المهارة والسرعة والذكاء والقوة والتصميم على بلوغ الهدف وتحقيق المهمة، هذا هو أول انطباع تستقبله عندما تتجول داخل الإدارة العامة لسلاح تدريب كلاب الأمن والحراسة، بأكاديمية الشرطة. "صاحب كلب يحرسك، ولا صاحب يقرصك" .. جملة سمعناها من أحد الأفراد داخل الإدارة، حملت بداخلها معانى كثيرة، أبسطها أننا أمام إدارة تحمل على عاتقها مهمة صعبة خصوصا في الفترة الاستثنائية التي مرت بها مصر بعد 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013 وتتعرض من وقت لآخر لتفجيرات وزرع عبوات ناسفة وغيرها.
إدارة تدريب كلاب الأمن والحراسة تتبع قطاع أكاديمية الشرطة، تم تجهيزها بميادين تدريب علي أعلي مستوي وعيادة بيطرية تشمل غرفة العمليات الجراحية ومعمل للتحاليل والأشعة وغرفة كشف يومية.
وفي أحد ميادين التدريب، تابعنا كيف يمكن للكلاب القيام بمهامها بمهارة فائقة، واكتشاف المتفجرات المخبأة داخل موتور سيارة، وكيفية الكشف عن المخدرات حتى لو كانت مدفونة تحت الأرض، وكيفية مهاجمة الكلاب لأحد المجرمين، وإنقاذها لشخص تحت الأنقاض..
تعرفنا أكثر على هذه الإدارة وطبيعة عملها، وكيف يتم شراء الكلاب وتدريبها حتى تصل لهذه الكفاءة.. من خلال حديثنا مع المسئولين عن الإدارة والعاملين بها من الضباط والأفراد.
وتتلخص مهمة الإدارة في الاشتراك مع أجهزة وزارة الداخلية في مكافحة الجريمة بشتى أنواعها، من جرائم إرهابية تستخدم فيها المتفجرات، أو جرائم تهريب المخدرات وجلبها من الخارج، وتأمين المنشآت باستخدام كلاب الحراسة، وصولا للحالات الإنسانية والإنقاذ في حالات الكوارث، والإدارة لديها 26 وحدة جغرافية على مستوى الجمهورية، وتتنوع تخصصات الكلاب، ما بين الكشف عن المفرقعات أو المخدرات أو الاستعراب، وكلاب الكوارث والحراسة، أما أنواع الكلاب التي تستخدمها الإدارة فهي الجيرمان شيبرد ودوبرمان والرودفيلر والمالينو، وغيرها وهناك سجل خاص لكل كلب، يضم نوعه وتخصصه وخبراته، وكل أنواع الكلاب بالإدارة تستورد من الخارج، من هولندا والمجر والتشيك وسلوفينيا، ويتم شراء الكلب في عمر سنة ونصف السنة، حيث تسافر كل عام لجنة مكونة من ضباط وأطباء بيطريين لشراء هذه الكلاب.
ويتم شراء الكلاب من مزارع خاصة، حيث يقوم أصحاب المزارع بعرض بعض الكلاب للبيع بعد اختبارها واختيار الصالح منها، وبعد ذلك تقوم اللجنة باختبارها أيضا للتأكد من ملاءمتها لطبيعة العمل أو المهام التي ستكلف بها، حيث تكون هناك اختبارات طبية وفنية، والاختبار الفني يعني مدى إمكانية الاستعانة بالكلب، فكل كلب له طبيعة وشخصية خاصة، فمثلا عندما ينظر أحد أفراد اللجنة في عين الكلب ويركز معه إذا ثبت الكلب ولم يتحرك للخلف أو يهرب فهذا يدل على كونه كلبا شجاعا، وإذا تحرك للخلف فهو جبان ولا يمكن الاستفادة منه، كما أنه من المهم في الاختبارات معرفة قدرته على استخدام حاسة الشم، ومدى خدمته للإنسان، الأهم من كل هذا هو الاسترجاع، وهذا يعني أن الكلب قد يكون لديه كل المهارات لكنه بعد أن يقوم بالمأمورية يهرب ولا يعود لمدربه، ومن الضروري أيضا أن يكون الكلب الذي تم شراؤه في منتهي الشراسة.
