعدها يتم تغيير أخلاق و سلوك المجتمتع تدريجيا , و هذا يأبي ولسان حاله يقول ( هذا الذي تريدونه ؟ الأمن ؟ الأمان ؟ نريد إشهار السلاح و هتك الأعراض و الدم يسيل إلى الركب ! ) 4) الأمر بالمنكر : و هذا منهج المنافقين كما أخبر الله تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ). قال عليه الصلاة والسلام ( من رأى منكم منكرا فليغره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان) صحيح مسلم. 5) تقليل الشأن من معصية الله : و هذا مما يتدرج به الناس و يتشجعون على المجاهرة بالمعاصي و بالتالي يمل المرء الصالح من مشاهدة هذه الأشياء و من ثم يصبح الأمر طبيعيا و لا ينكر أحد لأنه مشاهد كل يوم و بعد ذلك يتابعونهم شيئا فشيئا. و كما يقول العلماء المعاصي تجر بعضها بعضا فيتهاونون بالصغائر الى أن يتهاونون بالكبائر ! 6) إستحقاق اللعن : قال عليه الصلاة والسلام (لعن الله من آوى محدثا و لعن الله من غير منار الأرض)صحيح مسلم. 7) رفع شعار الجاهلية : كل حكم يصدر من أي شخص كان غير حكم الإسلام فهو حكم جاهلي لقول الله (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) , و ان لم يكن الإفساد في الأرض حكما جاهليا فمالجاهلية اذا ؟