رسالة إلى ملك النرويج دموع جلالتكم أثقلت مآقينا ضحى عبد الرحمن الدموع هي غسيل القلوب. إنها هي حوار داخلي مع النفس وإستنطاق لنوازعها. تجمع كل حرارة الفؤاد وأوجاع الجسم وترسبات الفكر وتنطلق بها إلى جناح السرعة من بوابتي العينين إلى رحاب الواقع. مثلها مثل طير الزاجل يحمل رسالة للعالمين مؤداها إن الدموع هي نسخة أمينة طبق الأصل من مشاعر القلب. عندما تكون الدموع حقيقية فهي تحمل بين طياتها قدرة غريبة على التناسل وإستقطاب شقيقاتها من بقية العيون فتجتمع تلقائيا بغفلة عن إبعاد الزمان والمكان وتتوحد كلها مثل غيمة حبلى بالمشاعر فتمطر على الأرض لتنظفها من الأردان وعلى الزرع لتجدد لمعانه ورونقه. دموع جلالة ملك النرويج التي صبت عفويا على ضحايا الفعل الأرهابي في أوسلو كان مفعولها أشبه بمفعول السحر فقد دخلت بلا إستئذان مآقينا وأخرجت دموعنا ودموع بقية البشر في كل أرجاء العالم. مهما بلغت قوة الأفرح على توحيد المشاعر الإنسانية لكنها لاتستطيع أن تنافس الأحزان بقوة توحيدها لأن الأحزان يقظة دائما وتترقب بشغف صدى صوت الضمير فتلبي ندائه على عجل. في حين تبقى الأفراح متذبذبة المواقف مترددة بين حلم مؤجل وأمل معطل. دموع جلالته كانت أشبه بمشكاة حمله بيدين مرتجفتين مسلطا الضوء على الأماكن المعتمة في دهاليز الإنسانية منيرا المكان لمن يسبر خلفه وداحرا به فلول الظلام. لا أعرف حقا من كان الأولى بمواساة أهالي الضحايا! أيعزيهم جلالته على مصابهم أم يعزوه أنفسهم على مصابه؟ من يواسي من؟ ومن يرثي من؟ تشابكت المشاعر وتحاضنت كعاشقين إلتقيا بعد فراق طويل، تجانسا كجسد واحد فضاعت القدرة على تمييز ملامح أي منهما. دموع جلالته كانت صرخة مدوية في ضمير البشرية. صرخة يجفل منها كل من ساد وسد أبواب عقله أمام شعبه وخيب آماله. سواء كان ملكا او رئيسا أو أميرا وأي لقب آخرا. فالألقاب صنيعة الرجال وليس الرجال صنيعة الألقاب. المناصب محطات تكليف وليست محطات تشريف! هذه هي القاعدة الأساسية لتقييم الإداء وغيرها لغو وهراء. مع سماع الخبر تصاعد في النرويج فوران شعبي عارم يمور على نار قوية. لكن مساره لم ينحرف فقد حصر بين أرصفة العقل والمنطق وليس القلب وأهوائه. ففي الليلة النرويجية الظلماء لم يفتقد البدر. في الوقت العصيب تمتحن إرادة الشعوب بمادتي الوعي والثقافة. وتمتحن الحكومات في مادتي التريث والتعقل. لم يخب ظننا في النتائج حيث كانت بدرجة إمتياز. فهذا الشعب العظيم لم يفقد جأشه رغم هول المأساة فبقي متمسكا بخيوط الحقيقة لا يفلت أي منها. وحكومة النرويج كانت حكيمة رشيدة واثقة من خطواتها ولم تعر أي إهتمام للأفاعي المندسة بين أحراش الوهم وسرعان ما رفعت رؤوسها لتلدغ الجسد الإسلامي لدغة موجعة. ولم يعبأ الشعب النرويجي المثالي في طبائعه لوسائل الإعلام المندسة والأقلام المأجورة التي تكابلت كالجرذان الجائعة لتقضم جبنة العرب والإسلام. الحكم العادل على الأمور ينطلق من القاعدة الواقعية وليس التنظيرية وهكذا كان ديدن النرويج شعبا وحكومة سواء في هذا الموضوع أو غيره فكان النجاح حليفهم دوما. فسوء التقدير والمبالغ في التضخيم يحرف العدالة عن مسارها الصحيح ويخلف الفوضى ورائه. شكرا جلالة ملك النرويج فقد ألهمتنا دموعك الطاهرة ورطبت تربة ضحايا الإرهاب. لقد أثبتت إنك أبا لشعبك بكل ما تحمله هذه الكلمة من حكمة وطيبة وإيثار. وشكرا لحكومة النرويج فقد كانت بمستوى الحدث والمسئولية سلوكا ورفعة . وشكرا للشعب النرويجي الرائع فقد أثبت بما لايقبل الشك بأن الجماهير لايمكن أن تجتمع على ضلال. فالشعوب التي تنبض بالحب والعطاء هي فقط الشعوب الحية. نقدم أحر عزاء لأهل الضحايا ونهمس لهم بكل صدق وأمانة" إن مصابكم هو مصابنا". فشهدائكم هم شهداء الإنسانية جمعاء. كلمة أخيرة لأرواح الشهداء. شهادتكم كانت درسا حيا وبليغا للعالم بأسره بأن الإرهاب ليس له هوية ولا جنسية ولا لون ولا دين. فهل هناك أعظم من هذه المضامين؟ طوبى لكم فذكراكم العطرة ستزكي أجواء الإنسانية لأجيال وأجيال قادمة. [email protected]