سبعون ألف صفحة تقريباً كتبت تاريخ مجلة " الشباب " منذ صدور عددها الأولي في أغسطس عام 1977 .. وطوال هذه السنوات لم تكن فقط الأشهر والأفضل والأعلي توزيعاً .. ولكنها أيضاً كانت بمثابة مرآة لكل أحداث المجتمع وما يخص فئة الشباب ، ودائماً كانت " مستقلة " في أرائها وانحيازها الوحيد لقارئها والمهنية والصدق ، وكانت صفحاتها – ومازالت – بانوراما شاملة لإهتمامات وأحلام وهموم أجيال ، وبمرور السنين كان الزمن يتغير .. ومعها تغطيتنا الصحفية لها ، وطوال شهر أغسطس الجاري وضمن احتفالاتنا بعيد ميلاد مجلة الشباب ال39 .. ستنشر بوابة " الشباب " يومياً موضوعاً مميزاً من أرشيف المجلة والذي تم نشره طوال الثلاثين عاماً الماضية (1986-2016 ) .. وهذه الموضوعات لم تكن الأفضل .. ولكننا راعينا في اختيار عناوينها أن يتوافر لديك عزيزي القاريء سجلاً من 30 محطة تعكس التطورات التى لحقت بآحوال وواقع الشباب في مصر طوال السنوات الماضية .. بمعني آخر كأنها لوحة من الموزاييك تفاصيلها مختلفة .. ولكنه في النهاية تعكس مشهداً واحداً عنوانه " شباب مصر خلال 30 سنة .. كيف كانوا بالأمس وإلي أين وصلوا اليوم ؟ " .. وكل عام ومجلة " الشباب " دائماً تمثل لديكم الصدق والموضوعية ..وصوتكم الدائم . الشباب - عصابات دولية تنصب علي الشباب راغبي السفر لأوروبا النتيجة: التجمد عند الحدود - وزارة الهجرة: لانحمي من يتعاملون مع الباب الخلفي ولا نملك لهم شيئا - القنصل الإيطالي: منح تأشيرات الإقامة يحتاج لمتطلبات السوق الإيطالية - وزارة الخارجية: لا نساعد إلا من كانت إقامتهم بالخارج شرعية تحقيق: هبة حنفي ماسي الشباب المصري الذين وقعوا ضحايا لمكاتب السفر الوهمية لا حصر لها وأخرها ماساتان -وقعت احدهما علي حدود النمسا تشيكوسلوفاكيا والاخري في ايطاليا وقد تعرض فيهما الشباب لعمليات نصب دفعوا فيها ما يملكون ثم عادوا الي مصر صفر اليدين تطاردهم خيبة الامل. وفي هذا التحقيق يروون للشباب قصتهم مع باعة الوهم . ويجيب المسئولين في وزارة الهجرة والقوي العاملة والخارجية عن الأسئلة الحائرة التي تتردد علي السنة راغبي السفر الي الخارج. المأساة الأولي تعرض لها 4 شبان مصريين تجمدت اطرافهم من الجليد علي حدود النمسا - تشيكوسلوفاكيا- وفي مستشفي هليوبليس بمصر الجديدة التقينا بهم ونظرا للظروف الصحية السيئة التي يعاني منها ثلاثة منهم تحدثنا مع الرابع واسمه سيد عطا الله يوسف وهو حاصل علي بكالوريوس تجارة الأزهر الذي روي لنا قصتهم فقال: قررنا السفر الي ايطاليا بحثاً عن فرصة افضل للعمل واتفقنا مع احدي شركات التسفير بالقاهرة علي ذلك مقابل 4000 من كل فرد .. وافهمتنا الشركة اننا سنحصل اولا علي تأشيرات لتشيكوسلوفاكيا ومنها سنعبر الحدود للنمسا ثم الي ايطاليا!! فوافقنا .. وسافرنا ووصلنا الي براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا وهناك التقينا بشخص تابع "لشركة التسفير" اسمه ابراهيم علام فأرشدنا الي فندق نقضي به ليلتنا .. وفي اليوم التالي جاءنا او ابلغنا باننا سنستقبل اتوبيسا معه حتي النمسا بعد ان نعبر الحدود التشيكية .. وقبل الحدود بحوالي 15 كيلومترا اوقف الاتوبيس وشرح لنا الطريقة