أما فيما يتعلق بعملية التدريب، فبعد شراء الكلب الذي يكون عمره حوالي عام ونصف العام، تبدأ أولى خطوات التدريب وهي فترة التعارف والتآلف بين المدرب والكلب وتكون مدتها حوالي 20 يوما، ويتم خلالها خلق علاقة ثقة وحب قوية بين الكلب ومدربه، ثم تأتي المرحلة التالية وهي تحديد تخصص الكلب،هل سيعمل في مجال المفرقعات أم المخدرات أم غيرهما، فكلاب المفرقعات يجب أن تتميز شخصيتها بالهدوء والشخصية القوية الثابتة، لأنه سيعمل في وسط أجواء صاخبة، وفي خلال فترة تدريبه يعلمه المدرب عندما يكتشف المتفجرات فإنه يقف بجانبها ولا يلمسها تحت أي ظرف، وعندما يرشد الكلب مدربه عن مكان المتفجرات، يعود لمدربه الذي يعطيه "كرة" يمسكها بفمه كمكافأة أو هدية تدل على نجاحه في المهمة أو المأمورية، أما كلب المخدرات فلابد أن يتميز بالنشاط والحركة، لأنه يبحث عن المخدرات في أماكن مختلفة ووعرة، وأحيانا يضطر للحفر بيده حتى يصل للمخدرات، أما كلب الكوارث، فهو يتعلم كيف يشم رائحة الإنسان الحي أو الميت، وهو يستخدم في إنقاذ الجثث من تحت الأنقاض، وعمليات التدريب هذه تستغرق مدة تتراوح بين شهرين وأربعة أشهر.
وهناك محاولات خداع ومضللات يحاول أن يستخدمها محترفو الإجرام والإرهاب هذه الفترة، حيث يتم وضع شطة وفلفل وغيرها من المواد على المتفجرات والمخدرات حتى لا يكتشفها الكلب، ولكن الكلب يتم تدريبه على كل هذه الظروف ويتمكن بالفعل من اكتشاف المتفجرات أو المخدرات.
وتعتمد كفاءة الكلب على مدى إمكانياته ومدى رغبته في العمل، وأيضا التدريب وكفاءة المدرب، وضباط إدارة سلاح تدريب الكلاب لديهم كفاءة غير محدودة في التدريب ولديهم قدرات عالية مشهود بها عالميا، أيضا يتم تدريب المجندين على كيفية التعامل مع الكلاب، ويتم نقل الخبرات لهم ممن هو أقدم منهم وأكثر خبرة منهم.
وعلاوة على التدريبات الأولية التي يتلقاها الكلب، فإن هناك تدريبات يومية للكلب يتم خلالها رفع كفاءته، ويكون هناك طوابير عادية وأخرى تنشيطية، كما أنه يكون لديه مهمات يومية ينفذها، وتتراوح مدة حياة الكلب تتراوح 12 و14 سنة، كما أن خدمته تتراوح بين 8 و10 سنوات.
ومن خلال الرصد تبين أن الإمكانات البدينة والنفسية والذهنية للكلب عندما توضع مع بعضها البعض تبدأ المرحلة التالية وهي اختيار الأنواع التي تصلح للعمل في جهاز الشرطة، فالاختيار له جانبان مهمان، الأول هو التحقق من الإمكانات والسلامة البدنية للكلب، والثاني هو التأكد من الصفات الذهنية والخلقية للكلب، والغرائز الموجودة لديه، وكل هذه الأمور نخرج منها بنماذج اختبارات تطبق على الكلاب التي تصلح للعمل بجهاز الشرطة، وتحدد التخصص الذي يصلح للخدمة به.
