علقت في ذهني كلمات أغنية منذ عام ونيف من الشهور تراني جالساً حين ارددها كأني سمعتها منذ دهور تغنيت بها في حارتي مع إقراني الصغار لما كبرت تلاشت حروفها ضاعت في متاهات الحياة كان النغم قد ضاع هو الآخر من بين يدي كما ضاع العمر لا أعرف كيف استعاد الزمن ذاكرته فاهداني النغم من بعيد على كفيِّ يمامة بيضاء أرسلها مذياع أبي كان معلقاً على طرف العمود في باحة الدار لتستقر مكان غراب طار من عشه سريعا فعادت تصدر ذاك الهديل من جديد نغم الصبا يعود أبحث عن وجوه أقراني في تلك الألحان لم أجد ممن كان يستمع معي ففي الوجوه نقص كبير هززت غصن شجرة الليمون فوجدته قد يبس منذ زمن لم يطير منه عصفور جلست في حديقة الدار لم يبق منها سوى نخلة لا يمكنني تسلقها الآن امسح على رأس صغير كان ينادي جده فاستغربت كيف لجدِّه مغادرة المكان فتشبث بي حين هممت بتركه كنت مغادرا يا صغيري لأبحث لك عمّن تنادي فقال جدي لا تتركني مع وحشة الدار أرعبني قول الصغير هل كنت أهذي أم هو الزمان قد دارت رحاه يتردد النغم ثانية وبصوت أكثر إلحاحا تتلخص فيه أغنية قالتها شاعرة عاشقة وغنتها عاشقة أخرى كانت تبحث عن حب ضاع بين الرصاص عن صدر كان يدفئها في موسم الحب يغطيها في موسم البرد يظللها في موسم الشمس والمطر كنت اردد معها اللحن يشاركني صوت آخر لم أعد اسمعه يلتصق في أذني ........ولكني سمعته ذات مرة في الفراش كان البرد في حينها قارساً لم نعد نحظى بشتائنا الآن نتهم طبقة الأوزون وكفى توقف المطر منذ عقدين كاملين لم تعد تشكو البرد وتطلب الدفء مني يتحاشى ذلك الكرسي جلوسي عليه لم يعد يتحمل وزني في كل زاوية ذكرى في هذا المكان لم يعد للزمن وجود فأنا مازلت اصنع طائرتي الورقية في تلك الزاوية كنت أداعب نهديها بعيداً عن عيون الرقيب لم أعد أتذكر الأسماء تختلط عليَّ الوجوه لم أعد اعرف من فيهن البيضاء ومن كانت السمراء