حكاية قديمة انتشرت فجأة علي الفيس بوك تعود لأيام العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، وحسب الرواية فإنه أيامها تم اتهام المطربة الكبيرة ليلى مراد بالعمل لصالح الجيش الإسرائيلي ، فقد ظهرت شائعة – قيل إن مصدرها طليقها وقتها أنور وجدي- إنها اتبرعت بخمسين ألف جنيه لإسرائيل، وأولاد الحلال أكدوا على هذا بأغنيتها الشهيرة "يا مسافر وناسي هواك" والتي غنتها في فيلم "شاطئ الغرام" سنة 1950 !! والذي قام بفك الشفرات وقتها قال إنها تقصد بالمسافر في الأغنية اليهود اللي هاجروا من مصر بعد نكبة 1948 ، وإنها لما قالت "إحكيله يا موج مطروح ع القلب اللي بات مجروح" كانت بتبعت رسالة مشفرة لإسرائيل للهجوم على مصر من "مرسى مطروح"! .. وبالبحث عن أصل الحكاية كان لابد من الرجوع للوراء قليلاً والتوقف أمام كثرة الشائعات التى ارتبطت بيهود مصر من الفنانيين وعمالتهم لإسرائيل ، مثلاً كاميليا - أو ليليان ليفي كوهين - غريمة أسمهان في عشق المخرج أحمد سالم قد تم اتهامها بالتجسس لصالح اسرائيل ، ووصفها الكاتب حنفي المحلاوي في كتابه " فنانات في الشارع السياسي " بأنها عميلة من الدرجة الممتازة للمخابرات الإسرائيلية، ولم يكن ارتباطها بالموساد عاطفيا ولكن باعتبارها يهودية، وقد لعبت دورا خطيرا منذ عام 1948 حتى 1950 ، وانضمت للجمعيات الخيرية لجمع تبرعات لصالح الدولة الصهيونية ، وأكد البعض أن موتها كان مدبرا من قبل الحرس الجديد للملك سواء بعلمه أو بدون علمه بينما أكد آخرون أن مقتلها كان بتخطيط أجنبي ، أما الفنان اليهودي الأصل "ديفيد حاييم ليفي" الشهير ب "داود حسنى" وهو ذلك الملحن المشهور الذي أشيع أن له علاقة بالموساد – علماً بأن الموساد لم يكن موجوداً وقتها أصلاً - وهو المولود 1870 وتوفى عن عمر ناهز 37 عاما ، ولم يكن له أي نشاط سياسي في حياته، ولكن إسرائيل استطاعت أن تحصل على تراثه وألحانه، واعتبرته جزءا من تراثها الفني، والمعروف أن ابن داود حسنى المسمى "بديع هاجر"ذهب بالفعل إلى إسرائيل وعمل هناك مذيعا في الإذاعة لإسرائيلية ، كما أشيع أن اليهودية "راشيل إبراهيم" الشهيرة ب "راقية إبراهيم" كانت على علاقة بالموساد، وهذه الفنانة بدأت حياتها الفنية مع محمد عبد الوهاب والمخرج محمد كريم في فيلم "رصاصة في القلب" مع بداية الأربعينيات وأعلنت إسلامها وتزوجت المهندس المصري المسلم "مصطفى والى" ثم انفصلت عنه وهاجرت إلى أمريكا بدون أسباب واضحة ثم عادت وتزوجت هناك من يهودي، وعملت في سكرتارية الأممالمتحدة إلى أن تقاعدت وافتتحت محلا للحلوى الشرقية.. أما ليلي مراد فحكايتها تعود عقب ثورة 1952 .. فقد تم اتهام ليلى مراد بالتجسس لصالح الموساد واستغلال علاقتها بالملك لإمداد المخابرات الاسرائيلية بالمعلومات، وذلك بعد نشر خبر تسرّب الى الصحافة مفاده أن ليلى مراد زارت اسرائيل وجمعت تبرعات تقدر ب 50 ألف جنيه لتمويل الجيش الصهيوني ، وشجع على انتشار الخبر أنها يهودية الأصل – أعلنت إسلامها عام 1947 وتزوجت ثلاث مرات من فطين عبد الوهاب وأنور وجدي ووجيه أباظة – وأحدث الخبر ردود فعل غاضبة منعت على إثرها أغاني ليلى مراد وأفلامها في سوريا، مما جعلها تقدم على إنتاج فيلم " الحياة حب " الذي تدور أحداثه حول ارتباطها وتعاطفها مع الجيش المصري لتحرير فلسطين·· وكان الفيلم ضعيف المستوى