التي بتعين علينا ان نتبعها لدخول تشيكوسلوفاكيا فقال: اعبروا الحدود سيرا علي الاقدام فهي لاتبعد سوي 3 كيلومترات من الجبل وسوف نلحق بكم فشرطة الحدود لاتسمح بالعبور لمن لا يحملون جنسية اوروبية اما هو فقد ظل بالسيارة لأنه يحمل جنسية تشيكية، وتركنا ودخلنا المنطقة الجبلية لنكتشف ان المسافة بعيدة جدا وأن الطريق لاينتهي والجليد يغطي الأرض من حولنا، وبعد 22 ساعة من التخبط شعرنا بأن قوانا قد خارت وان اطرافنا قد تجمدت فخرجنا للطريق الاسفلتي وسلمنا انفسنا لشرطة الحدود التشيكية الذين اعادونا الي براغ في سيارة شرطة وابلغوا القنصل المصري هناك فأدخلنا أحد المستشفيات التشيكية لعلاج "عضة الثلج" التي اصابت اطرافنا، وبعد ان تلقينا العلاج اللازم حاولنا البحث عن ابراهيم علام هذا لكننا لم نجد له اثرا في براغ كلها فذهبنا للقنصل المصري مرة أخري وطلبنا منه ان يعيدنا لمصر بعد ان نفدت نقودنا، وها نحن الان نرقد في اربعة اسرة في القسم المجاني للمستشفي ويتعرض زملائي الثلاثة لاحتمال قطع كفوفهم بعد ان فسدت الاوعية الدموية الموجودة بها. اما المأساة الثانية فقد كان بدايتها خبرا نشر في الصحف المصرية عن 58 شابا مصريا اوهمتهم عصابة دولية مكونة من مالطي وفلسطيني وايطاليين بمنحهم تأشيرات دخول الي ايطاليا عن طريق مالطة مقابل الف جنيه من كل فرد فدفعوا المبالغ المطلوبة ونقلهم افراد العصابة علي احدي السفن الي احد الموانيء الايطالية غير الرسمية ثم تركوهم هناك بعد ان قاموا بتمزيق جوازات سفرهم فعادوا الي مصر مرة اخري يعتصرهم الاسي وخيبة الامل. وفي السفارة الايطالية بالقاهرة تقول السيدة/ كاردينالي جيوسيب القنصل العام: يستطيع الشاب المصري الحصول علي تأشيرة دخول لايطاليا في اي وقت طالما كان ذلك بطريقة شرعية من خلال القنصلية الإيطالية ولكن يجب ان نفرق بين تاشيرة الاقامة للعمل حيث تخضع الأخيرة لمتطلبات السوق في ايطاليا التي تحددها وزارة العمل الايطالية كما تحدد المجالات التي تحتاج الي عمالة او خبرة مع مراعاة تخصيص فرص العمل للمقيمين في ايطاليا سواء كانوا ايطاليين او اجانب وبعد ذلك نقبل طلبات العمل والاقامة من بعض الدول الصديقة ومنها مصر. وعن امكانية حصول الشباب المصري علي تأشيرة دخول لايطاليا من خلال بلد اوروبي اخر تقول السيدة/ كاردينالي: بعض الشباب المصري يقع في هذا الخطأ لانهم لا يعلمون ان سهولة الانتقال بين الدول الأوروبية مقصورة علي المواطنين التابعين لدول المجموعة الأوروبية المشتركة اما مواطنو الدول الأخري فحصولهم علي تأشيرة دخول يتطلب اجراءات محددة لذلك سواء حصلوا عليها من بلادهم او من سفارة ايطاليا باية دولة اوروبية.. وتضيف القنصل الايطالي قائلاً "اعلم ان اعدادا كبيرة من الشباب تدخل ايطاليا من ابواب خلفية وغير شرعية لا داعي لذكرها .. وهولاء ليس لديهم فرص البقاء هناك لان البوليس الايطالي. نشيط جدا في تعقب ومتابعة الذين ليس لهم وجود قانوني ويتم ترحيلهم الي بلادهم مرة أخري بعد ان يكونوا قد انفقوا كل ما استطاعوا جمعه علي شركات اجرامية اوهمتهم بامكانية تسهيل اقامتهم في إيطاليا عن طريق بلد اخر كما حدث مؤخراً مع بعض الشباب المصري الذي سافر الي