- تسليم الأجانب المشتبه فيهم "في ظرف 24 ساعة" إلى القنصل بعد استجوابهم - لا يجوز دخول رجال البوليس إلى المنازل.. ويجب مرورهم على "التياتروهات" والخمارات والقهاوي لتأكيد الضبط والربط
- تنظيف السجون يوميا.. والأشغال الشاقة لا تتجاوز 6 ساعات في اليوم.. ومرور الأطباء أسبوعيا على المساجين
لا شيء سيفصح عن الزمن والمجتمع والناس، وربما قادته، أكثر من الوثائق.
القوانين واللوائح التي تنظم علاقة المجتمع بمؤسسات الدولة هي التي ستفصح أكثر، وستعينك على معرفة الأحوال بكثير من التفصيل.
في السطور القادمة، سنطلع على وثائق قوانين البوليس المصري، التي انتهى إليها نظام الحكم في نهايات القرن التاسع عشر، بداية من 1890 لغاية 1893، والتي تم طباعتها بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، وتم نسخها وإيداعها لدى مكتبة جامعة برنستون الأمريكية في نيوجيرسي.
ويلفت الانتباه في نصوص قوانين البوليس المصري آنذاك تطورها وكونها "تقدمية" بكل معاني الكلمة، فلا اختراق لخصوصية المواطنين بأي حال من الأحوال، ولا مجال للاستهانة بحقوق المسجونين، مع توفير الرعايات الطبية الكاملة لهم، وتكليف أطباء السجن بالمرور الدوري على مطابخ السجون لمعرفة نوعية الأطعمة المقدمة وفحصها والتأكد من أنها سليمة وصالحة للاستهلاك الآدمي أولا بأول، كما تجرى الفحوصات الطبية للمسجونين كلما دعت الحاجة لذلك، والتفتيش أسبوعيا على حالتهم.
ويلفت الانتباه أيضا مدد العمل المخصصة للمسجونين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة والتي لا تتجاوز 6 ساعات يوميا، والتعامل "الإنساني" معهم.. هنا أهم نصوص القانون..
احترام الخصوصية تبين المادة التاسعة عشرة من لائحة المحلات العمومية بأنه يجوز للبوليس الدخول في المحلات العمومية ما عدا المساكن الخاصة. حيث يجوز للضابطان الدخول إلى اللوكاندات والمنازل المفروشة لأجل مراجعة الدفتر المنصوص عليه والتحقق من خدمة هذه المحلات. كما يجوز للضباط والأنفار الدخول في التياترات ومحلات لعب الخيول (السيرك) والقاعات والنوادي والقهاوي والكلوب واللوكاندات المعدة للأكل والخمارات والحانات، بقصد تحقيق ما يقع مخالفا لنصوص هذه اللائحة أو للاستعلام عن شيء أو لضبط أحد الجناة أو كل شخص يكون جار البحث عنه بمعرفة البوليس ويكون قد التجأ إلى أحد تلك المحلات.
الضبط والربط وفي الجزء الأول الخاص بالإدارة، يتعين على المسئولين في مواقع البوليس جميعا إعطاء الأوامر المهمة في صور مكتوبة بدفتر يخصص لذلك، ومن واجب بوليس كل جهة أن يكونوا عالمين بكامل ما هو جاري في جهتهم من الأمور المتعلقة بالضبط والربط، وعليهم أن يقدموا بذلك تقارير إلى مفتش المديرية أو البلدة. وينص البند الثامن عشر على "أول واجب يؤديه البوليس من دون انتظار صدور أوامر عنه هو حفظ الراحة ومنع وقوع الجنايات، ولذلك يجب عليه عند حدوث أمر ما أن لا يؤخر عمله لحين عرض الواقعة على المفتش، بل يقتضي اللازم بحسب ما تقتضيه الأصول ثم يعرض عن الواقع.
انتخاب الخفر يخصص الباب الرابع من القانون للخفر، حيث يشكل في كل بلدة تحت رئاسة عمدتها مجلس مركب من مشايخها ومأذونها ومن أربعة إلى ثمانية من عمد المزارعين. أما الطرق والدروب والتلول الخارجة عن زمام النواحي المعتاد خفرها بمعرفة قبائل العربان بلا مقابل فيتبع ذلك وعلى كل قبيلة أن تقدم للمديرية التابعة لها دفترا بأسماء من ينتخبونهم منها للخفر وضمانات معتمدة عنهم. وينتخب مجلس البلد شيخا أو شيخين للغفراء بحسب حالة البلدة، وكل من وقع عليه الانتخاب بوظيفة مشيخة الخفر وكان حائزا للصفات يتعين عليه قبول ذلك ولا يقبل منه أعذار.
