"أحسن ناس.. بلد المواويل، برج الزغاليل، دي عروسة النّيل، يا بوي عالم شغّال يرخّص له المال رجّالة جد وحمل جبال يا بلدينا".. هكذا كتب صلاح جاهين وهكذا غنت داليدا عن سوهاج.. المدينة التى انطلقت من على أرضها الدعوة لتأسيس أول دولة موحدة فى العالم، والأرض التى أنجبت أغنى المليارديرات فى مصر، رغم أنها تتصدر خارطة الفقر.. المدينة التى إذا قررت زيارتها ستكتشف أن الدراما الصعيدية تخدعك! ليست مجرد "عِمة وتار وضرب نار" إنما وفى حوالى 3 آلاف كلمة فقط سننقل لكم الوجه الآخر الذى لن تراه إلا فى هذا الملف: تعالوا نعرف لماذا تتصدر المحافظة خريطة الفقر رغم أن رؤوس الأموال التى خرجت منها كانت كفيلة ببناء أحياء بأكملها فى القاهرة.. ماذا عن الثالوث الأزلى فى قرى الحرمان، وحول شباب المدينة المودرن وشباب القرى الشاحب الوجه، وكيف تغيرت أحوال البنت السوهاجية.. هل لاتزال تعانى من القيود على حريتها؟ .. وماذا عن أزمات التجارة والصناعة وفرص العمل؟ وفى الختام دردشة فى مكتب سيادة المحافظ: محطة الوصول لاحت فى الأفق بعد نحو 6 ساعات فى القطار، كل شيء يبدو مميزا ومختلفا ليس فقط فى ملامح الوجوه التى تبدو قاسية لمن يتأ أجرى الملف: محمد شعبان – محمد فتحى تصوير: محمد عبد المجيد 1 مليارديرات.. 3 يتصدرون قائمة فوربس وضيف الله يمتلك نصف المدينة! عندما تزور سوهاج لأول مرة تشعر بالدهشة، حيث تكتشف أن الصورة المنطبعة بذهنك غير حقيقية.. مشهد النيل يدعو للبهجة وعلى جانبيه عدد لا حصر له من الأوتيلات والأبراج الفخمة حيث يصل سعر الشقة المطلة على الكورنيش إلى 2 مليون جنيه! أما الفيلات المغلقة والمنتشرة بكثرة فى المكان فتكشف عن سر هذه المدينة التى خرج منها مليارديرات تصدر ثلاثة منهم لقائمة فوربس العالمية وينتمون لأسرة واحدة وهى أسرة ساويرس!.. لكن كما يقول المثل الدارج حول سوهاج فإن "خيرها لغيرها".. فمن هنا خرج نجيب ساويرس ورشاد عثمان ومنير فخرى عبد النور ومن هنا أيضا خرج ولا يزال يخرج أباطرة المقاولات الذين بنوا مناطق بأكملها فى القاهرة والجيزة وامتد نفوذهم إلى دول الخليج.. إلا رجل أعمال واحد يملك نصف المدينة الآخر والمشرق أيضا فلم يتحرك من موقعه ولا سيرة في وسط البلد بسوهاج تعلو فوق سيرة الحاج أحمد ضيف الله.. حيث يقول أحمد اللبان، عضو الغرفة التجارية بالمدينة: هناك رؤوس أموال كبيرة وطائلة ولكنها خارج المحافظة، ولم يبق سوى أحمد ضيف الله الذي يصل رأس ماله إلى مليار و400 مليون جنيه، ويملك مدينة كاملة بها 150 عمارة وأبراج ونسبة التسكين لا تتعدى 60% لأن الأسعار خيالية، ويقال إنه كان يعمل خولي عزبة وكانت كل المنطقة ملكا لباشوات، وعندما قامت ثورة يوليو سافر أصحاب الأراضي الباشوات، واستولى ضيف الله على مساحات طائلة داخل الحيز العمرانى للمدينة، عنده أكثر من 80 عاما ويجلس الآن على كرسي متحرك، وابنه يقوم حاليا بإنشاء أول جامعة خاصة في مدينة سوهاج الجديدة. وفى مدينتة الخاصة أنشأ هذا الرجل مدارس خاصة تعد الأفخم فى مصر ومحلات تجارية بها ماركات عالمية. 0 2 شباب سوهاج: مودرن فى المدينة .. وفى النجع ملامحه قاسية ولا يحمل موبايل! "لابس جلابية وراكب حماره ورايح الغيط".. هذه هي الصورة التي يتخيلها أي شخص عن الشاب السوهاجي.. ولكننا عندما ذهبنا إلى هناك وجدنا صورة أخرى فهناك اختلافات كثيرة بين دماغ شباب المدينة وشباب النجوع والقرى.. شباب المدينة موردن ومواكب للعصر وشباب القرى والنجوع الفقيرة لا يزالون أسرى للماضي! ففى المساء تبدو المحافظة صاخبة وتكتظ الكافيهات الحديثة بالشباب، ولا يختلف المشهد كثيرا ستشعر وكأنك فى الزمالك أو شارع جامعة الدول العربية، حسن صلاح - 29 سنة - بدأ حديثه معنا قائلا: أهم شيء يشغل بال الشباب فى المدينة هي فرص العمل والتي تعتبر معدومة في سوهاج، هناك