مالطة. وعلي الناحية الأخري فإن بعض الشباب ينجح في دخول النمسا بطرق عديدة بعضها قانوني .. ليجد في انتظاره اعمالا مهنية لا يقبلها في مصر منها بيع الجرائد في المحطات خلال ساعات الصباح الباكر ودرجة الحرارة تقل عن 10 درجات تحت الصفر والبعض الأخر يعمل في لصق اعلانات المنتجات في الشوارع وهي مهنة كانوا ينتظرون لمن يؤديها في مصر نظرة تكبر واستعلاء اما سعداء الحظ الذين يرضي عنهم رؤساؤهم فيتقاضون اجورا تكفي بالكاد لمعيشتهم في غرف يسكن فيها 10 شباب أحيانا في وقت واحد بحيث يستحيل ان يجدوا فيها جميعاً في وقت واحد !!. فمن يحمي الشباب من هذه المخاطر؟ في وزارة الهجرة يقول أحد المسئولين: "مسؤليه الوزارة تشمل رعاية وحل مشاكل المصريين العاملين او المهاجرين للخارج، مع مراعاة اننا نؤدي هذه الخدمات للمصريين المسافرين بطرق شرعية للعمل او للهجرة .. اما اذا كان الشاب قد اعتمد علي نفسه ولجأ للطرق الخلفية في سفره كأن يحصل علي تأشيرة دخول للسياحة ثم يقرر البقاء في نفس الدولة او ينتقل الي دولة اخري فاننا لا نتدخل وهذه مشكلة أخري! وفي وزارة القوي العاملة يقول كمال قناوي مدير العلاقات العامة: ان الوزارة لاتعرف مايسمي "بمكاتب التسفير" لأن وجودها انتهي مع صدور القانون رقم (10) واعطيت مهلة 6 شهور لتعديل اوضاعها وفقا للقانون وعلي الشباب ان يتجنبوا التعامل مع السماسرة لانهم يتاجرون بأحلامهم ونحن غير مسئولين عما يحدث لأي شاب يلجأ لهذه الطرق غير المشروعه، وعن الاتفاقيات الدولية لتبادل العمالة التي تعقدها الوزارة مع الدول الاوروبية يقول كمال قناوي: ان الاتفاقية الوحيدة التي ابرمناها مع دولة اوروبية كانت مع اليونان من أجل تنظيم استخام العمالة المصرية هناك اذ لدينا مايقرب من 30الف عامل يرعاهم التمثيل العمالي الموجود في اثينا. واخيرا يقول احد المسؤلين بوزارة الخارجية: مهمة الخارجية حماية المواطنين المصريين في الخارج فاذا كانت اقامتهم شرعية فاننا نسهل لهم سبل الحياة هناك. ونساعدهم علي الحصول علي عمل او اقامة مثلاً اما اذا كانت اقامتهم غير شرعية فنتولي ترحيلهم الي مصر في هدوء ودون مشاكل .. وعن حصول الشاب المصري علي عقد عمل بالخارج يقول: القانون ينص علي ان يتم السفر بعقود عمل موثوقة من وزارة القوي العاملة، وهناك دليل بالشركات التي تتصف بالنزاهة والامانة موجود بوزارة القوي العاملة وعلي الشاب اذا اراد السفر ان يطلع عليها. اما اذا اراد الشاب ان يحصل علي تأشيرة سياحية لاحدي الدول الاوروبية فعليه ان يلجأ لسفارتها للحصول علي تصريح سليم .. فكل سفارة لها قوانينها التي تنظم لها كيفية اصدار التاشيرات ومنحها .. ووزارة الخارجية لا تتدخل في امور السفارات . وعن حماية الشباب وتأمينه ضد الاعيب مكاتب التسفير يقول المسؤل بوزارة الخارجية: ليس لوزارة الخارجية دور في ذلك، فالدور الاساسي هنا يكون لوزارة الهجرة ووزارة القوي العاملة والمجلس الاعلي للشباب والرياضة ولا نملك الا ان ننصح اي شاب بالحذر والتأكد من نزاهة "شركات السفر" التي يتعامل معها بحيث يسلك طريقا شرعية تجعله امنا علي نفسه وعلي مستقبله في البلد الذي يسافر اليه. تم نشر هذا التحقيق في العدد 180 يوليو 1992