منذ عام 2011، وتقتصر التغطية الإعلامية للحرب في سوريا على المناطق التي يسيطر عليها المتمردين والجهاديين. وبعيدا عن اللقاءات المتكررة وغير المثيرة للاهتمام مع الرئيس السوري بشار الأسد، تمكن بعض المراسلين الغربيين من الوصول الاستثنائي، لا سيما في الفترة الأخيرة إلى دمشق، التي كانت بمثابة "لغز كبير" منذ 5 سنوات تقريبا. وبينما يفر عشرات آلاف اللاجئين من ويلات الحرب في سوريا، حصل مارتن سميث، مراسل شبكة "بي بي إس" الأمريكية على موافقة بزيارة استثنائية إلى دمشق، مقر النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ليظهر الفرق بين الحياة فيها وتلك في باقي المدن السورية التي دمرتها الحرب. وفي تقريره المصور بعنوان "داخل سوريا الأسد" الذي تم بثه عبر الشبكة التليفزيوني الأمريكية مؤخرا، أوضح سميث الحياة الطبيعية جدا في دمشق حيث المنتجعات والحفلات الموسيقية بينما تشهد باقي أنحاء البلاد حربا بلا هوادة. بدأت رحلة سميث من بيروت التي تبعد بضعة أميال فقط عن دمشق، لافتا أن هذا هو الطريق الوحيد الآمن للوصول إلى هناك. وأضاف أنه منذ اندلاع الحرب السورية منذ حوالي أربع سنوات، ويحظر نظام الأسد بشدة الوصول إلى دمشق. لكنه تمكن من الحصول على تصريح استثنائي بدخولها. فور وصوله دمشق، أعرب سميث عن دهشته من مدى الارتياح الواضح على وجوه المارة في الشوارع ومدى طبيعية الحياة هناك، من شباب ورجال على المقاهي ومحلات ومطاعم وبارات مكتظة بالسوريين، بالرغم من الحرب المشتعلة على بعد عدة دقائق فقط. وأثناء تجوله في شوارع دمشق، سأل سميث بعض المارة عن المدينة السورية الأصلية التي ينتمون إليها وكان أغلبهم من حمص وحلب وتدمر، حيث فروا إلى العاصمة بعد استيلاء الجهاديين على معظم هذه المناطق. وأشار إلى أن أعداد هائلة أخرى من السوريين فروا إلى تركيا والأردن ولبنان وأوروبا. وأجمع معظم السوريين الذين أجرى معهم المراسل لقاءات على أنه لا بديل عن الأسد في الوقت الحالي، وأنه هو الوحيد القادر على السيطرة على سوريا. وقال آخرون إن مظاهرات 2011 كانت لها مطالب شرعية حتى تم الاستيلاء على الثورة من قبل جهاديين مدعومين من الأجانب، فهم يرفضون فكرة أن المتمردين المدعومين من الغرب "معتدلين" كما يشار إليهم دائما في الإعلام الأمريكي، بحسب سميث الذي أوضح أنه أثناء حواراته مع السوريين في شوارع دمشق، هناك ميل إلى مزج جميع الجماعات المسلحة المعارضة إلى الأسد تحت تصنيف "متطرفين طائفيين". وتابع سميث أنه في الوقت ذاته، ليس الجميع هناك يحب الأسد، لكن الطريقة التي يعبرون بها عن ذلك ليست مباشرة فهناك خط أحمر لا يمكن لأحد تجاوزه. وبدلا من ذلك كان يشدد هؤلاء على حبهم لسوريا، ودعم الحكومة ليس حبا في النظام لكن تجنبا لانهيار الدولة كما حدث في العراق بعد صدام وليبيا بعد القذافي. وعندما طرح سميث سؤال "كيف ستنتهي الحرب في سوريا"، كانت الإجابة الأكثر صدقا هي :"الله أعلم". وحضر سميث مؤتمرا ترويجيا لدعم نظام الأسد، بمشاركة مستشارين إعلاميين للأسد ودبلوماسيين روس ووزير الخارجية السوري وليد المعلم والمفتي السوري، حيث تم عرض فيلم وثائقي عن الحرب في سوريا يوضح أن النظام يدافع عن نفسه لا أكثر. مشيرا إلى أن صور بشعة لضحايا الهجمات ضد النظام كانت معروضة خارج قاعة المؤتمر. مضيفا أنه كان الأمريكي الوحيد هناك. ثم انتقل المراسل في تقريره إلى سوريا التي تشهد معارك مروعة ويسيطر عليها جماعات جهادية مثل داعش أو متمردين مدعومين من قبل الغرب، حيث تقوم قوات الأسد بقذف مناطق مدنية بالقنابل البرميلية. ونقل عن بعض السوريين دهشتهم من وصف الولاياتالمتحدة للأسد بإنه مجرم حرب لكنها لا تقوم بإي شئ حيال ذلك سوى إرسال المساعدات إليهم فقط. وعن الصعوبات التي واجهها سميث، قال إن الصحفيين يتعرضون لكثير من التقييدات ومنها أنه يجب الموافقة على خط سير المراسل من قبل قسم الإعلام الأجنبي في وزارة الإعلام. وأضاف أنهم يمنحون تأشيرات لمدة 7 أيام فقط ويعينون لكل صحفي رجل ليصاحبه دائما. لافتا أنه تمكن من التحايل على هذا. وأشار إلى أنه تلقى مكالمة هاتفية هذا الصيف بعد عدة محاولات من دخول دمشق، وطلب منه ما إذا كان يرغب في مشاهدة بعض مقاطع الفيديو التقطها صحفي سوري يدعى ثائر العجلاني الذي جاب أنحاء سوريا وأجرى حوارات مع لاجئين وجنود بالجيش السوري. وأجاب سميث آنذاك أنه بالطبع يرغب في ذلك، بل وأنه يرغب أيضا في لقاء العجلاني شخصيا في دمشق، وكان الرد أنهم سينظرون في الأمر. وكانت المفاجأة أنه بعد أسابيع فقط تلقى سميث دعوة من مكتب الرئيس السوري، بدعم من وزارة الإعلام، بدون مصاحب له وأن تأشيرته ستكون مفتوحة. تدخل روسيا المباشر في الحرب يمثل تحديات جديدة، بحسب المراسل الأمريكي، لكن فرص جديدة في الوقت ذاته. تدرس واشنطن وموسكو الآن إمكانية وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي في دمشق. فشلت الجهود السابقة في تحقيق ذلك، لكن مع تزايد أزمة اللاجئين وشبح حرب أكثر قسوة يثير مبادرات جديدة. واختتم تقريره بأن الشيء الأكثر إثارة للحزن حول سوريا هو أن الشعب السوري اتخذ قراره، فالمعارضة السورية ترى الأسد وحش يسعى إلى الانتصار بأي ثمن. في ما يشعر الموالين للأسد إنهم محاصرين بالمؤامرات الأجنبية، وكل من وجهات النظر هذه ربما يكون صحيحا بعض الشئ، لكن التمسك بهم غير مجدي، وسيؤدي ذلك إلى نوع من القسوة التي بدورها ستجلب مزيد من المعارك والمعاناة واللاجئين والقتل.