ولم يضف لتاريخها شيئا·· ونتيجة الحملة الشعواء ضدها تركت ليلى الأضواء عام 1955 ، وقد وصل تأثير الشائعات لدرجة أن السلطات المصرية عزمت على اعتقالها ومصادرة أموالها·· وبعد تحريات قام بها مجلس قيادة الثورة تأكدت براءتها·· وحسب بعض صحف النميمة فإن ليلى مراد عقب سماعها الخبر أغمي عليها وقالت " الله يجازيك يا أنور" وهي تقصد أنور وجدي ، وعقدت ليلى مراد مؤتمرا صحفيا نفت فيه جمع تبرعات لاسرائيل ، وأكدت أنها مسلمة ومصرية وتريد أن تدفن في مقابر المسلمين بالقاهرة، وقيل إن "شيمون بيريز" اتصل بها ذات مرة في أعقاب محادثات السلام المصرية – الإسرائيلية، التي بدأت في عام 1977 بزيارة السادات للقدس والكنيست الإسرائيلي، والتي أدت إلى توقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد عام 1979 ولكن المطربة قالت للخادمة " أغلقي الخط " ولم ترد عليه ، ووسط القصة السابقة تناسي كثيرون إنه حين ظهرت مشكلة فلسطين علي سطح الحياة السياسية في مصر , اختارت ليلى أن تكون مع مصر وفلسطين, وظهر فيلم “شادية الوادي” وفيه استعراض لقضية فلسطين وتعاطفت مع القضية والشعب الفلسطيني, كما أن ليلى مراد وأسرتها كانوا من الرافضين لمسألة ترك مصر والهجرة إلي ما يسمي بوطن اليهود , وعندما كانت صغيرة عارضت الحاخام في مصر ورفضت الهجرة وتوسلت إلي والدتها التي أيضا كانت مقتنعة بعدم الهجرة إلي مكان لا تعرفه ولم تعش فيه حيث كانت تعتبر مصر هي الوطن والأم والدين ، ولم تكتفِ ليلي مراد بذلك بل قامت بإنتاج فيلم “الحياة حب”، وهو الفيلم الوحيد الذي مثلت فيه من إنتاجها وبأموالها لتؤكد موقفها من القضية الفلسطينية حين قامت بدور ممرضة في مستشفي لرعاية الضباط الجرحى العائدين من حرب فلسطين, ومن بينهم الضابط الذي أحبته, وعندما قامت ثورة يوليو وقفت ليلى مراد تدعمها ليس بالغناء فقط، بل كانت تجمع التبرعات للثورة من خلال ماعرف ب«قطار الرحمة» الذي كان يجوب الأقاليم المصرية وضم ماري منيب واسماعيل ياسين وغيرهما، وقد غنت ليلى مراد أغنية الجيش المصري «بالاتحاد والنظام والعمل» وهو الشعار الذي رفعه الرئيس الراحل محمد نجيب أول رئيس لمصر.. وقد تم تكريم ليلى مراد من مجلس قيادة الثورة بعد أغنية «باسم الله» ولم تدع ليلى مراد حفلة أو مناسبة وطنية في مختلف ربوع مصر الا وغنت فيها أغاني وطنية ، وفي عام 1953، أرسلت ليلى مراد خطابا بخط يدها، نشر الكتاب نسخة منه، إلى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، تستنجد به من مطاردات عناصر يهودية أثناء وجودها في أوروبا ، كما شكت من التضييق الذي كانت تلقاه من السلطات في مصر بعد عودتها بمعرفة بعض أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو أبرزهم صلاح سالم وعبد المحسن أبو النور ، واستمر ذلك إلى أن التقت ليلى عبد اللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادة الثورة، بعد عودتها من فرنسا ووضحت له موقفها، وهو اللقاء الذي انتهى بتبرئة ساحتها من شبهة العلاقة بدولة إسرائيل ، وطال الاتهام وقتئذ أنور وجدى بأنه السبب فى تسريب شائعة علاقتها بإسرائيل نتيجة الخلافات التى نشبت بينهما وانتهت بالطلاق، لكن أنور دفع إلى الصحف بخطاب يؤكد فيه أن ليلى مراد: «مسلمة عربية صميمة يحبها كل العرب وتبادلهم هى بدورها هذا الحب»، وقال أنور وجدى إن