ويتم وضع نقط في أقسام الطرق الموصلة إلى البلد، وفي كل مكان مخيف وعلى موارد البحوث إن كانت البلدة على مقربة منها، ومقدار ما يلزم لكل نقطة من الأنفار بحيث لا تنقص خفراء كل نقطة عن نفرين ولا تزيد عن أربعة. ويلتزم خفراء كل بلدة بملاحظة من يمرون بها من الأغراب والتحري جيدا عن حقيقة من يقصدون المبيت فيها وإذا وقع الاشتباه في أحد منهم فعليهم أن يبادروا حالا بإخبار شيخ النوبة وشيخ الخفراء بذلك مع ملاحظة ذلك الغريب حتى يخرج من البلدة.
وإذا حصلت الاستغاثة من أي نقطة كانت ولم يحضر أحد لإغاثتها فكل من تأخر بعد بلاغ الاستغاثة أو تأخر عن تبليغها لمن هو بعده يكون هو الملزم والمسئول وخفراء تلك النقطة يكون حكم حكم باقي الخفراء الذين لم تبلغهم الاستغاثة. وخفراء الحدود ملزومون بملاحظة المارين في دركات خفرهم.
ويشمل الباب الخامس من القانون "العربان"، أي القبائل العربية، وفيه يكلف مشايخ وعمد قبائل العربان بضبط من يكون تابعا إليهم ممن يتصفون بالشقاوة وتسليمه للمديرية التابع لها، وهم مكلفون أيضا بتبليغ المديرية بسوء سلوك من يكون غير معلوم لديها من العربان. تنظيف السجون يوميا
وفي باب الخدمة الداخلية والاحتياطات الواجب توافرها للنظافة، يتبين أن القانون لم يدع مجالا للقائمين على السجن بعدم نظافته، حيث نص صراحة "يجب كل يوم كنس الأروقة والمماشي والسلالم"، أما المراحيض فيجب غسلها مرتين في اليوم.
وعلى الطبيب المنوط بخدمة السجن أن يعود كل يومين المسجونين ويعود المرضى منهم في كل يوم صباحا، وعليه أن يتوجه إلى السجن كلما دعاه المأمور لذلك، وأن يفتش في كل يوم اثنين كافة مفردات مكان احتجاز السجناء لتحقيق مراعاة كامل الاحتياطات والإجراءات المطلوب اتخاذها لحفظ الصحة وإجراء النظافة وبعد إجرائه هذا التفتيش يبدي للمدير أو المحافظ ما يتراءى له موافقا في هذا الشأن، وفي كل أسبوع يقدم تقريرا بما ينتج عنه التفتيش إلى المفتش العمومي للسجن.
كما يجب على الطبيب أن يفصح أنواع المأكولات القابلة للغش والإتلاف بنفسه، والملاحظات التي يبديها الطبيب يجري قيدها يوميا بدفتر يودع في القلم المعد للأمور.
كما يجب إجراء كشف طبي على كل مسجون حال قبوله بالسجن للوقوف على حالته الصحية.
وفي الباب الحادي عشر، المعنون ب "أحكام عمومية"، فينص القانون على أن يزور قاضي التحقيق في كل شهر مرة واحدة على الأقل الأشخاص المحبوسين احتياطيا في السجن الكائن بدائرة المحكمة، ويكون بمعيته في تلك الزيارة مندوب من قبل النائب العمومي، وعليهما أن يدونا في دفتر السجن ما يدر على ثبوت إجراء زيارتهم، وعليهما أن يسمعا شكوى كل من تأخروا في السجن بسبب تأخر قضاياهم. وفي باب "القرار الصادر من نظارة (وزارة) الداخلية بتاريخ 31 مايو من عام 1892، فيجوز استخدام الأشخاص المحكوم عليهم بالحبس في أعمال صناعية أو يدوية داخل السجون أو خارجا عنها، على أن تخصص هذه الأعمال بحسب استعداد كل محبوس للصناعة وبحسب بنيته. ويبدو لافتا أن الأشغال الشاقة تحددت بمدة لا تتجاوز 6 ساعات في اليوم تدخل فيها مسافة الطريق والمحكوم عليهم الذين يشتغلون خارج السجون.
ويصير استعمال 25% على الأقل من الربح المتحصل عليه من الأعمال الصناعية في تحسين حالة المحكوم عليهم من حسني السيرة، سواء كان ذلك أثناء مكوثهم بالسجن أم عند خروجهم منه.
كما حدد القانون أشكال العقاب على المتمردين داخل السجون، فكل محكوم عليه بالأشغال الشاقة يعمل عملا مخلا بالنظام أو الطاعة أو بلوائح السجن يعاقب بقصر غذائه على الخبز والماء مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام.
وفي الجزء الثاني من القانون، والذي يتضمن "الترتيب القضائي"، يتناول الجزء الثاني منه محاكمة الأجانب ووضعهم في الحجز، حيث ينص البند ال 17 على أن المتهم المسجون تحت الشبهة يسلم إلى قنصل الدولة التابع لها عقب استجوابه في ظرف أربع وعشرين ساعة بالأكثر من وقت ضبطه إلى أن يثبت وجود سجون لائقة للسجن بالقطر المصري ما لم يأذن القنصل بحجزه في سجن الحكومة.