"أحسن ناس.. بلد المواويل، برج الزغاليل، دي عروسة النّيل، يا بوي عالم شغّال يرخّص له المال رجّالة جد وحمل جبال يا بلدينا".. هكذا كتب صلاح جاهين وهكذا غنت داليدا عن سوهاج.. المدينة التى انطلقت من على أرضها الدعوة لتأسيس أول دولة موحدة فى العالم، والأرض التى أنجبت أغنى المليارديرات فى مصر، رغم أنها تتصدر خارطة الفقر.. المدينة التى إذا قررت زيارتها ستكتشف أن الدراما الصعيدية تخدعك! ليست مجرد "عِمة وتار وضرب نار" إنما وفى حوالى 3 آلاف كلمة فقط سننقل لكم الوجه الآخر الذى لن تراه إلا فى هذا الملف: تعالوا نعرف لماذا تتصدر المحافظة خريطة الفقر رغم أن رؤوس الأموال التى خرجت منها كانت كفيلة ببناء أحياء بأكملها فى القاهرة.. ماذا عن الثالوث الأزلى فى قرى الحرمان، وحول شباب المدينة المودرن وشباب القرى الشاحب الوجه، وكيف تغيرت أحوال البنت السوهاجية.. هل لاتزال تعانى من القيود على حريتها؟ .. وماذا عن أزمات التجارة والصناعة وفرص العمل؟ وفى الختام دردشة فى مكتب سيادة المحافظ: محطة الوصول لاحت فى الأفق بعد نحو 6 ساعات فى القطار، كل شيء يبدو مميزا ومختلفا ليس فقط فى ملامح الوجوه التى تبدو قاسية لمن ي أجرى الملف: محمد شعبان – محمد فتحى تصوير: محمد عبد المجيد 7 4 مناطق صناعية ولكن:60% من المصانع مغلقة 4 مناطق صناعية تضم مئات المصانع ولا تستوعب إلا نسبة قليلة من العمالة.. غياب المرافق والضرائب أهم المشكلات التى تواجه هذه المناطق. بدأت جولتنا من منطقة الكوثر السكنية الصناعية، وهى مدينة متكاملة فهناك أربعة معاهد عليا ومساكن للطلاب ومنشآت حكومية، وعلى أطراف الكوثر تواجه المصانع شبح الإغلاق والتعثر فى ظل غياب الدولة، وصادفتنا لافتات كثيرة على المصانع تفيد بأنها معروضة للبيع! ففى أحد مصانع الطوب الأسمنتى التقينا صاحبه أحمد السيد الشندويلى، حيث يقول: أكثر من 60 % من مصانع الكوثر مغلقة ومتعثرة وهناك تهديدات وتحديات تواجه المصانع أخطرها الضرائب العقارية التى تضاعفت 12 مرة وتوقف البنوك عن تمويل المشروعات بالإضافة لغلاء الكهرباء والمياه، فى حين تواجه مصانع أخرى مشكلات مع السلع المستوردة التى يتم بيعها بأسعار أقل وتضرب المنتج المحلى بعد أن تتهرب من الجمارك، وهناك أيضا نقص فى المرافق ومياه الشرب النقية، ونقص العمالة المدربة. ولا تختلف المنطقة الصناعية في طهطا عن أي مناطق صناعية أخرى في سوهاج فهي تعاني معاناة شديدة.. ويقول المهندس علي عيد- مدير المنطقة الصناعية السابق ومساهم في أحد المصانع-: المنطقة الصناعية بطهطا سيئة، فيوجد بها 220 مصنعا يعمل منها 50 والباقي متعثر أو مغلق، وأنا ذهبت لمكتب الاستثمار في المحافظة ووجدته عدوا للمستثمرين، فهناك روتين في كل شيء، والمنطقة حاليا بها عمالة تزيد على 5 آلاف عامل، وبها مجمع أثاث تحت الإنشاء، ومن أكبر الأخطاء في المنطقة هو وجود مدفن صحي ضار جدا، كما أن الأرض هنا يتملكها المستثمر بعد أن يثبت جدية. 0 0 0 0 0 0 8 الغرفة التجارية: اكتفاء ذاتى فى بلد 120 ألف تاجر الغرفة التجارية بسوهاج تقوم بدور كبير فى توعية التجار وحل مشكلات المناطق الصناعية مع المحافظة.. حيث يقول الحاج إسماعيل عيسى، عضو مجلس إدارة الغرف التجارية: كل المصانع والشركات والمحلات والمطاعم وخلافه تقع تحت سقف الغرفة التجارية، التى كانت تسمى قديما بالشاهبندر، وتسعى الغرفة حاليا للقيام بدور كبير فى توعية التجار خاصة وأن الأنشطة التجارية غير المرخصة بلغت نسبتها 30 % وهى تمثل السوق السوداء، سوهاج فى الأصل بلد زراعى وليس صناعيا وهى المحافظة الوحيدة التى تحقق اكتفاء ذاتيا فى القمح والحبوب والخضراوات