مرت 6 شهور بالتمام والكمال على تشكيل أول حكومة توافق وطني في تاريخ فلسطين الحديث، وقد حظيت هذه الحكومة بدعم القوى والفصائل الفلسطينية وعلى رأسهما حركتي فتح وحماس، ونالوا موافقة الأخ الرئيس أبو مازن والإطار القيادي للمنظمة، ومنذ اليوم الأول لتشكيلها اعتمدت الحكومة في برنامجها ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء كل مظاهر الانقسام والحث على التعايش السلمي ونبذ سياسة التهميش والإقصاء والتمييز بما يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وإقامة دولة المؤسسات وفرض سلطة القانون واحترام حقوق المواطن الفلسطيني. إن حكومة الوحدة الوطنية ليست شعارات فضفاضة ولا لافتات براقة للتسويق والاستهلاك المحلي بل هي حكومة تستوعب كل أطياف ومكونات الشعب الفلسطيني الصابر، دون استثناء أو تمييز، ومن هنا وتأسيسا على هذه الحقيقة نصّر على إشراك الجميع في النقاشات والحوارات والمباحثات التي تتعلق بعمل الحكومة للحيلولة دون الانفراد بطرح الآراء والأفكار مهما كانت بساطتها بحيث يعرف المشاركون أن مقترحاتهم محل تقدير وترحيب من قبل رئاسة الحكومة وأن قبولها ورفضها متعلق بمدى ملائمتها للوضع الجديد، وبالمقدار النفعي الذي يصب في خدمة المجتمع وبناء فلسطين الجديدة، كما أن رفضها بسبب أو لآخر لا يعني تهميش أو إقصاء مقترحيها، لا بل يتجاوز الأمر ذلك ويتعداه عند مناقشة القرارات الهامة والتي على تماس مباشر بالحياة اليومية للمواطن إلى إشراك الكل الفلسطيني بقواه وفصائله وأحزابه وتجمعاته والمستقلين ومؤسسات المجتمع المدني ليتسنى للرأي العام الاطلاع على الأهداف المرجوة من ذلك القرار قبل أن تفاجئ الجماهير بمفرداته المعلنة. إن الهدف السياسي والرئيسي لتشكيل حكومة التوافق الوطني هو بناء فلسطين مستقلة ذي سيادة وديمقراطية موحّدة، تكون دولتنا المستقلة متكاملة مع محيطها الإقليمي والدولي، وأن تسعى الحكومة من خلال تنفيذ المشاريع السياسية والتنموية والاقتصادية والخدمية المختلفة الوصول إلى خلق جو من التوافق والاستقرار السياسي لتتمكن من توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية وإنشاء بنية تحتية سياسية تؤهل فلسطين لأن تكون ورشة للتنمية والنماء والتأهيل والبناء والإعمار وعلى كافة الأصعدة، وأن يعمل الكل الفلسطيني لاحترام سيادة القانون وحرية الرأي والتعبير واحترام الحريات المدنية وحقوق المواطن الفلسطيني بكافة المجالات، والعمل على بناء مؤسساتي لهياكل الحكومة المختلفة، إضافة للتقاسم العادل للموارد بين الشعب الفلسطيني بلا تمييز، وان تعمل الحكومة على تقوية وتوثيق العلاقات بين فلسطين والمجتمع الدولي وخاصةً مع جيرانها على أسس الاحترام المتبادل، وعدم إعطاء أحد من التدخل في شؤوننا الداخلية، وأن تشرع الحكومة بحماية مشروع الحوار والمصالحة الوطنية حيث تعتبر هذه من إحدى أهم المشاريع التي يجب أن تتبناها الحكومة فوراً لإحلال السلم الأهلي والاستقرار والأمن في الوطن الفلسطيني، وان تعتمد الحكومة مبدأ الكفاءة والنزاهة والمهنية كأسس في التوظيف بدلاً من الانتماء الفصائلي والحزبي والمناطقي. إن الأيام والشهور القادمة تتطلب من الحكومة بكل مفاصلها تفعيلا جادا لدور القوى الوطنية المجتمعية والشخصيات الوطنية والاعتبارية لتعاون الحكومة في مرحلة البناء وإعطاء الجماهير زمام المبادرة في تشخيص الانحرافات التي ترافق الممارسات الاقتصادية والأنشطة الإدارية والخدمية لأجهزة الحكومة، حيث أن وجود هؤلاء كالمؤسسات الوطنية والاتحادات والهيئات والمنظمات الشبابية والنسوية والطلابية، والنقابات المهنية والحرفية يساعد بشكل واضح في بلورة الحالة الديمقراطية إذ تساهم هذه القوى بمساعدة الحكومة، ومثلما يحتاج النشاط الجماعي إلى الاشتراك الفعلي في العملية السياسية فإنه يحتاج بالمقابل إلى متابعة مستمرة لسلوكه ومراقبة التفاعلات التي تحدث بين أعضائه لتذليل الصعوبات قبل أن تتفاقم وتحجيمها. كما إن مسالة إصدار القرارات منوطة بالدراسة الوافية للظرف المرافق والموافق أو المعارض للنتائج المتوخاة من إصداره فالقرار الناجح مرهون باختيار اللحظة المناسبة والظرف الملائم والاستعداد الكافي وإلا فسيكون متخبطا وفاشلا بالنتيجة. لقد آن الأوان أن يجد جميع أطياف الشعب الفلسطيني طريقًا وأسلوبًا جديدًا في التعاطي مع أزمات الوطن المتفاقمة، وإيجاد المخارج والحلول الصحيحة لها، والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الإرادة والثقة المتبادلة بين الجميع فلا فرق بين هذا وذاك، فعلى الجميع أن يغلق صفحة السنوات الثمانية الماضية التي أضافت إلى شعبنا أثقالًا جديدة على معاناتهم وأزماتهم, والبحث عن المشتركات التي تقرب الحلول وتضمن سير تنفيذها، والأهم أن تطرح كل القضايا العالقة على طاولة البحث التي دعا إليها دوما وأبدأً الأخ الرئيس محمود عباس، ليتحمل كل طرف مسؤوليته بأمانة وشرف من دون التلويح باشتراطات لم تجد لها طريقًا للتحقيق على أرض الواقع قد تدخل وطننا، مرة أخرى بخانق لا يمكن هذه المرة الخروج منه، لان الوضع الوطني والحياة اليومية الشعبية في وطننا لا تحتمل أكثر من هذه الأزمات المفتعلة والتي تؤدي بنا إلى المهالك. آخر الكلام فليكن شعارنا الدائم من اجل فلسطين الغالية، وخدمة لكل أبناء الشعب الفلسطيني ويدا بيد من اجل الوحدة والبناء والتعمير والازدهار، وبارك الله في كل يد مخلصة مبدعة أمينة تخدم الوطن والمواطن. الإعلامي والكاتب الصحفي [email protected]