من يسافر للخارج أو حتى للقاهرة ويعمل فى أى شيء حتى ولو فى كافيه، لكن فى سوهاج عاداتنا وتقاليدنا تمنعنا من العمل فى أى مهنة قليلة الشأن خاصة عندما يكون الشاب ابن عائلة أو قبيلة معروفة، والشاب الغني لو قرر البقاء هنا يفتح كافيها أو مطعما أو محل ملابس أو محل اكسسوارات. أما فهمي منصور، أحد شباب المدينة، فيقول: لو تحدثنا عن الزواج في سوهاج سنجد أن الأسرة تطلب مطالب عالية، فالذهب ممكن يصل إلى 50 ألف جنيه، وهناك سمة يجب أن نتحدث عنها في سوهاج، ففي المدينة مع وفود ناس من خارجها اختلفت الثقافة، فهناك شباب من القاهرة أو الإسكندرية يعيشون هنا، وناس فتحت مشاريع، بجانب وسائل الإعلام، فتغير تفكير الشاب الصعيدي، ومنذ 3 سنوات انقلبت المدينة وتغير المشهد كثيرا. أما عن شباب النجوع فكانت هناك صعوبة في التحدث معهم، فهم إما خائفون من الحديث أو ليس لديهم ما يقولونه، يتحدثون بلهجة صعيدية حادة وتبدو ملامحهم خشنة ومرهقة، الجلابية والعمامة هى الزى الرسمى، أما ردودهم فتبدو مقتضبة بشدة وأكثر ما يشغلهم "العمل والزواج".. ففي أحد النجوع وجدنا شابين في الشارع حاولنا التحدث معهما لنعرف ما يدور في ذهنهما، حيث يقول حسين يحيي- 24 سنة- : أنا لم أتعلم لأننى من نجع فقير، وأظل طوال الوقت أبحث عن أي عمل، ولا أجد، وغالبية الشباب يعملون فى الفاعل واليومية ب 50 جنيها، ونظرا لفقرنا فالأهالي يسهلون الزواج، وأغلب الزواج من داخل العائلة أو القبيلة، وأنا تزوجت من قريبتي، وأعيش مع والدي وأهلي في منزل واحد. أما محمد حنفي - 23 سنة - فيقول: أكل العيش مر، والشاب في القرية لا يفكر أساسا، كيف نفكر ونحن نعيش في فقر، سواء من تعلم أو من يجد لقمة العيش أسهل منا، أو شباب المدينة الأكابر، ولكننا هنا نرى الذل فقط، ولا نعرف شيئا عن السياسة وليس لنا فيها، وليس معي موبايل مثل أولاد المدينة، وكل ما أحلم به أن أجد مالا اشتري به توك توك، وهذا أصبح حلم كثير من الشباب في القرى. 0 0 3 البنت السوهاجية.. مساحة الحرية مرتبطة بدرجة تفتح الأسرة البنت السوهاجية.. تحترم العادات والتقاليد ومساحة الحرية التى قد تحصل عليها ترتبط بمدى تفتح الأسرة ومستواها التعليمى، أما معدلات القهر فقد تراجعت بشدة.. هذا ما توصلنا إليه من خلال حديثنا مع بعض الفتيات بالجامعة.. آية محمد، طالبة بالفرقة الثالثة، كلية الآداب، فترى أن التحضر وإتاحة الفرصة للبنت فى الخروج والتحرر من القيود الصعيدية يعود لثقافة الأهل فإذا كانوا يريدون مواكبة العصر فبالتأكيد سينعكس ذلك على بناتهم بشرط احترام القيم والشعور بالمسئولية، ولذلك فالبنت التى تنتمى للأسر المتفتحة لا تجد مشكلة أو صعوبات فى الحياة بعكس البنت التى تنتمى لأسرة منغلقة أو غير متعلمة، ولذلك فالمستوى التعليمى للأسرة هو الذى يحدد مدى الحرية التى تتمتع بها البنت، وأرى أيضا من خلال معايشتى خاصة وأننى أنتمى لقرية تتبع مركز المراغة أن القهر الذى كانت تعانى منه البنت الصعيدية فى الماضى تراجع بشدة ففى موضوعات الزواج والارتباط يؤخذ برأى البنت، أما فى مجال الموضة والأزياء فالجيل الجديد بالطبع خرج عن المألوف والمعتاد فى حين أن جيل الأمهات والجدات لايزال يحافظ على الزى التقليدى مثل ارتداء "الثوب" الطويل الذى يغطى الرأس حتى الأرض، ولكن جيلنا يرتدى الملابس العصرية. وترى رحمة خيرى، طالبة بآداب إعلام سوهاج، أن التحديات التى تواجه البنت السوهاجية وخاصة عندما تكون طالبة جامعية تتمثل فى مشكلة السفر فالكثير من الأهالى يرفضون سفر بناتهم للتعليم خارج المحافظة أيضا مشكلة الاختلاط بين الشباب والبنات فهذا أمر ممنوع ويرفضه العرف السائد إلا فى نطاق ضيق، أيضا المحاضرات عندما تكون فى وقت متأخر من النهار وتصل للمساء وتضطر البنت للعودة للمنزل بعد المغرب فهذا أمر مزعج بالنسبة للأسرة. 0