الاختلافات الدينية أو السياسية لم تلعب أى دور فى طلاقهما، انتهت القضية فى مصر وتأكد زيفها ، كما إنه كان خلال وقت ظهور هذه الشائعة موجوداً في فرنسا للعلاج. وليلي مراد ولدت في الأسكندرية لأسرة يهودية الأصل وكان اسمها «ليليان» والدها هو المغني والملحن إبراهيم زكي موردخاي "زكي مراد" الذي قام بأداء أوبريت العشرة الطيبة الذي لحنه الموسيقار سيد درويش، وأمها جميلة سالومون يهودية من اصل بولندي ، سافر والدها ليبحث عن عمل بالخارج وانقطعت أخباره لسنوات، اضطرت فيها للدراسة بالقسم المجاني برهبانية نوتردام ديزابوتر - الزيتون، وتعرضت اسرتها للطرد من المنزل بعد نفاذ أموالهم وتخرجت بعد ذلك من هذه المدرسة . بدأت مشوارها مع الغناء في سن أربعة عشر عامًا حيث تعلمت على يد والدها زكي مراد والملحن المعروف داود حسني، وبدأت بالغناء في الحفلات الخاصة ثم الحفلات العامة، ثم تقدمت للإذاعة كمطربة عام 1934 ونجحت، بعدها سجلت اسطوانات بصوتها، عام 1937 وقفت أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب والمخرج محمد كريم في فيلم يحيا الحب، وكانت غيرت اسمها إلى ليلى مراد، ورغم آدائها التمثيلي الضعيف إلا أنها جذبت أنظار فنان الشعب يوسف وهبي لتقدم معه فيلمها الثاني ليلة ممطرة نهاية عام 1939 ، وعندما أنشئت دار الإذاعة المصرية تعاقدت معها علي الغناء مرة كل أسبوع، وكانت أولى الحفلات الغنائية التي قدمتها الإذاعة في 6 يوليو عام 1934 غنت فيها موشح "يا غزالاً زان عينه الكحل"، ثم انقطعت عن حفلات الإذاعة بسبب انشغالها بالسينما ثم عادت إليها مرة أخرى عام 1947 حيث غنت أغنية "أنا قلبي دليلي" ، وغنت ليلى مراد حوالي 1200 أغنية، ولحن لها كبار الملحنين من أمثال : محمد فوزي، محمد عبد الوهاب، منير مراد، رياض السنباطي، زكريا أحمد والقصبجي ، ومثلت للسينما 27 فيلمًا كان أولها فيلم "يحيا الحب" مع الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1937 ، ارتبط اسمها باسم أنور وجدي بعد أول فيلم لها معه وكان من إخراجه وهو فيلم "ليلى بنت الفقراء"، وتزوجا عام 1945. كان آخر أفلامها في السينما "الحبيب المجهول" مع حسين صدقي واعتزلت بعدها العمل الفني عام 1955، وهو ما أرجعه أغلب النقاد إلى رغبتها في الاختفاء عن أعين الجمهور بعد أن نال التقدم في السن من جمالها ، لكن البعض يرى أنها أُجبرت على اعتزال الفن بضغط من السلطات وقتها ل "تدفع ثمن" ولاءها للواء محمد نجيب الذي غنت له أغنية "بالاتحاد والنظام والعمل" التي ظهرت فيها وهي تغني على سيارة مكشوفة في ميدان التحرير ، وحاولت ليلى مراد العودة مرة ثانية إلى الشاشة الفضية بعد إنجاب ابنها الأكبر زكي فطين عبد الوهاب، الممثل المعروف في الوقت الحالي، لكن محاولاتها باءت بالفشل ، كما أن زواجها من وجيه أباظة، عضو مجلس قيادة الثورة، كان سببا من أسباب اعتزالها الفن مراعاة لوضعها الاجتماعي الجديد آنذاك ، وأكدت اسرتها أنها كانت تصوم وتتلو القرآن ، وكانت ليلى مراد في سنواتها الأخيرة وثيقة الصلة بالشيخ محمد متولي الشعراوي، واستمر ذلك حتى آخر لحظات حياتها مساء الثلاثاء 21 نوفمبر 1995، حين رحلت في تمام الساعة العاشرة مساء، وتمت الصلاة عليها في مسجد السيدة نفيسة الذي كانت دائماً تزوره وتتصدق فيه بفريضة الزكاة، ودُفنت في مقابر العائلة بالبساتين.