الأسود سيّد الألوان، سيّد المواقف والمناسبات الإنسانية، السعيدة منها والحزينة. والأخضر لون الربيع، لون المرابع، اللون الذي ترتاح العين لرؤياه. والأحمر لون الثورة، لون الشهداء، لون صارخ يضيء الانتصارات. والأبيض شعار السلام، لون المصانع، دليل الصفاء والنقاء.. هو ذاك العلم الفلسطيني الذي أضحى رمزا للتحرّر، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل أرجاء المعمورة. هذا العلم الجميل، الذي يتباهى الثوار بحمله، شوِّه بواسطة آفة اسمها الانقسام.. انقسام بين مجموعات من أبناء الشعب الذي ينتسب إلى هذا العلم، حتّى باتت شظاياه متناثرة، هنا قطعة خضراء، وهناك بيضاء، وهكذا.. وفي هذه الأيّام برزت قضيّة تتعلّق بتجلّيات هذا الانقسام «اللونيّة».. وقصّة الانقسام «اللونيّ» تتمثل بطلب مجموعة معتمرين من أبناء قطاع غزّة السفر، في الوقت الذي ترفض فيه الدولة التي يتوجهون إليها منحهم تصريحا بالسفر، لأن جوازاتهم «خضراء»، من النوع القديم، الذي ألغته السلطة في رام الله، واستبدلته بالجواز «الأسود»، فيما ترفض السلطات التي سيطرت على القطاع الجواز «الأسود»، وتبقي على الجواز «الأخضر»، بل وتمنع حملة الجواز «الأسود» في قطاع غزّة من السفر، بدعوى مماثلتهم بمن يحملون الجواز «الأخضر».. وفي لجّة صراع الأسود والأخضر، كان الشعب الفلسطيني هو الضحية، ودفع ضريبة هذا الصراع «اللونيّ»، كما هو الحال منذ ثلاثة أعوام (عمر الانقسام). وفي مثل هذه الأحوال، نجد أننا مضطرون في كل مرّة لتكرار الحديث في البديهيات التي تقول إن جواز السفر الحقيقي يحتاج قبل الورق والصور، إلى وطن حقيقي، حرّ، مستقل، ذو سيادة على أراضيه، لا سلطة أو «سليطات»، متحاربة ومنقسمة على نفسها.. كما نجد أننا مضطرّون لتذكير المنقسمين، بملايين اللاجئين الذين لا يحملون جواز السفر أصلا، وليس في جعبتهم سوى «وثائق سفر» مؤقتة، يعانون ويكابدون الأمرّين من أجل استخدامها في معظم الأحيان، لدخول بعض الدول، التي تسمح باستقبالهم. وأولا وأخيرا، يبقى أن نذكّر المنقسمين بأن القضية التي ينتمون إليها أكبر من أي صراع «لوني» من هذا الشكل، وأكبر من جواز سفر، وأن نذكّرهم بأن المعركة الرئيسية هي ضد الاحتلال، الذي سلبهم من الأساس الوطن وجواز السفر.. وفي هذا المجال لنا في قصيدة «جواز السفر» لشاعرنا محمود درويش عبرة.. القصيدة الأغنية (بصوت مارسيل خليفة) تروي حكاية وجع الفلسطيني المسافر حين تقول «لم يعرفوني في الظلال التي.. تمتصّ لوني في جواز السفر»، ثم تتحوّل إلى صرخة ضد الاحتلال وتبعاته، وتؤشّر إلى عمق ثورتنا الإنسانية، داعية إلى إسقاط جواز السفر، تقول: «كل قلوب الناس جنسيتي.. فلتسقطوا عني جواز السفر»، فلنركّز على الاحتلال، ولنعيد لعلمنا، بألوانه الأربعة، بهاءه وألقه، كرمز للثورة في كل مكان. [email protected]