المعاش .. نقطة النهاية بعد مشوار طويل في الوظيفة ، فكأنك طوال 40 عاماً تقريباً تركب قطاراً لا يتوقف سوي للراحة لفترات قليلة .. وفجأة عندما تصل لمحطة سن الستين تجد من ينادي عليك لتترك مكانك لغيرك ، وبعدها تستقل قطاراً آخر له نظام مختلف عن الروتين والمواعيد والدرجات الوظيفية .. فهم يقولون عنه سن " التقاعد " ولكن الحاج عربي يعتبره سن " إعادة النظر " في أمور كثيرة .. والحاج عربى عيد سبيع كان يعمل موظفاً بسيطاً فى أحد مصانع الهيئة العامة للتصنيع ، ووصل إلى درجة نائب مدير، وعن أخر يوم له فى الخدمة يحكى لنا تفاصيل لن ينساها وستظل محفوظة فى ذاكرته، يقول : أتذكر هذا اليوم بكل تفاصيله كأنه حدث منذ ساعات ، ذهبت إلى العمل فى موعدى الثابت فى الثامنة صباحا، وكان من المفترض ألا أذهب إلى العمل فى ذلك اليوم لأننى حسب القانون أنهيت الخدمة قبلها بيوم واحد .. ولكن بحكم العادة استيقظت في موعدي وذهبت لعملي ، وعلى عكس العرف الموجود فى معظم الجهات الحكومية والخاصة بجمع مبلغ مالي وعمل حفلة للموظف الذي يخرج على المعاش يجتمع فيها كل الموظفين بالمؤسسة أو الهيئة وبتباروا في كلمات المدح والإشادة ، لكنني خالفت كل الأعراف ورفضت عمل هذه الحفلة وأكتفيت بأنني قضيت آخر يوم لي مع زملاء العمر فى العمل ، نضحك مع بعض وننبسط .. واستمتعت بالجلوس علي مكتبى لآخر مرة ، ثم ودعت جميع زملائي والذين فاجئوني بهدايا تذكارية كثيرة ، وكان كل شخص يأتي ليسلم علي أهديه شيكولاتة ، وفي نهاية اليوم عدت إلي البيت وكنت فى منتهى السعادة .. وبمقدار حزنى لخروجى على المعاش ، لكن آخر يوم لي فى الخدمة كان ايضاً أسعد يوم فى حياتى كلها، فقد عرفت قدر محبة الناس لي .. وهي قيمة غالية لا تقدر بثمن أبداً في هذه الأيام الصعبة ، وعموماً هذه هي سُنة الحياة .. وعلي كل شاب أن يعرف أن هناك دائماً محطة نهائية لمشواره الوظيفي لابد أن يعمل حساباً لها ، وكل موظف سيأتي عليه يوم المعاش ، وأنا والحمد لله كنت محبوباً جدا بين زملائي ولم أقل نهائياً كلمة " لا " أمام أى خدمة قصدنى فيها أحد ، ولذلك رغم تركي للعمل ما زال هناك ود وسؤال وزيارات واتصالات تجمعنى بزملائى فى العمل كل يوم .