بعد ذلك تبدأ العملية التدريبية للكلب، وهي تنقسم إلى قسمين، الأول، يعتمد على القوة الجسمانية للكلب ويندرج تحته تخصصات الحراسة والدورية وكلاب تأمين الملاعب الرياضية والمهام ذات الطبيعة الخاصة.أما القسم الثاني فهو متعلق بالتخصصات التي تعتمد على حاسة شم الكلب، ويتم تدريب الكلب على عدة أمور، منها البحث عن الرائحة البشرية، وهي تختلف فإما أن تكون رائحة بشرية للأحياء، وهي تكون للكلاب في تخصصات الاستعراب، وتتبع الأحياء تحت الأنقاض وإنقاذهم، أو التدريب على الرائحة البشرية للأموات، كما في الجثث تحت الأنقاض، أو في عمليات البحث الجنائي، أما الروائح غير البشرية التي يتم تدريب الكلاب عليها، فهي البحث عن المخدرات والمفرقعات والعملة والبحث عن آثار ما بعد الحرائق، وكل هذه التدريبات تبني على شيء أساسي اسمه تدريبات التآلف والتعارف وطاعة أوامر المدرب، وهذه العلاقة بين المدرب والكلب مبنية على حب الكلب لمدربه وإطاعة أوامره.
وفيما يتعلق بتدريبات كلاب الحراسة، فهي تعتمد على لغة تخاطب الكلاب وخصوصا لغة الجسد، وهنا يتم تعليم مساعد المدرب الذي يقوم بدور المجرم الذي يطارده الكلب، ويقبض عليه، كيف يتمكن مساعد المدرب (المجرم) أن يدفع الكلب للهجوم عليه وأن يحرس قائده، حيث يدخل مساعد المدرب في منافسة بجسده مع الكلب، مفادها، من الأقوى؟ ومن المسيطر؟ وهنا لابد أن أن يثبت الكلب أنه الأقوى والمسيطر.
ومن خلال حواراتنا داخل الإدارة، اكتشفنا أن أهم درس في التعامل مع الكلاب، هو أنه حتى الآن لم يفهم أحد حقيقة الإمكانيات النفسية والشمية للكلاب، فدائما في المأموريات تبهر الكلاب الجميع بأمور لا يتوقعونها، فمثلا "كلب شم عقب سيجارة تحت مطب في نادي الجزيرة كانت واحدة شاربه فيه مخدرات".
أما فيما يتعلق بخطة عملية البحث عن المتفجرات في الفترة الحالية، فعملية البحث تتم بناء على خطة الوزارة، والخطة تشمل تأمين المنشآت الهامة، وتأمين ألأحداث والمؤتمرات، وتأمين الأماكن الأكثر استهدافا من قبل الجماعات الإرهابية من خلال التفتيش الذي يكون دوريا و مفاجئا أو بناء على إخطار من الأهالي أو معلومة لدى جهاز الشرطة.
أما أهم شيء في تدريب الكلب، هى فترة التعارف والتآلف بين الكلب ومدربه، لأن العلاقة والثقة التي تنشأ بين المدرب والكلب، هي التي تحدد بعد ذلك كفاءة الكلب ومدى طاعته وتنفيذ أوامر مدربه، فهذه الفترة يحفظ الطرفان سلوك بعضهما البعض، وهي تشترط أن يكون هناك تعامل باحترام وود من قبل المدرب، الذي يكون بالنسبة للكلب كل شيء، فهو من يطعمه ويهتم به، ودرجة الكفاءة تختلف من كلب لآخر، فهناك كلاب ذات كفاءة عالية وهذه تستخدم في الكشف عن المتفجرات والمخدرات، وهناك كلاب ذات كفاءة متوسطة وهي تستخدم في باقي المأموريات الأمنية، وهذه الكفاءة تتوقف على مدى ذكاء الكلب وقوة الشم بالنسبة له ولياقته البدنية.
ويعود تاريخ استخدام الكلاب في مصر، والتفكير في إنشاء إدارة لها إلى سنة 1931، حتى أنشئت في سنة 1932، على يد اليوزباشي سعيد عزيز الألفي وتطورها بعد ذلك وإدخال تخصصات جديدة بها.