فهناك فائض يتم تصديره للمحافظات الأخرى، ومع ذلك تعد المحافظة الأولى طردا لسكانها، حيث يمكن أن نؤكد أن 70 % من شباب سوهاج يعملون فى الخارج. أما أحمد البنان عضو مجلس إدارة الغرفة فيؤكد أن سوهاج بها فرصة هائلة للاستثمار وهناك مؤتمر دولى للاستثمار فى الصعيد فى الغردقة الشهر القادم، ويتم خلاله تسويق المشروعات الاستثمارية والتنموية فى محافظات الصعيد، فهناك 4 مناطق صناعية وكل ما هو مطلوب من الدولة الدعم وتوفير بنية تحتية ومصادر تمويل طاقة، وعندنا سوق بكر وموارد بشرية. يقول المهندس أحمد الناظر، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بسوهاج إن دور الغرف التجارية فى مصر بشكل عام تحكمه لوائح وقوانين، حيث يكون من دورها إمداد الحكومة بالمعلومات وتقديم مقترحات لتطوير وتنمية التجارة والصناعة فى المحافظة ودور آخر فى جميع الأنشطة التجارية والاقتصادية هذا إلى جانب رعاية التاجر وتوفير النواحى الصحية والاجتماعية له، وفى غرفة سوهاج بدأنا نطور من دورنا لحل مشكلات التجارة والمناطق الصناعية إلى جانب العمل على تطوير مناخ الاستثمار، خاصة وأن هناك قيودا صارمة تجعل من الاستثمار مسألة مستحيلة فمثلا الاشتراطات الخاصة بالدفاع المدنى تجعل صاحب المصنع فى حاجة لعمل وحدة مطافى كاملة وهذا شيء لا يمكن تصوره، أيضا هناك إجراءات بيروقراطية وروتينية تعطل كافة الأشياء من هنا كان يجب أن نمثل صوت التاجر والمستمثر والصانع أيضا لتذليل مثل هذه العقبات. وأضاف الناظر أن سوهاج بها مقومات كبيرة جدا رغم حالة الفقر التى تضرب القرى والتى تحتاج لتدخل من المسئولين لتوفير الاحتياجات الأساسية للحياة كالمياه النظيفة والكهرباء، لكن سوهاج كمحافظة بها فرص واعدة وأرض بكر لكنها تحتاج لاهتمام، وتوعية ثقافية، خاصة أنها بيئة طاردة لرؤوس الأموال، فأغلب أصحاب الأموال يستثمرون أموالهم خارجها بسبب بعض العادات السلبية حيث تجد أحقادا من البعض، وتجد أيضا من يريد تعطيل أى نجاح لأسباب ودوافع شخصية، يعنى البلدى "محدش بيحب يسيب حد ينجح.. الناس مركزة مع بعض" والسبب أننا أمام مجتمع منغلق بعض الشيء. وذكر الناظر أن سوهاج بها إمكانيات سياحية هائلة فهناك أديرة ومعبد أبيدوس وآثار أخميم التى ترجع لعدة عصور، ورغم ذلك المحافظة ليست موجودة على خارطة السياحة، رغم هذه الإمكانيات التى لو تم استغلالها ستوفر المزيد من فرص العمل. 0 0 9 الثالوث الأسود فى قرى الفقر: حرمان ومرض وبطالة نسبة الفقر في سوهاج تصل إلى 70 % وخاصة فى القرى وهو ما جعلها المحافظة الأفقر على مستوى الجمهورية.. وتحظى بنصيب الأسد فى خريطة القرى الأكثر حرمانا.. المشهد المتكرر فى هذه القرى كالتالى: مناطق نائية جدا فى قلب الصحراء لا يوجد به مياه نظيفة ولا صرف صحى ولا وحدة صحية، بيوت بالطوب الأحمر والطين، شوارع ضيقة يعشش فيها الحرمان من كل شيء، سكان لا يجدون الحماية من برد الشتاء ويعملون باليومية فى المزارع أو فى الفاعل أو فى انشطة بسيطة.. بيوت كثيرة مسقوفة بالقش وتكون عرضة للحرائق المدمرة، وجوه خشنة يكسوها الحزن والقسوة، فى قرية "الطوالب" بمركز طهطا.. وجدنا الحاج حنفي، وهو رجل في السبعين من عمره ومع ذلك يجلس أمام منزله المتواضع ينتظر الرزق فلا يعرف جسده طعم الراحة.. ويقول: القرية كلها على قد حالها وعلى الله، وكله يبحث فقط عن لقمة العيش، وظروفنا صعبة جدا، عندى 70 سنة ولسه باشتغل فى الفاعل بالأجرة.. لسه بناكل عيش حاف .. حتى مافيش سرير أنام عليه. أما علام أحمد فيعاني من فيروس Cمثل العديد من أهل القرية الذين يعانون من الفشل الكلوى ويقول: المياه ملوثة ولذلك انتشر فيروس Cولا نجد العلاج، وعندنا وحدة صحية ومقفولة وحتى الأطفال جاءهم الفيروس بسبب الفقر والجهل. 0 0 0 10 دردشة فى مكتب المحافظ: العلامة التجارية لسوهاج" فقيرة وطاردة" لكن الواقع غير ذلك الدكتور أيمن عبد المنعم، محافظ سوهاج رجل دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، فعندما التقيناه بمكتبه فى نهاية جولتنا، وجدناه منغمسا فى مشكلات المحافظة التى يصفها بأنها "متقطعة الأوصال"، حيث يحكى تجربته لنا من موقع مسئوليته قائلا: بعد أن حلفت اليمين الزملاء كانوا يعزوننى وكأن منصب المحافظ فى سوهاج كان "شربة وشربته"، لأن العلامة التجارية لسوهاج أنها "فقيرة وطاردة" للسكان، وحزمت أمتعتى وجئت للمحافظة وكانت المفاجأة أننى وجدت نيلا يفتح النفس وشوارع ترد الروح وعندما تعاملت مع الناس عن قرب وجدت أنهم فى غاية الطيبة ووجدت مطارا وطريقين فى الشرق والغرب وكثافة سكانية معقولة.. وسألت نفسى كيف تكون هذه المحافظة فقيرة رغم كل هذه الإمكانيات وكانت الإجابة أنه لا يوجد تخطيط جيد، ووجدت أن سوهاج "ظُلِمَت" بجد فهناك مشكلة فى تطوير الشوارع لأن المحليات لا تعمل والإضاءة خافتة فتعطى لك إيحاء نفسيا بالاكتئاب، فبدأنا نسير معا فى خطوط متوازية بتطوير الطرق وتحديث إضاءات الشوارع وبدأنا ننظم المراكب النيلية وأول مرة أشعر بوجود محافظة تنتهك لصالح أشخاص. والحمد لله التجربة نجحت، واليوم هناك ملفات للاستثمار فى سوهاج، وفى المؤتمر الاقتصادى هناك 13 مشروعا للاستثمار فى المحافظة. وحول معاناة قرى سوهاج، قال المحافظ: غالبية القرى محرومة من خدمات المياه والصرف ولا ننسى أنه فى مجال الصرف على مستوى الجمهورية ما تم إنجازه لا يتجاوز 25 % لأن كيلو المياه يتكلف مليونا وفى الصرف 10 ملايين، كما أن هناك مشروعات تم الانتهاء منها لكن المحصلة سيئة مثل مدينة المنشأة التى تم الانتهاء من مرفق الصرف فيها لكن يحتاج لإعادة تأسيسها من جديد، وخلال الشهر الماضي استلمنا 15 مشروعا فى طهطا ودار السلام وكانت من المناطق الأكثر حرمانا، وجمعنا مشروعات أخرى من مياه وصرف وليس لهم ميزانيات فوجدنا المحافظة بكل قراها تتكلف 82 مليون جنيه، وليست هناك ميزانية فاتجهنا للبنك الدولى ووزارة التعاون الدولى، وهناك نصف مليار لسوهاج وقنا لحل مشكلة المرافق "المياه والصرف" قريبا وهو ما ينعكس بالإيجاب على تطوير القرى المحرومة. أما الوحدات الصحية المغلقة فإن الدولة توسعت فى بناء المستشفيات والوحدات الصحية ولكنها لم تتوسع فى توظيف الأطباء لتشغيل هذه الوحدات المغلقة، وأخرجوا سوهاج من المناطق النائية. وحول أزمات الصناعة والاستثمار، أضاف المحافظ: كان القرار الجمهورى ينص على إعطاء أرض المصنع بالمجان للمستثمر فكان ذلك يشجع المستثمرين، لكن قانون الاستثمار الجديد رقم 17 ألغى هذا البند فلم تعد الأرض بالمجان، ثانيا مرافق المناطق الصناعية ليست كاملة ولا توجد تسهيلات ولا شفافية، وتحدثت مع الوزير منير فخرى عبد النور حول المرافق ومقترحات إنشاء مصانع حديد وصلب وأسمنت فقال لى "لأ انسى سوهاج" وطلبت منه أن يساعدنى فى صناعة الأثاث ولكن دون جدوى، والكارثة الأكبر أنه تم نقل مرافق المناطق الصناعة لميزانية المحافظة ومن هنا فاتجهنا للتعاون الدولى والبنك الدولى للمساهمة فى التمويل، فالمشكلات ليست فى يدى، والكثير من القرارات تتعارض مع رؤية القيادة السياسية، ووكيل الوزارة لا أستطيع أن أنقله حتى رئيس الحى لا أستطيع تغييره دون الرجوع للوزير حتى المدارس يجب أن نرجع لوزارة التربية والتعليم لأن الميزانية والقرار فى يديه، فالخطة فى الوزارة والقرار فى يد الوزارة.. هذا هو وضع المحافظ للأسف! 0 0 0